مفاوضات السلام اليمنية وتراجع الأجندات الخارجية
تستضيف الرياض، منذ حوالى أسبوع، مفاوضاتٍ بين ممثلين عن جماعة الحوثيين وآخرين عن الحكومتين اليمنية والسعودية، وإلى جانبهم وفدٌ عُماني يقدم نفسه وسيطًا بين الحوثيين والسعودية فحسب، وبالمثل يقول الحوثيون إن المفاوضات (ويُسمِّيها السعوديون مشاورات أو مناقشات)، تجرى بمعزل عن الحكومة اليمنية.
يُلحظ أن هذه المفاوضات أو المشاورات تجري في ظل تكتُّم شديد؛ حيث لم يُكشف عن التفاصيل الدقيقة لما توصلت إليه، رغم طول المدّة، أمَّا ما يُتداول إعلاميًّا بشأنها فمجرَّد توقعات، وذلك بناءً على نتائج المفاوضات التي أجريت في صنعاء، أواسط إبريل/ نيسان الماضي، والمقاربات التي رعاها الوسيط العُماني، والمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، مع أطراف إقليمية ودولية وثيقة الصلة بالأطراف الداخلية المتحاربة، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، وإيران، والإمارات، فضلًا عن السعودية.
تأخذ بعض من هذه التوقعات، وأجِدُني معها، المفاوضات إلى طريق النجاح. وهذا، طبعًا، لا يعني التنفيذ الفوري لجميع ما قد يُتَّفق بشأنه، في الملفّات السياسية، والاقتصادية، والعسكرية، والأمنية، وفي إطار هذا كلِّه الملفات الإنسانية؛ لأن مرحلة التنفيذ عادةً ما تواجهها تحدّيات كثيرة، إضافة إلى التحوّلات الطارئة، الداخلية والخارجية، التي قد تُنشئ ظروفًا مشجّعة لهذا التعثُّر.
السيناريو الآخر للتوقعات يقول بإخفاق هذه المفاوضات وتأجيلها إلى جولةٍ ثانية، وربما ثالثة ورابعة، لكنَّ هذا السيناريو لم تعُد دوافعه الخارجية قويةً كما كانت قبل حوالي عام، نظرًا إلى وقوع تحوّلات جوهرية متَّصلة بمصالح عدة أطراف إقليمية ودولية حاكمة للأطراف الداخلية المتحاربة، ووقوع ضغوط على أطراف أخرى منها، انتقل تأثيرها إلى الأطراف الداخلية الموالية لها.
تحوّلات جوهرية متَّصلة بمصالح عدة أطراف إقليمية ودولية حاكمة للأطراف الداخلية المتحاربة
في هذا السياق، أستحضرُ مقالي الموسوم بـ"معركة الأجندات الخارجية في مأرب" (العربي الجديد، 29 إبريل/ نيسان 2021)، وأشرتُ فيه إلى دور الأطراف الخارجية الفاعلة في هذه المعركة، وغايتها منها ومن الحرب عمومًا، وكيف أنَّ كلَّ طرفٍ خارجيٍّ سعى إلى كسر الطرف الداخلي الموالي لخصمه، بما يوجِد ظروفًا تفاوضية تسمحُ بعبور ملفّات دولية وإقليمية عالقة، وفقًا لمصلحة كلٍّ منها، كان من أبرزها إعادة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي مع إيران التي تدعم الحوثيين، والعلاقات بين إيران والسعودية التي تدعم الحكومة اليمنية المناوئة للحوثيين.
وفي مشهد المفاوضات الجارية في الرياض، حضرتِ الأطراف الخارجية لمعركة مأرب والحرب عمومًا، لكنْ بصورة ألطف، وذلك بعد ما جنت، منذ الفترة التي تلت تلك المعركة حتى هذه المفاوضات، مكاسب عديدة، مع تطلُّعها الواضح إلى مزيد منها. وكان واضحًا أنها توافقت على تهيئة ظروف ذلك، بالإعلان عن هدنة إنسانية، وإطاحة الرئيس عبد ربه منصور هادي؛ وهذا ما حدث بعد عام، تمامًا، من معركة مأرب التي ربما رسمت صورة بارزة أن الحرب لم تَعُد الرهان المتاح.
لقد تراجعت الدوافع الخارجية بتراجع أجندات أطرافها وما حققته من مكاسب وما يجب أن يتحقق لها أكثر في اليمن بل والإقليم، الذي ينتظر تحوّلات اقتصادية عابرة للقارّات، وفي مقدمها مشروع الممرّ الاقتصادي الهندي الذي أُعلن عنه في دلهي، على هامش قمَّة دول العشرين، في سبتمبر/ أيلول الجاري. لذلك يجب أن تخطو مفاوضات الرياض سريعًا نحو الأمام. أما قبل ذلك، فقد عادت العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران، ولم يَعُد الإعلام السعودي يتحدّث عن خطر إيراني قادم عبر الحوثيين.
عادت العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران، ولم يَعُد الإعلام السعودي يتحدّث عن خطر إيراني قادم عبر الحوثيين
في المقابل، تمكّنت إيران من الإفراج عن قدرٍ كبيرٍ من أموالها التي جمَّدتها الولايات المتحدة في كوريا الجنوبية والعراق، ودولٍ من أوروبا، إضافة إلى عزم الجانبين على تبادل عددٍ من السجناء، والحديث بشأن عودةٍ قريبة لمفاوضات الاتفاق النووي. ويُعَد هذا مكسبًا مزدوجًا لإدارة الرئيس بايدن، التي وعدت ناخبيها بوقف الحرب في اليمن، ومهَّدت له، باكرًا، بإزالة الحوثيين من قائمة المنظمّات الإرهابية الأجنبية.
قبل المفاوضات، بشهر واحد، ألقت الولايات المتحدة بثقلها دعمًا لعملية السلام، حين أوقفت، أو ربما أجَّلت، التنافس الذي كاد أن يفضي إلى العنف، بين وكلاء السعودية والإمارات، بشأن تقاسم مكاسب الحرب في الإقليم الشرقي من البلاد؛ حيث ضغطت على الإمارات وحليفها المجلس الانتقالي الجنوبي لتأجيل النقاش بشأن مطالبه الانفصالية، وأعلنت، بكل صراحة، دعمها للحكومة ومساعيها الرامية إلى تحقيق الاستقرار في مناطق نفوذها.
نختم بالإشارة إلى ترتيبات الزيارة التي يقوم بها رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العَلِيمي، ومعه نائبه رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزُّبيدي، إلى نيويورك، لحضور أعمال الدورة الثامنة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، ولقائهما، الذي لا يبدو عفويًّا، بوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، الذي أكَّد دعم بلاده السلام الشامل في اليمن، وموافقة هذه الترتيبات للمفاوضات الجارية في الرياض.