20 نوفمبر 2024
الأستاذ ترامب: حاضر عن قتلة خاشقجي
القرار الذي أعلنته النيابة العامة السعودية، أول من أمس، بشأن جريمة قتل الشهيد جمال خاشقجي، مهّد له ووضع أسسه وتولى صياغته قبل نحو عام، المحامي الأميركي الشهير، دونالد ترامب، الذي يقع مكتبه في البيت الأبيض في مدينة واشنطن.
تحت عنوان "هكذا أخرج ترامب ابن سلمان من مأزق جريمة خاشقجي"، نشرت صحيفة واشنطن بوست الشهر الماضي تقريرًا للكاتبين، شون هاريس وجون هدسون، ذهبا فيه إلى أن إدارة ترامب نجحت في مهمتها، مدفوعة الأجر، بإيجاد مخرجٍ لولي العهد السعودي من جريمة اغتيال جمال خاشقجي. وحسب الكاتبين، كان بومبيو، وزير خارجية ترامب، واضحا عندما وعد بأن الولايات المتحدة ستقوم بالتحقيق في مقتل خاشقجي ومحاسبة المسؤولين عن الجريمة، وقال بعد لقائه القيادة السعودية "لقد كرّروا التزامهم بتحقيق الهدف الذي حدّدناه لهم".
عقب وقوع الجريمة، وإعلان تقييم وكالة المخابرات الأميركية لها، والذي يؤكّد تورّط ولي العهد السعودي فيها، لجأ المحامي ترامب إلى اللعبة الأشهر في المرافعات بالتشكيك في توافر الأدلة، مطلقًا عبارته الشهيرة "أين الشريط المسجل للجريمة"، وقتها قلت إننا بصدد مرحلة المونتاج في دراما سياسية مثيرة يستحق عنها دونالد ترامب أوسكار أحسن إخراج.
ثم حين ظهر الشريط، أعلن دونالد ترامب -في لقائه مع قناة فوكس، إنه نصح بعدم الاستماع للتسجيلات، وإنه "لا يريد أن يستمع إليها، ليس هناك سببٌ يدعوني لسماعها". وهو الأمر الذي علقت عليه خبيرة قانونية في واشنطن بالقول "قد يكون الفريق القانوني قد نصح الرئيس بعدم الاستماع لهذا الشريط، ربما كاحتياط وتأمين مستقبلي، فلا أحد يعرف كيف ستسير التحقيقات أو تطورات القضية، ومن الحكمة ألا يضع أحدٌ على الرئيس تبعات الاستماع للشريط الذي قد يُسأل عنه في يوم ما".
كان ترامب، طوال الوقت، يتبنّى قصة الذئاب المارقة، مخرجًا معقولًا للنظام السعودي، وولي العهد محمد بن سلمان، من القضية، وهذا بالحرف ما جاء في منطوق الحكم الذي أعلنته النيابة العامة السعودية. وقد سجلت، قبل أكثر من عام، إنه منذ ما قبل انكشاف الجريمة والرئيس الأميركي دونالد ترامب يصيح: ادفعوا وإلا لن نحميكم... ثم كرّر الصيحة بعد الجريمة، بعبارات أكثر صفاقةً ووقاحةً، لينتقل فيما بعد إلى دور المحامي الشاطر، بائع الحماية القانونية، مستعرضًا قدراته في فن الإخراج، فاتحًا ثغرةً ينفد منها الجناة، بتعليق التهمة في رقبة مارقين صغار، غير أن الجناة ظنّوا أنهم قادرون على شراء المزيد، والخروج من الجريمة بلا خسارة، فعادوا إلى اللعب على عنصر الوقت، غير أنهم أخطأوا التقدير، حين تناسوا أنه، مع كل دقيقة، تتسع رقعة المتابعة، لتصبح القضية هي السؤال الأول في أحرج اختبار للضمير الإنساني في العالم كله، فيزداد تعثّرهم في بحيرة الدم، ماثلين في قفص اتهامٍ بامتداد خريطة العالم، مرتكبين واحدةً من أبشع الجرائم ضد الإنسانية في التاريخ.
مجرّد القبول بتحويل قضية الرحيل المؤلم لجمال خاشقجي إلى شأن محلي ومسألة داخلية كان بحد ذاته تواطؤا على دم الشهيد، إذ لم تكن السلطات السعودية، أو محاميها دونالد ترامب، يحلمان بأكثر من ذلك، حيث تستطيع أن تكتب النهاية التي تريد، متصورًة أنها تُسدل الستار على جريمةٍ وصفتها، في ذروة اشتعالها، بأن الأدلة الآن مكتملة، تصرخ في وجه النظام العالمي، وتضعه أمام السؤال: مع الإنسانية أم مع الهمجية، حيث لم تعد المسألة مقتل مواطن سعودي داخل قنصلية سعودية على يد فاعلين سعوديين، بل صار جمال خاشقجي تجسيدًا للإنسان في كل مكان في العالم، قضيّته لم تعد سجالًا ثنائيًا بين دولتين، أو ثلاثيًا، أو مداولًة وتداولًا بين أكثر من ذلك على موائد السياسة، سيما وأن الأمم المتحدة أعلنت، متأخرًا جدًا، دخولها في الموضوع. ومن ثم لم يعد أحد يمتلك رفاهية التهرب من إشهار الأدلة كاملة، والإفصاح عن الفاعلين الأصليين، والكف عن العبارات المبهمة، من نوعية "قرار الاغتيال صدر من أعلى المستويات".
غير أن العالم الغارق في الصفقات والصفاقات غضّ الطرف، أو بالأحرى تعامى، عن المأساة، فخفتت الأضواء وتلاشت الأصوات، تاركة الجناة يؤلفون روايتهم، بهدوء، ليصحو الرأي العام على النهاية الكوميدية السوداء لدراما وضيعة عنوانها "موت الضمير الإنساني".
وهكذا من.. خاشقجي غادر القنصلية وليس لدى المملكة ما تخفيه.. مرورًا برواية الذئاب المارقة قتلت خاشقجي.. وصولًا إلى تبرئة رجال بن سلمان المقرّبين.. يمكنك القول إن عرب 2020 بحاجة لدروسٍ في التحضر من عرب العصر الجاهلي.
تحت عنوان "هكذا أخرج ترامب ابن سلمان من مأزق جريمة خاشقجي"، نشرت صحيفة واشنطن بوست الشهر الماضي تقريرًا للكاتبين، شون هاريس وجون هدسون، ذهبا فيه إلى أن إدارة ترامب نجحت في مهمتها، مدفوعة الأجر، بإيجاد مخرجٍ لولي العهد السعودي من جريمة اغتيال جمال خاشقجي. وحسب الكاتبين، كان بومبيو، وزير خارجية ترامب، واضحا عندما وعد بأن الولايات المتحدة ستقوم بالتحقيق في مقتل خاشقجي ومحاسبة المسؤولين عن الجريمة، وقال بعد لقائه القيادة السعودية "لقد كرّروا التزامهم بتحقيق الهدف الذي حدّدناه لهم".
عقب وقوع الجريمة، وإعلان تقييم وكالة المخابرات الأميركية لها، والذي يؤكّد تورّط ولي العهد السعودي فيها، لجأ المحامي ترامب إلى اللعبة الأشهر في المرافعات بالتشكيك في توافر الأدلة، مطلقًا عبارته الشهيرة "أين الشريط المسجل للجريمة"، وقتها قلت إننا بصدد مرحلة المونتاج في دراما سياسية مثيرة يستحق عنها دونالد ترامب أوسكار أحسن إخراج.
ثم حين ظهر الشريط، أعلن دونالد ترامب -في لقائه مع قناة فوكس، إنه نصح بعدم الاستماع للتسجيلات، وإنه "لا يريد أن يستمع إليها، ليس هناك سببٌ يدعوني لسماعها". وهو الأمر الذي علقت عليه خبيرة قانونية في واشنطن بالقول "قد يكون الفريق القانوني قد نصح الرئيس بعدم الاستماع لهذا الشريط، ربما كاحتياط وتأمين مستقبلي، فلا أحد يعرف كيف ستسير التحقيقات أو تطورات القضية، ومن الحكمة ألا يضع أحدٌ على الرئيس تبعات الاستماع للشريط الذي قد يُسأل عنه في يوم ما".
كان ترامب، طوال الوقت، يتبنّى قصة الذئاب المارقة، مخرجًا معقولًا للنظام السعودي، وولي العهد محمد بن سلمان، من القضية، وهذا بالحرف ما جاء في منطوق الحكم الذي أعلنته النيابة العامة السعودية. وقد سجلت، قبل أكثر من عام، إنه منذ ما قبل انكشاف الجريمة والرئيس الأميركي دونالد ترامب يصيح: ادفعوا وإلا لن نحميكم... ثم كرّر الصيحة بعد الجريمة، بعبارات أكثر صفاقةً ووقاحةً، لينتقل فيما بعد إلى دور المحامي الشاطر، بائع الحماية القانونية، مستعرضًا قدراته في فن الإخراج، فاتحًا ثغرةً ينفد منها الجناة، بتعليق التهمة في رقبة مارقين صغار، غير أن الجناة ظنّوا أنهم قادرون على شراء المزيد، والخروج من الجريمة بلا خسارة، فعادوا إلى اللعب على عنصر الوقت، غير أنهم أخطأوا التقدير، حين تناسوا أنه، مع كل دقيقة، تتسع رقعة المتابعة، لتصبح القضية هي السؤال الأول في أحرج اختبار للضمير الإنساني في العالم كله، فيزداد تعثّرهم في بحيرة الدم، ماثلين في قفص اتهامٍ بامتداد خريطة العالم، مرتكبين واحدةً من أبشع الجرائم ضد الإنسانية في التاريخ.
مجرّد القبول بتحويل قضية الرحيل المؤلم لجمال خاشقجي إلى شأن محلي ومسألة داخلية كان بحد ذاته تواطؤا على دم الشهيد، إذ لم تكن السلطات السعودية، أو محاميها دونالد ترامب، يحلمان بأكثر من ذلك، حيث تستطيع أن تكتب النهاية التي تريد، متصورًة أنها تُسدل الستار على جريمةٍ وصفتها، في ذروة اشتعالها، بأن الأدلة الآن مكتملة، تصرخ في وجه النظام العالمي، وتضعه أمام السؤال: مع الإنسانية أم مع الهمجية، حيث لم تعد المسألة مقتل مواطن سعودي داخل قنصلية سعودية على يد فاعلين سعوديين، بل صار جمال خاشقجي تجسيدًا للإنسان في كل مكان في العالم، قضيّته لم تعد سجالًا ثنائيًا بين دولتين، أو ثلاثيًا، أو مداولًة وتداولًا بين أكثر من ذلك على موائد السياسة، سيما وأن الأمم المتحدة أعلنت، متأخرًا جدًا، دخولها في الموضوع. ومن ثم لم يعد أحد يمتلك رفاهية التهرب من إشهار الأدلة كاملة، والإفصاح عن الفاعلين الأصليين، والكف عن العبارات المبهمة، من نوعية "قرار الاغتيال صدر من أعلى المستويات".
غير أن العالم الغارق في الصفقات والصفاقات غضّ الطرف، أو بالأحرى تعامى، عن المأساة، فخفتت الأضواء وتلاشت الأصوات، تاركة الجناة يؤلفون روايتهم، بهدوء، ليصحو الرأي العام على النهاية الكوميدية السوداء لدراما وضيعة عنوانها "موت الضمير الإنساني".
وهكذا من.. خاشقجي غادر القنصلية وليس لدى المملكة ما تخفيه.. مرورًا برواية الذئاب المارقة قتلت خاشقجي.. وصولًا إلى تبرئة رجال بن سلمان المقرّبين.. يمكنك القول إن عرب 2020 بحاجة لدروسٍ في التحضر من عرب العصر الجاهلي.