أن تدعم القيادات المسيحية عبد الله الثاني بشأن القدس
من الطبيعي أن يدافع أي زعيم عربي أصيل عن القضية الفلسطينية وعن عروبة القدس، ويستنكر التعدّيات المستمرة على الأماكن الإسلامية والمسيحية في القدس الشريف. ومن الطبيعي جدا أن يقوم بهذا ملك الأردن عبد الله الثاني، الذي تتحمل عائلته الهاشمية الوصاية على المقدسات الإسلامية والمسيحية. ومعروف أن القيادات الدنيوية والدينية في القدس، إضافة إلى المواطنين المقدسيين الصامدين في المدينة، يدعمون بقوة الوصاية الهاشمية.
أصبح الصمود المقدسي أسطوريا رغم الصعوبات والتهديدات والمحاولات الصهيونية المباشرة وغير المباشرة لانتزاعهم من مسقط رأسهم، ومن الدفاع عن أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين وكنيسة القيامة. ولكن هل يكفي الاعتماد فقط على المقدسيين؟ ألم يأت الوقت لدفاع الجميع عن القدس وعن المقدّسات؟
لذلك، من الطبيعي أن يُعلي الملك صوت الخطر الناجم عن المحاولات الإسرائيلية الشرّيرة لتهويد المدينة المقدّسة بدلا من احترام التنوع الديني فيها، فقد عبّر الملك بوضوح في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة عن الخطر الذي يواجه القدس، مكرّراً التزام العائلة الهاشمية، انطلاقا من وصايتها على المقدّسات الإسلامية والمسيحية، ومعلنا التزام الأردن "بالحفاظ على الوضع القانوني والتاريخي القائم فيها، وحماية أمن هذه الأماكن المقدسة ومستقبلها". وقد يكون أقوى ما قاله، والذي انتقده بعض الصهاينة المسيحيين، دفاعه "عن الحقوق والتراث الأصيل والهوية التاريخية للمسيحيين في منطقتنا، وخاصة في القدس". وقال العاهل الأردني أيضا، بكل وضوح: "اليوم، المسيحية في المدينة المقدّسة معرضة للخطر، وحقوق الكنائس في القدس مهدّدة، وهذا لا يمكن أن يستمر، فالمسيحية جزء لا يتجزأ من ماضي منطقتنا والأراضي المقدسة وحاضرها، ويجب أن تبقى جزءا أساسيا من مستقبلنا".
حيّا بيان للكنائس المقدسية التزام الملك عبدالله الثاني العلني "بحماية الوضع التاريخي والقانوني القائم، وبالتالي الحفاظ على سلامتنا وعلى سلامة مستقبلنا"
كان متوقعا، ولا يزال، من الجهات المسيحية في العالم، وممن هم مهتمون بالمقدّسات المسيحية، أن تثني على كلام الملك، وتطالب الاحتلال الإسرائيلي بالكفّ عن مضايقاته المسيحيين والكنائس المسيحية. ولكن وللأسف، تهجم أحدهم، يدّعي زورا وبطلانا أنه يمثل فئة من المسيحية وهم منه براء، على الملك، وأنكر أقواله، مدّعيا أيضا زورا وبطلانا أن المسيحيين في القدس وكنائسهم محمية، وأن حريتهم أفضل من أي مكان في الشرق الأوسط. وجاء هذا من خلال مقال لكاتب صهيوني أميركي متجنس في إسرائيل، يخدم نجلاه في جيش الاحتلال، يدعي جول روزنبرغ، كتب، بكل صلافة وعدم احترام، أن الملك "أخطأ" في وصفه وضع المسيحيين في القدس.
وكما يقول المثل العربي المعروف "أهل مكّة أدرى بشعابها"، ردّ على هذا بطاركة كل الكنائس المسيحية في القدس ورؤساؤها، فرغم وجود بعض خلافات عقائدية بينهم أحيانا، وقع البيان الصادر في 27 الشهر الماضي (سبتمبر/ أيلول) رؤساء كنائس الأرثوذكس واللاتين والكاثوليك الملكيين والأسقفية العربية ورؤساء الكنائس البروتستانتية المقدسية. ورد البيان بقوة على أقوال روزنبرغ، وجاء فيه أن رؤساء الكنائس عبروا عن تقديرهم وامتنانهم لجلالة الملك لوصفه "الحقيقي والصادق لوضع مسيحيي الأرض المقدسة، وخاصة في القدس، خلال خطابه الذي حظي بتقدير كبير في الجمعية العامة للأمم المتحدة التي عُقدت في 20 أيلول 2022". وحيّا البيان التزام الملك العلني "بحماية الوضع التاريخي والقانوني القائم، وبالتالي الحفاظ على سلامتنا وعلى سلامة مستقبلنا". وثمّن "جهود جلالة الملك لدقّ أجراس التحذير من تدهور أوضاع حقوق الإنسان المسيحي الأساسية، تبعث برسالة قوية إلى العالم حول المخاطر المتعلقة بالتراث والوجود المسيحي في القدس وباقي الأراضي المقدسة".
آن الأوان لوضع حدّ للمخالفات الإسرائيلية للمقدّسات المسيحية والإسلامية وردعها عن الاستمرار في تلك المخالفات
معروف أن العالم الغربي، رغم غالبية سكانه من المسيحيين، يفصل الدين عن الدولة في الإدارة العامة لدوله. ولكن هذا الانفصال لا يحلل لقادة تلك الدول تجاهل خطر حقيقي، تحدّث عنه الملك بخصوص الأماكن المقدسة في القدس.
لقد وفرت منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (يونسكو) ضمانات عالمية لكل المقدسات داخل سور القدس، حيث تبنّى مجلسها التنفيذي، في 14 إبريل/ نيسان 2021، قراراً بالإجماع حول مدينة القدس القديمة وأسوارها، اعتبر "جميع الإجراءات الإسرائيلية الرامية إلى تغيير طابع المدينة المقدسة ووضعها القانوني لاغية وباطلة".
آن الأوان لوضع حدّ للمخالفات الإسرائيلية للمقدّسات المسيحية والإسلامية وردعها عن الاستمرار في تلك المخالفات، بما في ذلك تطبيق ما جاء في بند العقوبات السابع من ميثاق الأمم المتحدة، فهل من مجيب؟