13 نوفمبر 2024
أنظمة تحكم بالخطأ
الخطأ مصطلح ملازم لمسيرة أنظمة الفشل. يعيش معها، وتعتاش بدورها عليه. تعوّل على أنها مهما أخطأت، وجب عليها ألا تعتذر، فالاعتذار من طباع الضعفاء ومن سمات الحكم الديمقراطي، ولأن الاعتذار يعني المحاسبة، وهو ما ليس من شيمها، فهي مولودة من الخطأ وتعالج الغلط بما هو أفدح منه، لا بتصحيحه. وأنظمة الخطأ في منطقتنا تحاصرنا شرقاً وغرباً وجنوباً وشمالاً. قصة إيران مع الحوادث الخاطئة تفوح منها رائحة الدم بفصول تتوالد. آخرها قصف مدمّرة إيرانية، سفينة عسكرية إيرانية أيضاً في بحر العرب. ومثلما ظن ضابط الحرس الثوري المسؤول عن زرّ الصاروخ أن الطائرة الأوكرانية السياحية كانت مقاتلة أميركية معادية فكبس الزرّ بالخطأ، وقتل 176 راكباً مدنياً مطلع العام الحالي فوق طهران، فإن رجل زرّ صاروخي آخر قابع في المدمرة البحرية، تهيّأ له ما هو عصي على الفهم، فقصف سفينة "كنارك" خلال تدريبات عسكرية يوم الأحد الماضي، وبقية الحكاية معروفة: نصف الجنود قتلوا وبينهم ضباط (ما مجموعه عشرون)، ونصفهم الآخر (نحو 15) تقول السلطات إنهم أصيبوا فقط. في الخطأ الأول، ظلت السلطات تكذب طيلة أيام وتردّ على اتهامها بإسقاط الطائرة الأوكرانية بالتهديد وبالكثير من الأصابع المرفوعة (ما قصة إيران ومحورها مع أصابع التهديد بالمناسبة؟) وبوعود كشف الحقيقة المزلزلة التي سرعان ما ابتلعها حكام المرشد، فرفض دفع التعويضات لذوي الضحايا الـ176. أما في صاروخ تدريبات بحر العرب، فكان طريق الكذب أقصر، لأن المناورات مصورة بأبعاد ثلاثية تُظهر مصدر الصاروخ وهدفه. كان هدف تصوير التدريبات استعراض قوة إيران، فصار مضبطة اتهام بحقها. وأقصى ما أمكن جنرالات إيران فعله، كان تجميل المصيبة والتذاكي باللعب على المصطلحات، فسموا الحادثة "نيراناً صديقة" بدل الاعتراف بفداحة الأخطاء المتكررة.
لكن ما قصة إيران مع الأخطاء العسكرية؟ هل تُترجِم منسوب التوتر السياسي والأزمة الاقتصادية التي يعاني منها النظام هناك، فتكون النتيجة بقاء الأصبع على الزناد، ومن كثرة الارتجاف أو التعب، يضغط على الزرّ في التوقيت الخاطئ على الهدف الخاطئ؟ أم أن العالم ظلّ أسير رواية خرافية عن الكفاءة العسكرية لإيران التي لم تخض حرباً نظامية واحدة منذ نهاية الثمانينيات، فربما يكون هذا هو المستوى الحقيقي للقوة التي يتوهمها مريدو ملالي طهران هائلة، بينما هي ربما تكون محصورة بالتجبر على الشعب الإيراني، ومتخصصة في إشعال حروب أهلية طائفية في الإقليم؟
يأبى أعداء النظام الإيراني أن يسمحوا له بالتفوق عليهم حتى على صعيد الأخطاء الدموية. لكن الأخطاء عند آل سعود نكهتها مختلفة، فهي القاعدة وغيرها الاستثناء، ولا تصلنا روائحها النتنة إلا عندما تُرتكب خارج أراضي المملكة، ذاك الثقب الأسود الكفيل بإخفاء كل ما يدخل إلى مداره. والوقاحة سمة مشتركة بين نظامَي الأخطاء، إيران والسعودية. هناك، في الرياض، من مكاتب مظلمة، ظلّ يخرج علينا موظف سعودي قيل لنا إنه يمثل النيابة العامة السعودية، ليكرر مرات ثلاثا أو أربع أن قتل جمال خاشقجي في قنصلية إسطنبول حصل عن طريق الخطأ، ذلك أنه كان يفترض أن يتم خطفه إلى السعودية لكي يتم التشنيع فيه من دون ضجة ولا إعلام ولا تحقيق دولي. لكن الغضب، وهو من أفعال الشيطان، دفع بالأمنيين السعوديين الـ15 إلى طريق الخطأ، فقتلوه في إسطنبول ثم قطّعوا جسده بدل أن يفعلوا ذلك داخل المملكة. والخطأ في السعودية أيضاً هو دائماً من النوع غير القابل للمحاسبة، إلا إذا صدّق بسطاء سُذَّج إعلانات موسمية للنيابة العامة السعودية إياها، عن طلب أحكام بالسجن وبالإعدام على 7 أو 8 موظفين لا أسماء لهم ولا وجوه ولا بطاقات هوية.
على الرغم من كل شيء، يبقى هناك مَن يتمنى أن يمتلك مُرتكب هذا القدر من الأخطاء في طهران سلاحاً نووياً ليكون خطأه في استخدامه مرادفاً لفعل الإبادة. أما في الرياض، فيريد من صار الخطأ ملازماً لاسمه، أن يقنعنا بأنه يستحق أن يصبح يوماً ما ملكاً.
يأبى أعداء النظام الإيراني أن يسمحوا له بالتفوق عليهم حتى على صعيد الأخطاء الدموية. لكن الأخطاء عند آل سعود نكهتها مختلفة، فهي القاعدة وغيرها الاستثناء، ولا تصلنا روائحها النتنة إلا عندما تُرتكب خارج أراضي المملكة، ذاك الثقب الأسود الكفيل بإخفاء كل ما يدخل إلى مداره. والوقاحة سمة مشتركة بين نظامَي الأخطاء، إيران والسعودية. هناك، في الرياض، من مكاتب مظلمة، ظلّ يخرج علينا موظف سعودي قيل لنا إنه يمثل النيابة العامة السعودية، ليكرر مرات ثلاثا أو أربع أن قتل جمال خاشقجي في قنصلية إسطنبول حصل عن طريق الخطأ، ذلك أنه كان يفترض أن يتم خطفه إلى السعودية لكي يتم التشنيع فيه من دون ضجة ولا إعلام ولا تحقيق دولي. لكن الغضب، وهو من أفعال الشيطان، دفع بالأمنيين السعوديين الـ15 إلى طريق الخطأ، فقتلوه في إسطنبول ثم قطّعوا جسده بدل أن يفعلوا ذلك داخل المملكة. والخطأ في السعودية أيضاً هو دائماً من النوع غير القابل للمحاسبة، إلا إذا صدّق بسطاء سُذَّج إعلانات موسمية للنيابة العامة السعودية إياها، عن طلب أحكام بالسجن وبالإعدام على 7 أو 8 موظفين لا أسماء لهم ولا وجوه ولا بطاقات هوية.
على الرغم من كل شيء، يبقى هناك مَن يتمنى أن يمتلك مُرتكب هذا القدر من الأخطاء في طهران سلاحاً نووياً ليكون خطأه في استخدامه مرادفاً لفعل الإبادة. أما في الرياض، فيريد من صار الخطأ ملازماً لاسمه، أن يقنعنا بأنه يستحق أن يصبح يوماً ما ملكاً.