إنجيل يسوع العربي
الأناجيل المنحولة، أو "أبوكريفا"، هي الأناجيل التي كُتبت ما بين القرن الثاني والقرون الوسطى، ولم تعترف بها الكنيسة، إذ اعتمدت أربعةً فقط: أناجيل يوحنا ومتّى ومرقس ولوقا. مع ذلك، ثمّة عدد لا يحصى من التقاليد والعادات المسيحية الرائجة العائدة لتلك الأناجيل، ولا يرد ذكرها البتة في كتب العهد الجديد، ربما لحاجة المؤمن إلى ملء ثغراتٍ تتعلّق ببعض المراحل المجهولة من حياة السيّد المسيح. وللأناجيل المنحولة أهمية إضافية، إذ يعتبرها بعض مسيحيي العالم مرجعهم الأساس، كما هي حال الهند، على سبيل المثال، مع إنجيل القدّيس توما، فالمؤمنون ينسبون إليه فضل اعتناقهم المسيحية، ناهيك عن إثارتها اهتمام غير المؤمنين وتأثيراتها العديدة على المخيلة الشعبية الدينية، خرافاتها وحكاياتها.
هناك مثلا "الإنجيل العربي للطفولة"، ويُدعى أيضاً "إنجيل الطفولة السرياني" أو "حياة يسوع بالعربية" وهو يرتكز إلى انجيلين منحولين، إنجيل توما وإنجيل يعقوب، وقد تمّ جمعه في نهاية القرن الخامس أو بداية القرن السادس، بالسريانية أولاً، ثم بالعربية، وهي النسخة التي كانت وراء اكتشافه في الغرب، بعدما نشره هنري سيك باللاتينية عام 1697. يتناول الإنجيل العربي طفولة يسوع وشبابَه المجهولين، منذ ميلاده وحتى عماده في نهر الأردن، أي نحو ثلاثة عقود، لا تخبرنا الأناجيلُ الأربعة الرسمية عنها الكثير. وهو يصوّر، مع بعض الأناجيل المنحولة الأخرى التي كُتبت في الشرق، سلوك يسوع الطفل بالتفصيل، فيظهر ابنُ مريم تارّة ولداً عصبياً، سريع الغضب وعنيفاً، لا يتقن التحكّم بمقدّراته وقواه، وتارّة حكيماً، رائقاً، أكثر نضجاً من سنّه بكثير. لكنّه في الحالين، لا يشبه بقية الأولاد، وإنْ رافقهم ولعب مثلهم.
يروي الإنجيل العربي، على سبيل المثال، أنّ يسوع تكلّم في المهد صبياً، وأنّه خاطب أمه مريم، وهو لم يبلغ بعد عاماً من العمر، ليكشف لها من يكون وما هي مهمته على الأرض، وهو ما جاء ذكره في القرآن الكريم، ولم تورده أبداً الأناجيل الرسمية. وثمّة حكاية تخبرنا إياها الأناجيل المنحولة، فتقول إنّ يسوع بينما كان سائراً مع أبيه يوسف، اصطدم بكتفه صبيٌّ راكض، فغضب منه يسوع، والتفت إليه قائلاً: لن تواصل طريقك. فما كان من الولد إلّا أن سقط صريعاً في أرضه. الناس الذين شاهدوا ما حدث، ارتعبوا مما رأوه، وحين قدِم أهله، قالوا ليوسف: لا يمكنك السكن معنا في هذه القرية، مع صبيٍّ كهذا، وإلّا عليك أن تعلّمه كيف يبارك، لا كيف يلعن .. وقد دار نقاش حادّ بين يوسف ويسوع، اضطر "الوالد" إلى شدّ أذن ولده عقاباً. بعد ذلك، تُكمل الرواية، جاء معلّم المدرسة وعرض خدماته لتعليم الصبي وتهذيبه، فوافق يوسف محذّراً إياه بأنّها لن تكون عمليةً سهلة. دخل يسوع المدرسة، وذات يوم طلب منه الأستاذ أن يردّد وراءه حروف الأبجدية أكثر من مرة. لكنّ الصبي لم يمتثل، إلى أن ضربه الأستاذ على رأسه، فسخر منه يسوع ونعته بالغباء والجهل، قبل أن يتلو الحروف كلها ويُمطره أسئلة عن أشكال الحروف وأصولها و.. حتى جنّ الأستاذ طالباً منه الخروج وعدم العودة.
على العكس من ذلك، يروي الإنجيل العربي أو "حياة يسوع بالعربية" الحادثة بطريقةٍ أخرى، إذ يُظهر أنّ يسوع ابن الثانية عشرة قد اتُهم جزافاً بموت الصبي الذي فارق الحياة في أثناء لعبة عنيفة مع مجموعة من رفاقه، اجتمعوا على سطيحة. ولكي يبرّئ يسوع نفسه، يخاطب الضحية، فإذا بها تجيب وقد ردّت إليها الروح، أمام دهشة الجميع وصرختهم: إنّ الربّ معه حقاً، فما تراه سيحقّق بعد؟