البرتقالي لا يغطّي سواد العنف تجاه النساء
بعد عملية الاغتيال الوحشية في العام 1960 للأخوات ميرابال، الناشطات السياسيات في الدومينيكان، بأوامر من الديكتاتور رافاييل تروخيلو، استغرق العالم 39 عاما، لتعتمد الجمعية العامة للأمم المتحدة، في 17 ديسمبر/ كانون الأول 1999، يوم 25 نوفمبر/ تشرين الثاني من كل عام يوما دوليا للقضاء على العنف ضد المرأة، وإقناع العالم ليقف موحدا وداعما هذه القضية.
ومنذ ذلك التاريخ، اجتاحت الحملات البرتقالية، وهو اللون المعتمد لمناهضة العنف تجاه النساء، العالم، استجابة لدعوات الأمم المتحدة للحكومات، المنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية لتنظيم نشاطاتٍ هدفها رفع وعي الناس لمناهضة العنف تجاه النساء بألوانه، على الرغم من الاعتراف الأممي بأن من الصعب قياس درجات الانتهاكات تجاه النساء، وتقصي تفاصيلها، فكيف لمؤسسات مجتمع مدني محلية في أحياء فقيرة مثلا في عالمنا الثالث القيام بها.
إنْ سلمنا جدلا بأن الحكومات تستطيع هذا، وهو غير دقيق وفقا لتجاربنا المحلية على الأقل، فالوساطة والروتين والمحسوبية والفساد عوامل كفيلة، منفردة أو مجتمعة، بالتغطية على قضية عنف تجاه امرأة، وعدم الحديث عنها على الإطلاق، فما بالك بفتح تحقيق حولها، قصص سمعناها من ضحاياها. وللأسف، وقفنا مكتوفي الأيدي نتساءل معها ما الحل!
قد تتحوّل ضحية لمتحرّشٍ يعاني من مرض نفسي أو علة أخلاقية لضحية لسلطة ومجتمع، إن هي رفعت الصوت وقالت كفى
عالميا، شكلت النساء والفتيات هذا العام (2021)، وفقا للأمم المتحدة، ما نسبته 71% من جميع ضحايا الاتجار بالبشر في العالم، وثلاث من أصل أربع منهن يتعرضن للاستغلال الجنسي. وهذه ليست أرقاما جامدة، إنما تحمل، في ثناياها، وجوها وأسماء ونساء وطفلات تضرّرن بطرق متعدّدة لوّن وجوههن طيف كدمات بين الأزرق والأسود والأخضر، وسط لون أحمر داكن لا يجد البرتقالي مساحة فيها، ليبعث الأمل في هذه المآسي الإنسانية التي يبدو أنها لن تنتهي على المدى المنظور، وخصوصا في منطقتنا العربية المبتلاة بالحروب واللجوء والفقر والتحدّيات الاقتصادية التي تضرب المنظومة الإنسانية والإجتماعية في الخاصرة، وتترك أضعف الفئات وأكثرها تهميشا، النساء والأطفال، في مهب موجات متعدّدة من العنف.
على مدار ما يقارب العشرين عاما، منذ معرفتي بـ"الحملة الدولية لمناهضة العنف ضد المرأة"، رأيتُ وشاركتُ آلاف الناشطات حملاتهن نهاية كل عام، وانضم لهن ناشطون تمتعوا بالجرأة والشجاعة، فهم يتعرّضون لعنف لفظي أيضا، لأنهم داعمون لحقوق النساء في مجتمعاتٍ محافظة، مجتمعاتنا.
واعتدنا كل عام، وعلى مدار ستة عشر يوما، ينهمك العالم برفع اللافتات الرافضة، ويطير آلاف البالونات البرتقالية، ويقرع أجراسا نحاسية، تنبيها لارتفاع مستوى العنف الذي يقع على النساء. وليس الأردن استثناءً، إذ نشهد ارتفاعا عاما بعد عام، ولكننا شهدنا تغيرا ملحوظا في مستوى العنف وأساليبه، ووصل إلى محاولة القتل باقتلاع العيون، أو القتل فعلا تهشيما للرؤوس بحجر أو قتلا بالرصاص أمام الأطفال بلا رأفة ولا رحمة.
وإذا كان العنف رحيما وأقل قسوة ودموية، فهو يتلوّن، ويأتي بأساليب جديدة تتواءم مع العصر، فأصبح التحرّش والابتزاز إلكترونيين. وقد تتحوّل ضحية لمتحرّشٍ يعاني من مرض نفسي أو علة أخلاقية لضحية لسلطة ومجتمع، إن هي رفعت الصوت وقالت كفى، فهي قارورةُ تستوجب الكسر، إن هي طالبت بأن تُعامل كإنسان، وننسى أو نتناسى أن للقارورة مفردة ملاصقة لها في الشريعة، هي الرفق لا العنف ولا الضرب ولا الاستباحة.
شكلت النساء والفتيات هذا العام ما نسبته 71% من جميع ضحايا الاتجار بالبشر في العالم
25.9 % من الزوجات في الأردن تعرضن لعنف جسدي أو جنسي أو عاطفي، والأدهى أن 62% من الضحايا يبرّرن ضرب أزواجهن لهن، ما يدفعنا إلى إعادة التفكير بالنموذج الإنساني الذي نساهم بتشكيله، إعلاميين وتربويين وقانونيين وصنّاع قرار، ونسال أنفسنا: كيف نسمح لثقافة الصمت على العنف والقبول به بهذا الشكل؟ ألا نملك إرثا اجتماعيا ومنظومة دينية ومعرفة حقوقية كافية تحمي أي إنسان، بغض النظر عن جنسه ودينه وعرقه، من أن يهان أو يضرب أو يقتل؟ ولا ينهي ازدياد عدد البلاغات إلى دائرة حماية الأسرة عن العنف الأسري المشكلة، ولا يغلق الملف، بل يكشف عمليا عن نصف جبل الجليد تحت الماء، فكل القصة أن مواطنين عرفوا أن تبيلغهم عن حالات عنفٍ رأوها لا يوجب ذكر أسمائهم وفقا لقانون التبليغ الإلزامي عن حالات العنف لمقدّمي الخدمة من مدرسين وأطباء... إلخ، وأن النساء أصبحن يعرفن إلى أين يتجهن في الشكوى، وزاد وعيهن بأن ما يُمارس عليهن جريمة لا تأديب، وإن رفعت صوتها فلن يكون عورةً ولا عيبا، وإنما صمتها عن العنف يجعلها شريكةً في الجريمة تجاه نفسها وأطفالها وأسرتها.
من الضروري التحرّك لإنهاء صنّاع القرار في كل المستويات بهذه القضية، والاعتراف بأن حالات العنف تجاه النساء على وجه الخصوص ما زالت تحدّيا كبيرا في المجتمع الأردني. وللمنظومة الذكورية لمسيطرة وبعض الفجوات في القوانين والفهم الخاطئ لتفسير النصوص الدينية دور كبيرا في ذلك. ولا يكفي أن نلوّن العالم برتقاليا في وقت واحد كل عام للقضاء على سواد العنف في الأردن والعالم.