الإسلاموفوبيا ظاهرة أم تخطيط سياسة؟
عادت السويد إلى تصدّر المشهد الأوروبي في تأمين مسرح الكراهية للإسلام والمسلمين (الإسلاموفوبيا)، وعاد السؤال، في ظل حركات الاحتجاج التي نفذها شبّان مسلمون في السويد، وشملت مواجهةً عنيفةً مع الشرطة، إثر الترخيص لكراهية المتطرّف راسموس، عن مستقبل العلاقات المدنية للمسلمين في السويد، أو المهجر الغربي في العموم، فهناك دلائل واضحة على أن صخرة الكراهية التي تصنع التوتر الخطير في المجتمعات الغربية مع المسلمين لا تزال تواصل دحرجتها، ومشهد الانتخابات الفرنسية يؤكّد هذا الرصد.
ووفقاً لما نشرته الصحافة السويدية ذاتها عن راسموس بالودان، الذي يواصل عمليات حرق نسخ المصحف الشريف، فإن مشروعه المعلن هو الوصول إلى تشريع يؤسّس لقوات شرطة عسكرية تُجلي اللاجئين قهراً، وهو يضع إطاراً حصرياً لمفهوم المواطنة في السويد، وقبلها الدنمارك، جنسيته الأصلية، لا يمكن أن تشمل المسلمين، حسب معاييره.
ويحظى راسموس بتأييد حزب ال SD السويدي (ديمقراطيو السويد)، وهو حزبٌ ذو نزعة نازية وعنصرية، لكنه يملك كتلة برلمانية. وعند بدايات تأسيس حركته اليمينية المتطرّفة، حظيت بدعم من حزب الجبهة اليمينية، الفرنسي المتطرّف. وعلى الرغم من عوائق تعرّض لها، بسبب مواقفه ضد اليهود، حيث لا تسمح له الحياة السياسية في الغرب بالتعرّض لليهود، إلا أنه عاد ليكسب زحماً جديداً كان من أبرز عوامله تركيزه على استهداف المسلمين وتبنّي تهجيرهم.
ولقد نقل راديو السويد في إبريل/ نيسان 2021 دعوة الحزب إلى قانونٍ، يُشرّع سحب الإقامة من كل أفراد العائلة التي يتورّط أحد أفرادها بجريمة خطيرة، وهو يعتبر أن أي "سلوك معادٍ للمجتمع جريمة"، بحسب أيديولوجيته، أساس قانوني للترحيل، وبالطبع تركّز حملاته على المسلمين.
سُعّرت حملات إعلان الكراهية الخطيرة التي لا يوجد أصل فلسفي ولا أخلاقي تشريعي يضعها في ميدان حرية التعبير، وإنما حرية التجريح والإساءة
ولهذا التخادم بين راسموس وأحزاب اليمين المتطرّف امتداداتُ تعاطفٍ في الحالة السويدية، إضافةً إلى أسئلة القلق من الوجود الإسلامي التي تنتقل إلى قطاعات أخرى من الشعب، في ظل دائرة الفراغ التي تفصل بين المسلمين ومواطنيهم، وهي ظاهرةٌ تتعدّى السويد إلى مجمل الغرب، حيث تقلّ جسور التواصل وتفعيل علاقات الشراكة الوطنية التي يمكن للمسلمين عبرها شرح قيمهم وتقديمها بصورة أخلاقية، في حين يتقاصر العمل المدني الحقوقي والسياسي كثيراً.
ولقد انفجرت المصادمات أخيرا بعد حملات مواجهات احتجاجية، على منظمة رعاية الطفولة (السوسيال)، والتي يشتكي المسلمون من تصاعد عمليات استهدافهم عبرها، وتأميم أطفالهم بعد الوصاية عليهم من تشريعات الدولة التي أعطت صلاحيات خطيرة للمنظمة، تكفي لتمزيق البيت المسلم المهاجر. وتتعدّد الشهادات التي تفيد بأن حالات أخذ الأطفال ليست قائمة على سلوك عنيف خطر عليهم من ذويهم فقط، ولكن المنظمة تركّز على كل قيم تخالف نظام الأسرة وتعريفها في المجتمع المسلم، مبرّرا لاتخاذ خطوات عنف (قانوني) لنزع الأطفال من ذويهم، وهي أيضاً ظاهرة تتجاوز السويد إلى دولٍ غربيةٍ أخرى.
تنقلنا هذه الخلاصة المهمة لفهم أجواء ما يقع في السويد، أيضا إلى فهم سؤال الرفض والقلق الكبير في الغرب، من وجود المهاجرين، وهو في الحقيقة أزمة سياسية تاريخية للغرب، قبل الوصول إلى إشكالات السلوك غير السوي، أو بعض الانحرافات المؤكّدة للقادمين من الشرق، التي تساهم بالضرورة في أزمة مجتمعات المسلمين، وتحرمهم من فرص تقديم قدوات، والحصول على مواطنة أكثر عدالة، فالأمر اليوم بات أعقد من هذا القصور، لكون فكرة استهداف القيم الإسلامية ضمن حقّ الأسرة والطفولة المحض، بات تحت هذا الاستهداف التشريعي، ثم سُعّرت حملات إعلان الكراهية الخطيرة التي لا يوجد أصل فلسفي ولا أخلاقي تشريعي يضعها في ميدان حرية التعبير، وإنما حرية التجريح والإساءة، ونقض السلم الاجتماعي في المجتمع، وهو التعريف الذي يتطابق مع تصرفات راسموس وغيره. .. وهناك تسلسل متداخل في أزمة الغرب مع المهاجرين، توضح في الآتي:
أولا، أصل القضية هو في تضخّم انهيارات الجنوب، والذي ساهمت فيه القوة الغربية التي أصبح عليها العالم، في التشريعات الدولية أو الإدارة العالمية (لقيم) السوق، وبالتالي اختلال الميزان العالمي مع تطور الفساد والاستبداد في الجنوب، وإيجاد انقسام عالمي بين مناطق للهجرة مستقرّة غنية ومناطق فقيرة متفجرّة.
إطلاق مفاهيم الحرية والديمقراطية لم يعد يمثّل حلاً سحرياً، فالمأزق بات في فلسفة النظام المدني الحديث الذي يُسقَط عبره المصطلح
ثانيا، وعلى الرغم من وجود أسس تشريعات ضمير إنسانية، إلا أنّ الحاجة لليد العاملة، وخصوصا في ظل ضعف النسل في الأمم الغربية، قد فرض احتياجات التشغيل لمصالح الغرب عبر هذه العمالة والوظائف التي يمثلها المهاجرون. وهنا نؤكد على عمليات الاستثمار القائمة للموارد البشرية المهاجرة.
ثالثا، ازداد عدد المهاجرين، وبالتالي، أصبح بعض المجتمع الغربي القديم يضيق بحصول المهاجر على المساحة السياسية والحقوقية ذاتها، وحينها برز موقف الرفض المتعدّد في تصريحاتٍ سياسية، وأصبح الضيق من اللاجئين مادّة صعود إعلامي، على الرغم من أن جذر الأزمة هو رأسمالية السوق الجشع، والسياسة التي تحرّكه.
رابعا، يجب أن يشار هنا إلى أنه حتى إطلاق مفاهيم الحرية والديمقراطية لم يعد يمثّل حلاً سحرياً، لا في الغرب ولا في الشرق، فالمأزق بات في فلسفة النظام المدني الحديث الذي يُسقَط عبره المصطلح، من دون تصحيح الواقع لصالح الإنسان وحق كرامته وحق مشاركته الشعبية.
إذن، هذا التصادم والعجز وعدم قبول فتح أبواب تفاهم، مع ثقافات الأمم، وبالذات القيم الأخلاقية الإسلامية، واستحضار تاريخ الصراع الغربي الإسلامي القديم، في وجدان المشاعر القومية، وحجم التشويه الذي يتعرّض له الإسلام والنبي محمد صلى الله عليه وسلم، ساهم بقوة في دمج المساريْن الخطيرين، وفتح أبواب التحريض لا المعالجة، مع أن أهم قواعد الدولة المدنية هو السلم الاجتماعي. وهنا نقطة نظام قوية في خلل الجريمة الفكرية التي مثلها راسموس وغيره، وتصريح وزير العدل السويدي في تأييد حق الأعمال العدائية لمشاعر المسلمين، ورفضه الردود المستنكرة، مسبوقا بتصريحات عديدة من مسؤولين غربيين، وهو ما يؤكّد أن التقاطع السياسي المسبق متصلٌ بالظاهرة.