إيران والسعودية وليس بينهما اليمن
لنفترض أن من شأن الاتفاقية التي وقَّعتها إيران والسعودية برعاية صينية، الجُمعة الفائت، أن تُحدِث تحوّلًا في الأزمة اليمنية، نظرًا إلى ارتباط جماعة الحوثي بإيران، وبوصفها أقوى وكلاء إيران المسلحين في المنطقة العربية، وتعزَّزت العلاقة بينهما عبر إقامة علاقاتٍ دبلوماسيةٍ على مستوى تبادل السفراء.
لم يُكشف، على نحوٍ واضحٍ وتفصيلي، عن أحكام هذه الاتفاقية، خصوصا ما يتعلق بتدخّل طرفي الاتفاقية في اليمن، لكنَّ ما رشُحَ بشأن هذه الأحكام يُشير إلى سعي البلدين نحو وقف التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وتعزيز السلم والأمن الإقليميين والدوليين، وتفعيل اتفاقية أمنية سابقة، وقِّعت في إبريل/ نيسان 2001.
بعيدًا عن المحتوى السياسي للاتفاقية، وفقًا لبيانهما المشترك بشأنها، احتلت المسألة الأمنية، بمفهومها التقليدي، حيزًا كبيرًا، فضلًا عن أنَّ ممثِّلَي الدولتين اللذين وقَّعا الاتفاقية مسؤولان أمنيَّان، أمين المجلس الأعلى للأمن القومي في إيران، الأدميرال علي شمخاني، ووزير الدولة، مستشار الأمن الوطني في السعودية، مساعد محمد العيبان.
لا أسباب وجيهة للتفاؤل المفرط بشأن وقف الصراع، نهائيًّا، في اليمن
من هذا المنطلق، الحرب في اليمن مسألة ذات أولوية في هذه الاتفاقية، أو البروتوكولات التي قد تُلحق بها. فالإشارة إلى عدم التدخّل في "الشؤون الداخلية للدول"، وليس "الشؤون الداخلية للدولتين" فحسب، تشي بأن اليمن أحد أبرز محتويات هذا التوصيف، لكونه مصدر التهديد الأخطر على الأمن القومي السعودي، في الوضع الحالي، وأنَّ إيران عازمةٌ على التخلي التدريجي عن جماعة الحوثي، إلا أنَّ هذا متوقفٌ على ما ستُسفر عنه الستُّون يومًا المقبلة المعلن عنها، بوصفها حدًّا زمنيًّا لدخول الاتفاقية حيِّز النفاذ.
لا أسباب وجيهة للتفاؤل المفرط بشأن وقف الصراع، نهائيًّا، في اليمن، لمجرّد أن إيران (الدولة) سترفع يدها عن جماعة الحوثي، ذلك أنَّ هنالك روافدَ خارجية أخرى لتغذية الصراع، ناهيك عن عمق الأزمة، وتعقيداتها الداخلية. فعلى سبيل المثال: حزب الله اللبناني، وعلى لسان أمينه العام حسن نصر الله، أظهر رضاه الحذر إزاء الاتفاقية. وحزب الله يظل رافدًا خارجيًّا محتملًا لتغذية الصراع في اليمن، إذا ما ذهبت إيران في اتجاه التخفُّف من أعباء هذا الصراع، إذ تقتضي مصالح الحزب الإبقاء على مختلف أشكال الدعم التي يقدِّمها لجماعة الحوثي، في وقتٍ سيكون غياب إيران دافعًا إلى أن تُبقي جماعة الحوثي نفسها، على هذا الرافد، وذلك ضمن تدابير عدم ثقتها بالسعودية، التي قدَّمت الكثير لإثبات حُسن نيتها، ومن دون اكتراث لخسائر الحكومة اليمنية، التي تمثِّل الطرف المقابل لجماعة الحوثي، في الهدنة الإنسانية المعلنة في إبريل/ نيسان 2022.
تُعدّ سياسة التسلّط المطلق للسعودية، تجاه حلفائها في الحكومة اليمنية، باعثًا على العنف
ثمة روافد خارجية أخرى، مغذِّية للصراع، تمثِّلها كياناتٌ أيديولوجيةٌ داعمة لجماعة الحوثي في إيران، إضافة إلى كيانات مماثلة، وأخرى مسلّحة في العراق. وقد سبق أن ألمح إلى دور الكيانات الإيرانية فريقُ خبراء مجلس الأمن، المعني باليمن، ضمن تقاريره السنوية، ومنها تقريره الصادر في الشهر الماضي (فبراير/ شباط) الذي أشار إلى ضلوعها في دعم جماعة الحوثي بأنماطٍ مختلفةٍ من الدعم المادي والمالي. ومثل ما أنَّ لها يدا في وقائع تهريب شحنات أسلحة سابقة أحبطتها سفن القوات البحرية الدولية في بحر العرب، فإنها ستمضي في ذلك، حتى وإن اتخذت السلطات الرسمية الإيرانية تدابير صارمة للحدّ منها.
إلى ذلك، تُعدّ سياسة التسلّط المطلق للسعودية، تجاه حلفائها في الحكومة اليمنية، باعثًا على العنف، ومن ذلك القضايا الخلافية الجوهرية بين هؤلاء الحلفاء، فضلًا عن دخول السعودية، منفردةً، في مفاوضات سريَّة مع جماعة الحوثي، من دون مراعاة لمصالح هؤلاء الحلفاء، بل إنها تتدخّل في أدوار هذه الحكومة، كما لو أنها شأن سعودي صِرف.
لا تفوت الإشارة هنا إلى تعارض المصالح بين السعودية والإمارات، وتصاعد حِدَّة الخلافات بينهما في شهر مارس/ آذار الجاري، وإنشاء الأولى تشكيلات مسلحة موالية لها، وإعادة تشكيل أخرى تحلّلت خلال تحوّلات عنيفة ماضية، مع ما تُكنُّه من ضغائن انتقامية للإمارات وحلفائها نتيجة وقوفهم وراء هذه التحوّلات.
وهكذا، لن تكون اتفاقية المصالحة الإيرانية السعودية عصًا سحرية قادرة على إخماد حربٍ معقدة، ممتدة، داخليًّا وخارجيًّا، وفي أحسن الأحوال، قد تُفضي إلى طريقٍ طويلٍ نحو السلام، ولن يخلو هذا الطريق من أي دوراتٍ للعنف.