أهلّة رمضان والمفاجأة الأردنية
المأثور أن ينفرد بلدان عربيان، المغرب وعُمان، باختلاف اليوم الأول من شهر رمضان عن بقية الدول العربية. ولئن يعصى هذا الحال عن تفسيرٍ علميٍّ يوضِح هذا الاستثناء السنوي الخاص، والذي صار دأبا تقليديا تأخذ به السلطنة الخليجية والمملكة المغربية، مع ما يستتبعه من اختلافٍ لاحق، غالبا، في يوم متمّم الشهر الكريم، وبالتالي في يوم عيد الفطر، فإن الاستعصاء أشدّ في الافتراق السنوي، التقليدي أيضا، في إعلان يومي الأول من رمضان ومن شوّال (العيد) في بلدين عربيين: العراق الذي بات مألوفا، منذ نحو 15 عاما، أن يتفق ديوان الوقف السني فيه مع غالبية الدول العربية بشأن "ثبوت رؤية الهلال" لبداية رمضان، فيما يُؤثِرُ مكتب آية الله السيستاني، المرجعية الشيعية الأولى في البلاد، إعلان اليوم التالي بداية الشهر (صودف أنهما اتفقا على اليوم نفسه في 2018!). ولبنان الذي أعلن المجلس الشيعي الأعلى فيه، السبت، إنه "ثبت لديه بالوجه الشرعي" أن الأحد هو أول أيام شهر رمضان للعام الهجري 1443، فيما كانت دار الفتوى قد أعلنت، في اليوم السابق، إنه "ثبت لدينا بالوجه الشرعي" إن أول أيام الشهر الكريم هو السبت. ويجوز أن يُرى في أمرٍ كهذا سببٌ للسخرية، لحدوثه في بلدٍ عربيٍّ واحد، سيما أن لبوسا طائفيا ظاهرا فيه، وأن رمضان والعيد عند الهيئتين الشيعيتين في البلدين هما في اليومين المعلنيْن في إيران، ولكن دولا إسلامية أخرى يحدُث أن تتفق مع إيران في الميقات نفسه، كما إندونيسيا التي أثبتت رؤيةُ الهلال فيها هذا. ولئن كان لهذا الكلام كله موسمُه السنوي مع شهر الصيام ونهايته، فإن الانتباه لا يجري إلى مطالع الشهور الهجرية كلها، فالأهلّة لا تتعلق برمضان وشوّال وحسب، وفي البال أن المغرب وعُمان (وغيرهما) والعراقيين واللبنانيين الشيعة غالبا ما يتقرّر لديهم عيد الأضحى في غير يومِه المأخوذ به في أداء مناسك الحج.
كأن هذا التفصيل السنوي لا يُراد له أن يتوقّف، فيما الدعوات إلى الأخذ بالعلم وتبصّر الهلال بأحدث تكنولوجيات الرصد قديمةٌ متجدّدةٌ ومتكرّرةٌ، لئلا يبقى هذا الحال مبعث تندّر واستهجان، وقبل ذلك وبعده، شاهدا على أن أمةً إسلاميةً لا تتفق في مواعيد صيامها وأعيادها كيف لها أن تتفق في شؤون مصائرها وعظيم أمورها. وفيما كان هذا الكلام، بالغ العادية والرتابة، يأخذ مواضِعه، مساء يوم الجمعة الماضي، فوجئ الأردنيون بأن السلطات المختصّة في بلدهم تعلن يوما متمما لشهر شعبان لم تثبُت قبله رؤية الهلال، ليختلف صيامهم يوما عن كل جوارهم العربي. وبدا هذا بالغ الغرابة، جعل بعضا يقول إن في الأمر شيئا ما، من قبيل إن فيه تعبيرا عن خلافٍ سياسيٍّ بين عمّان والرياض، ولكن هذا كلامٌ لا يستقيم مع العقل. وقد لوحظ أن تهنئة الملك عبدالله الثاني الأردنيين والأمة الإسلامية بالشهر الفضيل جرى التغريد بها مساء اليوم المتمّم، وليس عشية اليوم التالي، ما قد يعني أن القصر، وكذا مؤسسات الدولة، كانت في مزاج الاستعداد لبداية رمضان في اليوم المتوقّع منذ أسابيع. ويعني أيضا أن القرار في هذا الشأن، المحض تقني في جوهرٍه، متروكٌ، من قبل ومن بعد، لدائرة الإفتاء، المولجة به، وبإعلانه بكل استقلالية، من دون تأثيراتٍ من أي جهة، بل أيضا من دون سيرٍ على هدي آخرين. سيما أن الأردن ليس كما العربية السعودية التي يتولّى فيها الديوان الملكي إصدار بيان إعلان ما تأتي به دائرة الأهلّة في المحكمة العليا عن بداية شهر الصيام، بعد أن تؤكّد هذه المحكمة ثبوت رؤية الهلال في المملكة. وقد آثرت بلدانٌ أن تأتي بياناتها مقتضبةً جدا لإعلان استهلال الشهر الكريم، من دون تفاصيل عن تحرّ للهلال (قطر مثلا)، فيما نشطت وزارة الأوقاف الأردنية في إيضاح علمية إعلان الأحد أول أيام رمضان، فقد تحدّث وزير الأوقاف عن اطّلاع مجلس الإفتاء والبحوث والدراسات الإسلامية، بحضوره، بعد تمحيصٍ وتدقيق، على معلوماتٍ فلكيةٍ من مختصّين برصد الأهلّة، واعتمادا على خمسة مراصد حديثة في عدة جهات في المملكة، وبدت الوزارة ودائرة الإفتاء في حالة دفاع عما يتمسّكان به. كما جاء البيان المسهب من الجمعية الفلكية الأردنية (وهو شائقٌ وقراءته مفيدة) محتشدا بالشواهد والقرائن والإيضاحات والدلائل على ما يؤكّد صحّة بداية رمضان يوم الأحد علميا، وانتهى بتوجيه "تحية كبيرة" إلى مفتي المملكة، وسائر أعضاء مجلس الإفتاء، لاتخاذهم هذا "القرار الحكيم".
قد يجد بعضٌ تخصيص تعليقٍ لهذا الأمر في عمومِه وفي جزئيته الأردنية المفاجئة نافلا، بينما تحيط عظائم الأمور بالأمة من كل جانب .. ولكن هذا غير صحيح، فمن النافع أن نتساجَل في شؤون العلم من غير حرج، أصاب الأردنيون في شأن أول رمضان أم أخطأوا.