إسرائيل مختلفة غدا

14 أكتوبر 2023

منزل عائلة إسرائيلية في كيبوتز قرب غزّة استهدفته كتائب عز الدين القسام (13/10/2023/Getty)

+ الخط -

قد تكون الضريبة التي يدفعها الفلسطينيون حاليا، خصوصا سكّان غزّة، الأعلى منذ الاحتلال، من حيث عدد الشهداء وحجم الخسائر المادية، لكن الذين لاموا المقاومة الفلسطينية بعد انطلاق عملية طوفان الأقصى، ومنهم مثقّفون تونسيون، وحمّلوها مسؤولية المنعرج الخطير الذي اتّخذته الأحداث، لا يحقّ لهم أن يقلّلوا من أهمية هذه المغامرة الاستثنائية ذات الأبعاد المستقبلية.

تجاهل هؤلاء التاريخ رغم إيمانهم بعدالة القضية، وهم بمنطقهم هذا يقزّمون نضال الآلاف من المجاهدين، ويغضّون الطرف عن المآسي المتراكمة التي تتوالى على الفلسطينيين. عليهم قراءة افتتاحية "لوموند" التي ذكّرت الجميع بأن الصراع لم يبدأ يوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، في إشارة مهمة إلى السياسات الإسرائيلية التي أدّت إلى "طوفان الأقصى". كما أن هؤلاء المثقفين لم يدركوا التداعيات النفسية والاستراتيجية التي ستترتّب عن هذا الحدث غير المسبوق في تاريخ الصراع مع الكيان الإسرائيلي التوسّعي. ولعل الأهم من ذلك كله أنهم لا يتابعون الجدل الدائر حاليا داخل الكيان الصهيوني بين المثقفين والإعلاميين الإسرائيليين الذين هزّتهم المفاجأة ووضعتهم أمام مرآة التاريخ وتحدّيات المستقبل.

كتب جدعون ليفي في صحيفة هآرتس "انتهت الغطرسة الإسرائيلية، كنّا نظن أن بإمكاننا أن نفعل كل شيء من دون أن ندفع الثمن، ولن نعاقَب على ذلك أبدا". ونقرأ في "يديعوت أحرونوت" أن "حماس انتصرت في معركة نفسية كبرى ستبقى ذكراها خالدة"، وأن "إسرائيل لم تعد قوية مثلما كانت"، فالإسرائيليون "غير مستعدّين للحرب مثلما كانوا قبل خمسين عاما". وكتب آري شبيت، في مقال مذهل تحت عنوان "إسرائيل تلفظ أنفاسها" في صحيفة هآرتس "يبدو أننا نواجه أصعب شعب عرفه التاريخ، ولا حلّ معهم سوى الاعتراف بحقوقهم وإنهاء الاحتلال".

لستُ ممن ينبهرون بمثل هذه التصريحات الشجاعة التي تصدر عن بعض المثقفين اليهود، خصوصا في صفوف اليسار الاسرائيلي الذي تآكل وانهار سياسيا، وأبني عليها اعتقادا أن هذا الكيان الأخطبوطي سينهار قريبا، ولكن لا يجوز الاستخفاف بمثل هذه الشهادات الصادرة من داخل الكيان، والتعامل معها بسطحيّة وسذاجة.

تجد المقاومة اليوم نفسها أمام تحدّيات خطيرة، فكما نجحت في التخطيط والتنفيذ لتضع العدو في مأزق تاريخي ووجودي، عليها أن تكون في مستوى النتائج الميدانية التي ترتبت عن خطتها المذهلة. والمأمول منها، أولا، أن تطيل المعركة داخل المستوطنات، وبفضل سيطرتها عليها نقلت الصراع المسلّح إلى داخل كيان العدو. وثانيا محاولة التخفيف من حالة هيجان حكومة نتنياهو الموتورة التي اعتبرت الدعم الأميركي والتأييد الغربي ضوءا أخضر لاستباحة كل المحرّمات، فانطلقت في تنفيذ خطّة جنونية تقتل وتدمّر من دون حسيب ورقيب، لتحوّل غزّة إلى ركام. وعلى المقاومة أن تنأى بنفسها عن كل ما تحرّمه الشرائع السماوية، بما فيها الإسلام، فالإشارة التي أوردها عزمي بشارة في مقاله في "العربي الجديد" (11/ 10/2023) مهمة، إذ أكد على "فداحة خطأ قتل المقاومة المدنيين أو أسرهم"، مضيفا "وجود المدنيين ومن بينهم أجانب لا يزيد من قدرتها على التفاوض، بل إسرائيل تتمنى أن تقتل حماس المدنيين، لتزيد من عزلتها، وتلصق بها تهمة الإرهاب من خلال تشبيه ما حصل بـ11 سبتمبر. وبذلك تجعل من حركة حقوق الإنسان العالمية خصما بدل أن تكون حليفا".

قوة المقاومة الشريفة في نظافة الوسائل التي تعتمدها، إذ لا توجد حرب مشروعة إذا اختلطت بوسائل غير مشروعة. والاستعداد الجيد لمواجهة سيناريو الاجتياح الذي بات وشيكا، رغم تردد الطرف الإسرائيلي وخشيته من ارتفاع عدد القتلى في صفوف الجيش، فالحاجة ملحّة لخطّة محكمة من المقاومة، حتى لا تكون خسائرها أقلّ بنقاط كثيرة تسجّلها لحسابها، رغم الدمار الكبير الذي سيلحق بالمدينة وسكّانها.

مهما كان الحصاد، ستكون إسرائيل غدا مختلفة كليا عما كانت عليه بالأمس.

266D5D6F-83D2-4CAD-BB85-E2BADDBC78E9
صلاح الدين الجورشي

مدير مكتب "العربي الجديد" في تونس