إيمان خليف... قبضة الأنوثة القاضية

16 اغسطس 2024
+ الخط -

هل من موقفٍ أكثر سورياليةٍ من أن تجتمع الأقوام للنّبش في جسد امرأة، وفي مناطقه الأكثر خصوصية، لأنّهم يريدون معرفةَ ما إذا كانت امرأةً فعلاً كما عاشت طوال حياتها، وكما ربّاها والداها، أم أنّها رجل مُتنكّر؟

للَحظةٍ، وأنا أتابع الجدل، وتقارير التّحليلات، ونسب هرمون التستوستيرون، والفحوصات المخبرية، بدا لي أنَّني سأقرأ "هذا وقد عيّنت اللجنة الأولمبية لجنةً طبّيةً أجرت فحصاً يدوياً لجسد الملاكمة، لإثبات أنوثتها"، مثلما كانت تفعل المولِّدات في القرى مع الفتيات، لفحصِ عذريتهن استعداداً لألعابِ الدُّخلَة، في انتهاكٍ تامٍّ لكرامتهن البشرية.

ليست الفحوصات، حسب المعايير الرّياضية، انتهاكاً، بل شرطاً ضرورياً، لأنّها تواجه قناني دم الرياضيين، حرصاً على نزاهة المنافسات، ولكن أن يندسّ من هبَّ ودبَّ في الملفِّ الطبِّي لامرأةٍ، وحياتها، هو انتهاكٌ صارخٌ لخصوصيتها.

حسناً، هناك أدويةٌ ومنشّطاتٌ تساهم في زيادة نسب الهرمونات، ومنها التّستوستيرون في أجساد الرياضيين والرياضيّات، لكنَّها ممنوعةٌ في الرياضات الاحترافية، والمنافسات العالمية. وحتّى مع ارتفاع نسب التستوستيرون الموجودة لدى إيمان خليف طبيعياً، طالما لم يتم إثبات عكس ذلك، فذلك وحده ما كان ليُحقّق لها التفوُّق الرياضي، وإلّا ماذا فعلت خزّانات التستوستيرون بهم؟... أقصد الرجال، هل كان الهرمون كافياً لهم ليتفوَّقوا رياضياً على منافسيهم، فهم أيضاً لديهم نسب متباينة للتستوستيرون؟ لعلَّنا مع هذا المنطق، سنطالب أيضاً بإقصاء الرياضي صاحب أعلى درجة تستوستيرون، لأنّ ذلك غير عادل لرفاقه التستوستيرونيين. ذكرتُ كلمة تستوستيرون حتّى الآن سبعَ مرّات، ولا عجب في ذلك طالما أنَّنا في "أولمبياد التّستوستيرون"، دامت أمجاده.

تستحقّ إيمان ميداليةً ذهبيةً أخرى على صمودها في وجه ضجيجٍ اقتحم سيرة جسدها بلا خجل، وهذه قوّة لا هورمونات فيها لحسن الحظّ، وإلا لتابعوها فيها. لعلَّ النقاشَ غير جديد على إيمان، ولعلَّ تنمُّرَ الخاسرات رافقها مدَّةً غير قليلة في مشوارها، وربّت نوعاً من المناعة ضدَّه، حتّى أنّه لم يُؤثّر في معنوياتها واستطاعت الفوز. لكن، في جميع الحالات فقوَّتها النفسية ذهبية أيضاً.

ثمّ، ما المرأة؟ هل هي معيارٌ هرموني أنثوي مُرتفِع؟ أم هي شيءٌ آخرَ مختلفٌ؟ هل هناك نموذجٌ واحدٌ للمرأة؟ أم هناك أنواعٌ كثيرةٌ من النساء؟... يقترح النقاش العالمي علينا امرأةً واحدةً لها صفاتٌ واحدةٌ، وكأنَّنا نعود إلى قالب تجاري لمنتوج مُعيّن، فإذا كان المنتوج لا يستجيب لمواصفات الـكتالوغ لنا الحقّ في إعادته. هنا سنقول إنّ "النموذج" يفتقد للدوائر "الأنثوية"، وفيه فائضٌ من هورمون الذكورة، حتّى لو كان امرأةً... بمنطق "حتّى لو طارت مِعْزَة".

الإعلام الغربي، الذي انخرط في السخرية، يضربُ على قفاه من يمسّ المتحوّلين جنسياً بكلمةٍ حمايةً لحرّيتهم وحقّهم في الاختيار، لكنّه لا يحترم حقوقَ امرأةٍ وُلِدت امرأةً. وهل يجرؤ الساخرون، من أسماء شهيرة، على السخرية من الحقوق الجنسية لامرأةٍ غربيّةٍ أو لأحد المثليين في بلدانهم؟... لن يفعلوا، لأنَّهم سيتعرَّضون لمحاكمة رأيٍ عامٍّ، ولاغتيالٍ معنويٍّ جماعيٍّ، كما حدث لشخصيات أخرى.

بعيداً من ذلك، إذا كانت الأنوثةُ امتلاكَ المرأةِ دوائرَ لحميةٍ، فماذا عن الرجال الذين لديهم الدوائرُ نفسها، بعكس الصورة التجارية للرجل ذي العضلات والمظهر الذكوري الخشن. وبعضهم فيهم من الرقَّة والنعومة ما يجعل الآخرين يسخرون من أنوثتهم التي "لا تليق بالرجال". مع أنَّ الرقَّةَ والنعومةَ، أو الصلابة والبنية القوية، أمور تعود إلى الجينات، والطبع الشخصي، والخلفية الثقافية، والمحيط الاجتماعي، لا إلى قالبٍ يتحكَّم فيه صاحبُه.

إذاً، هل يكون الجدل الذي يبدأه الخاسرون، إلّا خاسراً؟... لكنّ الذين تأثَّروا بدموع الإيطالية، التي انسحبت من الدور الأول بعد أقلّ من دقيقة من بداية نزالها مع إيمان خليف، غاب عنهم أنَّه من السهل وضع الخسارة على عاتق الآخر، بدل تحمّل مسؤولية الإخفاق.

تذكّرني حالة إيمان بحالة الملاكمة المغربية خديجة المرضي، بطلة العالم، التي تعرَّضت للسخرية العام الماضي في وسائل التواصل الاجتماعي لأنّها لا تملك ملامحَ أنثويةٍ. لحسن حظِّها أنَّهم لم يُشكِّكوا في جنسها رسمياً لأنّها أمٌّ لثلاثة أطفال. إذاً، هل على الرياضيَّات الإنجاب قبل المنافسة على البطولات لإثبات أنوثتهن؟

596D72F8-6B45-4709-8735-7AC0F35F2CE1
596D72F8-6B45-4709-8735-7AC0F35F2CE1
عائشة بلحاج

كاتبة وصحافية وشاعرة مغربية

عائشة بلحاج