إعلام حماس وروايتها 7 أكتوبر
الأداء الإعلامي لكتائب الشهيد عزّ الدين القسام في غضون العدوان الإسرائيلي الجاري على الشعب الفلسطيني في قطاع غزّة متميّز، وباهرٌ أحياناً، في تصوير استهداف جنود العدو وعتادِه في ضرباتٍ وكمائن ناجحة، وفي بثّ فيديوهات هذه الصور، وبمصداقيّةٍ تؤكّدها تالياً بيانات الجيش الغازي. أما معركة الأسرى في بُعدها الإعلامي، كما تخوضُها المقاومة الفلسطينية، فإن الوصف المناسب للأداء فيها أنه باهرٌ دائماً، وليس أحياناً. عندما تبثّ فيديوهات نداءاتٍ من محتجزين ومحتجزاتٍ لديْها، ورسائلهم التي توبّخ نتنياهو وحكومته، وعندما تؤكّد بياناتُها على وقف العدوان شرطاً لإطلاق سراح هؤلاء، وعندما لا تتأخّر في إعلان مقتل بعضهم في غاراتٍ إسرائيلية، وعندما تذكّر الجمهور الإسرائيلي باستخفاف نتنياهو بالقضية برمّتها، وبأنه لا يكترث جدّياً بأمر المحتجزين، وبأنه الذي قضى أخٌ له جنديٌّ في مطار عنتيبي (أوغندا) في عمليةٍ عسكريةٍ لتحرير إسرائيليين (خطفتهم مجموعتان، فلسطينية وألمانية) في 1976. وفي العموم، عملياتُ المونتاج، وبثّ الرسائل والتغريدات، وتوجيه الرسائل المصوّرة من الأسرى (الباقين)، وبجودةٍ بيّنةٍ في ظروفٍ شديدة الحساسية أمنيّاً، تدلّ على براعةٍ وكفاءةٍ منظورتيْن لدى شباب القسّام المكلّفين بالمهمّة هاته، أو على الأدقّ بخوض المعركة الإعلامية (والدعائية والتعبوية)، شديدة الصعوبة.
بالتوازي مع هذا الثناء المستحقّ للمقاتلين الصابرين هناك، حيث حرب الإبادة والتجويع والتهديم في عموم قطاع غزّة، يجوز هنا انتقاد قصورٍ وارتباكٍ في أداء "حماس" الإعلامي في الخارج، في مخاطبة العالم وتظهير الحقائق للجمهور العام، وتحديداً في الأسابيع الثلاثة الأولى بعد 7 أكتوبر، وإنْ يحسُن التنويه بأهمية المؤتمرات الصحافية شبه اليومية، تالياً، لأسامة حمدان في بيروت، وبما يوضحه فيها من مواقف بشأن المستجدّات، وبالاتساق الذي يقيمه بين فداحة المعاناة الباهظة التي يُغالبها أهل غزّة وبسالة المقاومة في بطولاتها واستهدافاتها العدو. وينضاف إلى هذا التحسُّن الملحوظ في الذي تتحدّث عنه هذه السطور أن لغة البيانات التي تصدُر عن الحركة صارت، على المستويين السياسي والإعلامي، أكثر تطوّراً ورقّياً، على ما تبدّى، مثلاً، في البيان الذي رحّب بقرارات محكمة العدل الدولية.
لعلّ أحد أوجه الارتباك، إعلامياً، الذي بدت عليه "حماس"، سيّما في أيام العدوان الأولى، يتعلّق بردودها الحذرة، والخفيضة الصوت، على الهجمة الدعائيّة ضد المقاومين الذين نفّذوا هجمات ذلك الصباح (أكاذيب الاغتصاب وقتل المدنّيين وقطع رؤوس الأطفال). إضافة إلى عدم مبادرة "حماس" إلى إشهار روايتها مبكّراً عن الذي جرى في 7 أكتوبر، وهو ما طولبت به بإلحاح. غير أنها، قبل عشرة أيام، نشرَت نصّاً رفيع اللغة، في خمسة مقاطع، في 18 صفحة، جاء على طبيعة الهجمات التي نفّذتها المقاومة فجر ذلك اليوم على مواقع إسرائيلية، وأسباب هذا الفعل وأهدافه، وسياقه الفلسطيني، مع تظهير وصف "حماس" حركة تحرير وطني لا تستهدف اليهود، ولا تهاجم المدنيين. وفي الوُسع القول إن ما اشتملت عليه هذه المرافعة، البليغة في غير موضع فيها، كان مُصاغاً بكيفيّةٍ تؤدّي الهدف الإعلامي والسياسي لها، على صعيد توصيف عملية 7 أكتوبر، والإقرار بأن سقوط قتلى إسرائيليين مدنيين في غضونها كان غير مقصود من المقاومة، وأن خللاً تسبّب به.
وإذا كان تأخّر "حماس" في إصدارها روايتها هذه مأخذاً ظاهراً، وإنْ في البال البيان التعبوي الموفّق الذي أعلنه القيادي في القسّام، محمد الضيف، غداة العملية الجسورة، وكذا تصريحٌ للشهيد صالح العاروري لاحقاً في الخصوص، فإنك قد تلقى، بالتوازي مع إعجاب بالذي تضمّنته الرواية، مأخذاً آخر، أنها ناقصة، لا تُحيط تماماً بكل تفاصيل 7 أكتوبر، فضلاً عن أنها اعتمدت على مصادر صحافية إسرائيلية تساند تبرئة المقاومة مما رمتْها به أجهزة الاحتلال (وداعموه في الغرب)، فبدت المقاطع القصيرة عن الحدث كأنها تتسلّح بالشواهد والقرائن الإسرائيلية، وليس بمروّيات فلسطينيين. والاجتهاد لدى صاحب هذه الكلمات هنا أن هذا لا يعودُ إلى الأخذ بقولة "من فمك أدينك"، وإنما إلى نقصان المعلومات اللازمة عن عملية طوفان الأقصى لدى من صاغوا ورقة الرواية، فالظاهرُ المنكشف أنّها عملية محض عسكرية، لا يعرف وقائعها وملابساتها تماماً ناسُ "حماس" في الخارج، والقادرون على كشف تفاصيلها صابرون باقون يقاتلون، بعد أن مضى رفاق لهم شاركوهم فيها شهداء.