الأستاذ فلان .. كقومي عربي مزيف
أمضى الرجل سبع سنوات كاملة يتهم كل من يرفضون السير في قطيع العداء لدولة عربية اسمها قطر، ومقاومة عربية اسمها حماس، بأنهم خونة للأوطان ومتآمرون على العروبة، وهو يصيح: أنا قومي عربي.
هذا القومي العربي كان، حتى عشية الذهاب إلى قمة المصالحة الخليجية في العلا، يناضل ضد فكرة المصالحة، ويصرّ على أن قطر هي العدو، وأن التصالح معها يهدّد الأمن القومي العربي. فلمّا تمت المصالحة، ووقّع عليها وزير الخارجية المصري، أسرع صاحبنا إلى "خزانة" الملابس، وأخرج زي القومية العربية، ثم قام بتشغيل موسيقى "وطني حبيبي الوطن الأكبر"، وعصر عينيه جيدًا حتى ابتلّتا بالدمع، وضحك منتشيًا بأن رشاقته لا تزال بخير، ثم توجّه إلى ستوديوهات الفضائية الأوروبية الناطقة بالعربية ليحتفل بنجاح القمة، ويعلن على الملأ: أنا كقومي عربي لا يمكن أن أكون ضد المصالحة.
هذا القومي العربي المحترف، كان في النصف الأول من عمره يتعيّش على العداء للسعودية، باعتبارها تناصب زعيمه التاريخي جمال عبد الناصر العداء، وتتآمر ضد الوحدة العربية، ووصل به الشطط إلى قيادة حملاتٍ إعلاميةٍ تطالب بنزع ولاية السلطات السعودية على الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة وموسم الحج، وتسليمها لقيادة دولية، ملتقيًا مع الموقف الإيراني .. ثم في النصف الثاني من عمره يقرّر أن السعودية هي حاملة لواء القومية العربية، ويرى في عاهل السعودية الراحل، عبد الله بن عبد العزيز، ملامح الزعيم عبد الناصر، وكيف أنه أجبر الرئيس الأميركي، باراك أوباما، على التراجع عن موقفه المتشدّد تجاه سلطة انقلاب 2013، بعدما حذّره من المساس بمصر. وأن الملك كان يطيل السجود في صلاته من أجل مصر.
هذا القومي العربي، في نصف عمره الأول، كان يرى أن الصراع مع إسرائيل هو صراع وجود، لا حدود، ويحلم بإزالة إسرائيل من الوجود، ويهتف للبندقية والكوفية الفلسطينيتين، ويعتبر الاعتراف بإسرائيل عارًا وخيانة، والتطبيع معها جريمةً في حق الوطن والدين والتاريخ والجغرافيا. .. فلما عبر عتبة الشيخوخة، صار يجد في تركيا وإيران التهديد الوجودي الوحيد للأمة العربية، ويجاهر بالعداء للمقاومة الفلسطينية، لأنها إسلام سياسي، وأصبح كالطير الأخرس، وهو يرى العلم الصهيوني يرتفع في مدن العرب التي تتحالف مع الصهيوني ضد الإسلام السياسي، ولا يزعجه أن الغاز الإسرائيلي المسروق من فلسطين يمرّ تحت قدميه.
هذا القومي العربي يؤلمه مشهد حرق أطفال فلسطين وشبابها علم الإمارات، غضبًا من التطبيع مع العدو، لكن مشاهد احتفالات الصهاينة بأعيادهم في دبي وأبوظبي والمنامة لا تلفت نظره، ولا يرى في ذلك أي مساسٍ بشرف عروبته وأمنه القومي، كما لا تخدش حياءه القومي طوابير انتظار سياحة التطبيع العربية على بوابات الكيان الصهيوني .. ولا يؤذيه أن يرى انبطاح أشقائه العرب الذين ساندوه وموّلوه في 30 يونيو/ حزيران 2013 أمام المستوطنين الذين يحتلون فلسطين.
السيد فلان، القومي العربي، يعادي ربيعًا عربيًا حاربته إسرائيل، وخطّطت مع عواصم التطبيع العربي لاغتياله، ويرى في قتل كل من حاولوا التصدّي للحرب الهمجية ضد الثورات، ونفيهم وسجنهم، عملًا وطنيًا بطوليًا.
الشخص الذي يبكي على زوال حكم دونالد ترامب، ويرى في اقتحام أنصار هذا الصهيوني الوقح مقر الكونغرس الأميركي، للانقلاب على نتائج الانتخابات، عملًا ثوريًا وحرية تعبير، هو نفسه الذي كان يضحك ويحتفل بتكسير عظام الذين اعتصموا سلميًا ضد الانقلاب على رئيس منتخب في مصر وحرق جثثهم .. وهو الذي كان يكيل المديح لبشار الأسد مع كل مجزرةٍ أو محرقة ينفذها ضد الشعب السوري، وقبل ذلك كان يهتف محتفلًا بكل صاروخ صهيوني يدمر بيتًا في غزة.
السيد فلان يقدّم مفهومًا جديدًا للقومي العربي المعدّل وراثيًا، والذي يحارب ببسالة ضد الإسلام السياسي، المقاوم للتطبيع، ويجاهد بمنتهى الهمّة لنصرة اليهودية السياسية، حين يصمت كالحمل الوديع وهو يشاهد إسرائيل تتمدّد في جغرافيا العرب وتاريخهم، محقّقة ما أسماها رئيس حكومة العدو نبوءاتٍ توراتية.