إدارة بايدن تصدم إيران
سارع الرئيس الإيراني السابق، محمود أحمدي نجاد، إلى تهنئة الرئيس الأميركي الجديد، جو بايدن، وقال إنه كان يصلي من أجل فوز بايدن بالرئاسة. تصريح يعكس المزاج الإيراني حيال إدارة الرئيس السابق ترامب، والرئيس الحالي بايدن، فقد عاشت إيران أربع سنوات عجاف مع إدارة ترامب، أو هكذا كان يبدو، فترامب انسحب من الاتفاق النووي الذي وقّعه معها سلفه أوباما، وشدّد العقوبات الاقتصادية عليها، ووضع عشرات من الشركات والقادة الإيرانيين على لائحة الإرهاب، في خطواتٍ زادت من حبل الخناق على رقبة إيران التي كانت تعاني أصلاً بسبب برنامجها النووي.
كانت إيران تنظر إلى ترامب أنه الأكثر قسوة في تعامله معها خلال العقدين الماضيين. وعملياً، كانت خطوات ترامب غير المدروسة ذريعة لطهران من أجل خرق الاتفاق النووي الذي وقّع عام 2015، وزيادة تخصيب اليورانيوم إلى نسبة 20%. ناهيك عن أنها وجدت في إدارة ترامب فرصة لزيادة نفوذها في العراق وسورية واليمن ولبنان، حيث قرّر ترامب خفض قوات بلاده في كل من العراق وسورية، ناهيك عن عدم قيامه بأي إجراءات عملية ضد نفوذ إيران المتعاظم في لبنان واليمن.
وجدت إيران نفسها في مواجهة مع إدارة بايدن الذي كانت تصلي لأجل وصوله إلى البيت الأبيض
صحيحٌ أن حدّة التصريحات بين طهران وواشنطن كانت عالية السقف، لكنها في المجمل لم تكن سوى تبادل ناري في الكلام، مع عدم رغبة ترامب في خوض أي صراع في الشرق الأوسط قد يؤدي إلى خسارته انتخابات الرئاسة. واليوم، وجدت إيران نفسها في مواجهة مع إدارة بايدن الذي كانت تصلي لأجل وصوله إلى البيت الأبيض، فإدارة بايدن الديمقراطية كشّرت عن أنيابها ضد برنامج إيران النووي والبالسيتي، فقد أوضح مستشار الأمن القومي الأميركي، جيك سوليفان، أن من الأولويات القصوى والمبكرة لإدارة بايدن "التعامل مع أزمة متصاعدة مع إيران، مع اقترابها من الحصول على ما يكفي من المواد الانشطارية لامتلاك سلاح نووي"، مشدّداً على أن "إيران باتت أقرب إلى إنتاج قنبلة نووية خلال السنوات الأربع الماضية".
الأكثر من ذلك تلويح رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، أفيف كوخافي، بضرب منشآت نووية إيرانية، تبعته زيارة لقائد القيادة الوسطى الأميركية، الجنرال كينيث ماكينزي، إلى إسرائيل، حيث بحث مع مسؤوليها استراتيجية التعامل مع الملف النووي الإيراني. وكان قبل توجهه إلى تل أبيب قد زار السعودية، وتفقّد القواعد العسكرية هناك، وتدارس مع المسؤولين فيها خطط إيجاد طرق بديلة لوصول القوات العسكرية بعيداً عن مياه الخليج العربي التي قد تكون غير آمنة. ورافقت كل هذه التحرّكات تصريحات أميركية تشدّد على منع إيران من الحصول على السلاح النووي، معتبرين هذا الأمر مسألة أمن قومي أميركي، ما يعني أن إدارة بايدن الديمقراطية لن تكون أقل حدّة في التعامل مع هذا الملف، ولكنها تبدو الأكثر قدرةً على اتخاذ خطوات عملية يمكن من خلالها كبح جماح طهران من أجل الوصول إلى الحلم النووي.
لا يمكن لإيران أن تنتج القنبلة النووية بما لديها من إمكانات، فهي تعتبر في المرحلة الثالثة من خمس مراحل لإنتاج القنبلة النووية
ترفض إيران اليوم أي تعديل على بنود الاتفاق النووي، وهو رفض يأتي في إطار رفع سقف مطالبها من الإدارة الجديدة التي ستسعى، من أجل كسب بعض الوقت، إلى تنسيق المواقف مع الشركاء الأوروبيين، مع الإبقاء على نبرة التصعيد وحدّة التصريحات الإسرائيلية تحديداً، من أجل زيادة الضغط على إيران، للتفاوض على بنود اتفاق جديد، ينهي مطامع إيران في الحصول على النووي.
على الضفة الأخرى المقابلة لإيران من مياه الخليج، تبدو الدول العربية الخليجية أكثر قدرةً على استيعاب الدرس، فهي، وبعد إتمام المصالحة مع قطر، باتت تسعى إلى أن تكون ممثلةً في أي مفاوضاتٍ مقبلةٍ بين واشنطن وطهران، على الرغم من رفض الأخيرة ذلك، لكنها تدرك جيداً أنه لا يمكن التمسّك بمثل هذه المطالب، خصوصا في حال قرّرت تل أبيب شن ضربةٍ خاطفةٍ على مواقع إيران النووية، والتي لا تبدو مستبعدة، خصوصا بعد ما تردّد عن تعرّض ذلك المفاعل لمثل هذه الضربة قبل أيام.
لا يمكن لإيران، وفقاً لتقديرات خبراء، أن تنتج القنبلة النووية بما لديها من إمكانات، فهي، بحسبهم، تعتبر في المرحلة الثالثة من خمس مراحل لإنتاج القنبلة النووية، لكن تخصيب ما نسبته 20% من اليورانيوم يعتبر مقلقاً. كما أن سرّية البرنامج النووي الإيراني، وما يحيط به من غموض؛ يجعل من الصعوبة بمكان التنبؤ بما قد تكون إيران قد وصلت إليه بالفعل. وعموماً، ستجد إيران نفسها مضطرة لقبول الأمر الواقع والتعامل مع إدارة أميركية أكثر قسوة عليها من إدارة ترامب، ولكن بنعومة، فأمن الولايات المتحدة القومي من أمن إسرائيل. وبالتالي، حصول إيران على القنبلة النووية سيعني تهديدا مباشرا لأمن إسرائيل، وهو ما لا يمكن أن تسمح به واشنطن.
إيران محاصرة، وهي بحاجة، أكثر من أي وقت مضى، لتنفيس حصارها. وبالتالي، يمكن للعبة العصا والجزرة الأميركية، أن تجدي نفعاً معها، خصوصا إذا ما استشعرت إيران بجدّية التهديدات الإسرائيلية، والتي حتماً ستكون مدعومة من إدارة بايدن التي تمنّت طهران، ذات ضيق وحصار؛ أن تدخل البيت الأبيض.