الحرب البيولوجية والديمغرافية للسيطرة والقضاء على الفلسطينيين
يشكّل البقاء والوجود الفلسطيني والنمو الديمغرافي والحراك الفكري السياسي هاجسا يقلق إسرائيل وتعمل على السيطرة عليه. فيما يلي نماذج لمحاولات السيطرة.
حرب بيولوجية
كشف بحث أرشيفي إسرائيلي عن حرب إسرائيل البيولوجية ضد الفلسطينيين وعنوانه "1948 :Cast thy bread Israeli biological warfare during the 1948 War" نُشر في 19/09/2022 في مجلة Middle Eastern Studies، وتحدث عن عملية سرّية عرفت باسم "أعمل طيبا"، لتسميم آبار المياه في قرى عربية في إبريل/ نيسان 1948، عن طريق حقن جراثيم في مياه الشرب وتسميم الآبار في قرى عربية مهجورة لمنع العرب من العودة إليها. يؤدّي التسميم إلى الإصابة بمرضي التيفوئيد والديزنطاريا. واعتمد البحث على وثائق تضم شهادات عن العملية، وتدل على أنها كانت واسعة جداً، وشاركت فيها، إضافة إلى بن غوريون، شخصيات قيادية أخرى في قيادة الجيش والدولة، منهم موشيه دايان ورئيس قسم العمليات في الجيش الإسرائيلي، إيغال يدين.
محاربة تعدّد الزوجات
أعلنت وزيرة القضاء الإسرائيلية، إيليت شاكيد، من حزب "البيت اليهودي"، في العام 2015 عن خطّة لمكافحة تعدّد الزوجات بين بدو النقب الفلسطينيين، في محاولة للحد من تكاثرهم الطبيعي، تشمل تطبيق القانون وإنزال العقوبات التي تشمل الحرمان من امتيازات مالية، وحرمان متعدّدي الزوجات من مخصّصات التأمين الوطني للأطفال، بالإضافة إلى العقوبة الجنائية بالسجن الفعلي. وبرّرت الوزيرة أن تعدّد الزواج "يقوّض أركان النظام العام في مجتمع متنوّر ويلحق الأذى بالنساء والأطفال ممن يتعرّضون للإهمال والفقر في أحيانٍ كثيرة".
ما بين 2017-2021 فتحت الشرطة 631 ملفا ضد مخالفي تعدّد الزوجات، وجرى تقديم 55 لائحة اتهام، كما تم تحديد حكم بـ 20 ملفا، مدّة الحكم 18 شهر سجن فعلي
وصدرت، في العام 2017، تعليماتٌ المستشار القضائي حول الموضوع التي أكّدت على ضرورة تطبيق القانون، فيما يتعلق بتعدّد الزوجات، وتقديم لوائح اتهام ضد منفّذيها. وفي العام 2018، تم تشكيل طاقم مندوبين من عدة وزارات لمتابعة الموضوع، والذي أوصى بسلسلة خطوات للحدّ من الظاهرة "من خلال تطبيق القانون والتوعية". وفيما يتعلق بتطبيق القانون، أكد أن الشرطة لا تصل إليها بلاغات حول الأمر، لكن المعلومات متوفرة في المحاكم الشرعيّة ووزارة الداخلية وفي مؤسسة التأمين الوطني. ومن هنا، اقترح الطاقم أن تساهم هذا المؤسّسات في تطبيق القانون وتقدّم المعلومات للشرطة. واقترح أيضا تعديل توصيات المستشار القضائي، لتشمل في معايير تشديد العقوبة بند "محاولة خداع السلطات". قُبلت هذه التوصيات في القرار الحكومي رقم 4211 المصادَق عليه يوم 25/10/2018. وتم تشكيل ثلاثة طواقم لمتابعة الموضوع من وزارتي القضاء والداخلية. وفي 19/01/2022 نشر مركز المعلومات والأبحاث في الكنيست تقريرا عن تعدُّد الزوجات وتطبيق القانون. أكّد فيه أن الشرطة ما بين 2017-2021 فتحت 631 ملفا ضد مخالفي تعّدد الزوجات، وجرى تقديم 55 لائحة اتهام، كما تم تحديد حكم بـ 20 ملفا، مدّة الحكم 18 شهر سجن فعلي.
تحديد نسل الفلسطينيين
كشف تحقيقٌ نشرته مجلّة ليبرال العبرية وصحف عربية عن أنّ السلطات الصحيّة الإسرائيلية تحقن النّساء البدويات في النقب بمانع الحمل "ديبو بروفير Depo-Provera" بنسب أعلى بكثير مقارنة بغيرهن من النساء في المجتمع الإسرائيليّ، وذلك من دون تقديم إيّ إيضاحات لهنّ عن خطورة آثاره الجانبيّة أو تقديم خيارات أخرى. على الرغم من التحقيقات التي تطرّقت لما حدث قبل سنوات عن هذه الحقنة، إلا أن المدير العام لوزارة الصحة صرّح أنه لن يتم استخدامها على السكان الذين لا يمكن شرح العواقب لهم، إلا أن الدواء يُعطى حاليًا، وبمعدل أعلى بكثير، للنساء البدويات مقارنة ببقية النساء في المجتمع الإسرائيلي.
وأثبت التحقيق أن النساء البدويات هنَّ المستهدفات بهذه الحقنة، وأن ما يحدُث ليس من قبيل المصادفة؛ فبشكل دائم، تتلقى النساء من المجتمع البدوي الحقنة بمعدّل أكثر من أي مجموعة سكانية أخرى في "إسرائيل". وبحسب معدّة التحقيق، فإن لجنة القضاء على العنصرية والتمييز التي أنشأتها الحكومة الإسرائيلية، ناقشت، قبل أربع سنوات، ملف حقن النساء الإثيوبيات "Depo - Provera". وقالت أستاذة الصحة العامة في جامعة بن غوريون، نهاية داود، وكانت عضوا في اللجنة، "إن تصريحات داخل اللجنة كانت بشأن إعطاء الحقن لنساء فلسطينيات في إسرائيل، ولكن لم يكن هناك دليل".
تتدخّل الدولة العبرية في أجساد النساء الفلسطينيات وحياتهن وحياة أطفالهن، حين يخدم الأمر سياساتها، فتعمل على تحديد النسل ومنع تعدّد الزوجات
عنصرية أطباء تدعو إلى تحديد النسل الفلسطيني
السياسات المذكورة وفكرة السيطرة على النسل الفلسطيني و"الخوف من رحم المرأة الفلسطينية" مستمرّة وتنعكس أيضا في تفوّهات أطباء وأشخاص في مواقع مهمة كما حدث قبل أيام، حيث تفوّه مدير قسم القلب في مستشفى سوروكا في بئر السبع، الدكتور جدعون ساهار، بتصريحات عنصرية خلال مشاركته في حلقة بيتية انتخابية للمتطرّفة أيليت شاكيد، إنّ أرحام النساء العربيات البدويات هي المذنبة في ولادة (أطفال مخالفين)، واقترح الحدّ من النسل. لقي هذا التصريح ردود فعل فلسطينية عديدة، واستنكرته لجنة التوجيه العليا لعرب النقب، ودعت مؤسّسات وجمعيات في المجتمع المدني إلى إقالة الطبيب من منصبه، ووجهت، في هذا الصدد، رسالة موقّعة من مؤسّساتٍ عديدة إلى وزير الصحة الإسرائيلي، نيتسان هوروفيتس، ومدير عام وزارة الصحة، بروفيسور نحمان آش.
***
تتدخّل الدولة العبرية في أجساد النساء الفلسطينيات وحياتهن وحياة أطفالهن، حين يخدم الأمر سياساتها، فتعمل على تحديد النسل ومنع تعدّد الزوجات، لكنها تستمر في المقابل بهدم بيوتهم وتهجيرهم وعدم مدّهم بالخدمات الإنسانية الأساسية للعيش الكريم كالحق بالمياه والكهرباء والتعليم، وكذلك الحق بسقف بيتٍ يحميهم ويؤويهم. فإلى حين كتابة هذه السطور، كانت إسرائيل قد هدمت قرية العراقيب أكثر من 204 مرات، وتهدد بترحيل أهل مَسافر يطّا والخان الأحمر، ضاربة عرض الحائط بحقوقهم وكرامتهم.
وعليه، يمكن الوصول إلى النتيجة بأن محاربة تعدّد الزوجات بربطه بحرمان العائلات من مخصّصات التأمين للأطفال هي محاربة الأطفال، وتُفقِر العائلات، ولا تساعد النساء بشكل مباشر، ولا تهتم بهن كما تدّعي، وتحديد النسل من دون شرح العوارض. ما يؤكد عدم اهتمامها بالنساء، ولا بأجسادهن، على غير ما تدّعي، وهدفها الحد من تكاثر الفلسطينيين ومن عدد أطفالهم ومن التوسّع الديمغرافي الفلسطيني، وفي ذلك تبنّي نهج الاستعمار الساعي إلى هندسة وراثة ضحاياه، وليس في ذلك أي احترام للمرأة وجسدها وحقوقها.
قتل، إلى العشرين من شهر أكتوبر الماضي، أكثر من 90 رجلا وامرأة وطفلا من فلسطينيي 1948، بينهم تسع نساء من الداخل وامرأتان من القدس
تقاعس الشرطة ومؤسّسات الدولة في حماية النساء
قتل، إلى العشرين من الشهر الماضي (أكتوبر/ تشرين الأول 2022)، أكثر من 90 رجلا وامرأة وطفلا من فلسطينيي 1948، بينهم تسع نساء من الداخل وامرأتان من القدس. قتل النساء سواء بالعنف داخل العائلة أو عن طريق الجريمة المنظّمة، فماذا فعلت شرطة إسرائيل، هل جرى الكشف عن أي من الجرائم ومعاقبة الجناة؟ وما عدد القضايا التي كشف عن المجرم فيها؟ تكاد النسبة تكون صفرا في المائة، فالشرطة تتقاعس حين يكون الحديث عن ضحايا فلسطينيين. بل ويُستدل من تقرير نشر، أخيرا، في موقع واينت العبري YNET، وتناقلته وسائل الإعلام أنه احتمال أن يكون لضابطة في الشرطة، جرى إبعادها أخيرا عن عملها ضلع في تسريب معلومات لمجرمين وقتلة، قد تكون أدت إلى مقتل الشابة رباب أبو صيام من اللد. ونشرت في السابق تقارير مختلفة عن أن جزءا كبيرا من أسلحة العصابات المنظّمة أسلحة مسروقة أو مباعة من الجيش.
شاركت، في العام 1996، في تظاهرة للتنديد بقتل النساء، وخصوصا امرأة قتلت على يد أخيها بحجة ما أسماه "شرف العائلة"، خرجنا يومها للتظاهر مندّدين بالقتل وباستعمال هذه المفاهيم. ورغم أننا بلّغنا الشرطة، هاجمتنا مجموعة من الشبان أصدقاء المتّهم أمام أعين الشرطة الذين وجدوا في المكان، ووجدنا أنفسنا، في نهاية المطاف، معتقلات، أنا وثلاث من زميلاتي وأحد الزملاء، في محطة الشرطة، بينما بقي الذين اعتدوا علينا أحرارا. وجرى توقيفنا ساعات، ومن ثم إطلاق سراحنا المشروط بعدم العودة إلى البلدة أو الاقتراب منها سنة. في هذا التصرف، مثالا كما غيره، دلاله على سياسات الشرطة في تغذية مفاهيم "الشرف" والعيب" في مجتمعنا واستعمالها أدواتيّا وعدم الاكتراث بحماية النساء وردع المعتدين.
ملاحقة الناشطات السياسيات
نشرت في ملحق فلسطين في "العربي الجديد"، 30/10/2022، في مقال موسّع عنوانه "ملاحقة إسرائيل المرأة الفلسطينية ومحاولة تقييد نشاطها الوطني والسياسي" عن ملاحقة السلطات الإسرائيلية الناشطات السياسيات، وفي الحركة الطلابية والحراكات الشعبية في الضفة الغربية وداخل إسرائيل، واعتقالهن وتقديم لوائح اتهام ضدهن واستدعائهن لتحقيقات مخابراتية، بغرض ترهيبهن وتهديدهن، خصوصا قُبَيل الإعلان عن وقفات احتجاجية وتظاهرات. وبينما تحارب الوزيرة شاكيد "المفاهيم الذكوية كتعدد الزوجات"، يستعمل محققو المخابرات مفاهيم رجعية وذكورية، كاستدعاء الأب للتحقيق أيضا أو الضغط عليه، ليضغط على ابنته، ومطالبتها بـ"الانتباه لدروسها ومستقبلها"، وهذه مفاهيم لا تمارسها مع الطالبات والناشطات الإسرائيليات اليهوديات.
وصلت نسبة الأسيرات من طالبات جامعة بير زيت السنة الماضية في سجن الدامون (قرب حيفا) إلى أكثر من ثلث عدد الأسيرات
حدث هذا الأمر معي، حين كنت ناشطة في الحركة الطلابية وما زال يحدث، كما وصل إلي بشكل شخصي، بصفتي محامية، من طالباتٍ وناشطات سَعَيْنَ إلى الحصول على استشارة، ويتّضح ارتفاع عدد التحقيقات والاستدعاءات المخابراتية للناشطين والناشطات منذ هبّة الكرامة 2021. في المقابل، وصلت نسبة الأسيرات من طالبات جامعة بير زيت السنة الماضية (2021) في سجن الدامون (قرب حيفا) إلى أكثر من ثلث عدد الأسيرات. وجرى أخيرا تقديم لائحة اتهام ضد فتاة جامعية ناشطة في الحركة الطلابية من المجتمع البدوي في النقب بتهم "أمنية"، تشمل التهديد والتحريض والتماهي مع الإرهاب. وجرى تقديم أخرى لمحاكمة تأديبية في الجامعة لقراءتها قصيدة لمحمود درويش تضمّنت كلمة "شهيد".
***
إقصاء النساء الفلسطينيات والسيطرة على أجسادهن وفكرهن هما جزء من سياسة استعمارية عنصرية رجعية مُمنهجة تستعملها الدولة، وتستعمل مفاهيم رجعية وذكورية، حين يخدم الأمر مصالحها، وتحاربها حين تعمل ضد مصلحتها، كالتحكم بالنسل ومحاربة تعدّد الزوجات، خوفا من التزايد الديمغرافي الفلسطيني.