أكثر من حفتر في إسرائيل
"أي زعيم عربي يعتقد أن إسرائيل طريقٌ للفوز بكرسي الحكم، فإنه سيخسر نفسه وشعبه، ولن يكون هناك أي مردود له من العلاقة مع الاحتلال". .. بهذه الكلمات، علق عضو المكتب السياسي لحركة حماس، موسى أبو مرزوق، على أنباء إيفاد مجرم الحرب خليفة حفتر ابنه إلى الكيان الصهيوني، طالبًا المساعدة من أجل فوزه برئاسة ليبيا، بمقتضى صفقة يلتزم فيها حفتر بالتطبيع الكامل مع إسرائيل، حال فوزه.
كل معطيات الواقع العربي الراهن، مع الأسف الشديد، تقول إن هذا الجزم بأن مرتادي التطبيع يخسرون هو محض كلماتٍ عاطفيةٍ وأحلامٍ تنسفها كل الكوابيس التي تحاصر مشروع التحرّر والمقاومة من كل الجهات، ذلك أن كل الشواهد تؤكّد أن الطريق إلى السلطة، أو تأمين البقاء فيها، صار يمرّ عبر البوابة الصهيونية، على نحوٍ باتت معه تل أبيب مصدر السلطات، وأيضًا عنصرًا أساسيًا في صياغة العلاقات البينية العربية.
من المحزن أنها باتت قبلة الرسميين العرب، سواء الباحثين عن تهدئة، أو الساعين إلى القطيعة مع أشقائهم، بل أنها صارت، بنظر بعضهم، الحل السحري للمشكلات الإقليمية والدولية، إذ يمكنها بجرعة تطبيع واحدة إنعاش أنظمة متعثرة في فسادها واستبدادها.
السنوات الثماني الماضية، سنوات الحرب على ربيع المواطن العربي، كانت إسرائيل فيها هي العقل المدبر، والراعي الرسمي لكل المنقلبين على ثورات الشعوب، وهذه أمور مقطوع بها من واقع الضربة الأولى للربيع في مصر 2013 إذ أدرك صانعوا الانقلاب منذ اللحظة الأولى أن التأييد الإسرائيلي ضمانة أكيدة لتثبيت أقدامهم. ومنذ نجحت هذه العملية في القاهرة، حتى صارت مبدأً عامًا لدى كل السائرين على الدرب، حتى وصلنا إلى لحظة خليفة حفتر، وهو يقدّم أوراق ترشّحه لرئاسة ليبيا إلى سلطات الاحتلال الصهيوني، ويطلب دعمها ومباركتها، قبل أن يتخذ قرار المشاركة في الانتخابات.
هبوط طائرة ابن خليفة حفتر في تل أبيب لا يختلف عن هبوط طائرة عبد الله بن زايد، وزير خارجية الإمارات، في دمشق، إذ تعبّر الزيارتان عن واقع فلسفة عربية جديدة، يمكن أن تضع لها عنوان "الإدارة بالتطبيع"، إذ لا يمكن تصوّر انفتاح أبو ظبي، التي حسمت ورقة التأهل لتكون الوكيل المعتمد للتطبيع في المنطقة، على نظام بشار الأسد، إلا في سياق إقليمي عام يقوم على مقايضة السلطة بالتطبيع، وهو ما كانت قد عبّرت عنه وزيرة العدل الإسرائيلية، إياليت شاكيد، في المؤتمر الدولي لمكافحة الإرهاب، المنعقد في تل أبيب سبتمبر/ أيلول 2017 بالقول "إذا أراد الأسد البقاء في السلطة، عليه إبقاء إيران خارج سورية".
هذا التصريح نشرته الصحافة الصهيونية في ذلك الوقت، في سياق واحد مع خبر عن زيارة ولي عهد السعودية، محمد بن سلمان، إسرائيل، سراً، وهو الخبر الذي لم تكذّبه الرياض، كما لم تكلف إسرائيل الرسمية نفسها عناء تأكيده أو تكذيبه، تاركة المجال، كالعادة، لوسائل إعلامها، تتولى مهمة الكشف والفضح.
ولو فتحت القوس للكلام عن النظم العربية التي ولّت وجهها شطر إسرائيل فلن تغلقه إلا بعد وقت طويل، إذ تكرّر الطرق على الباب الإسرائيلي كثيرًا، ومبكرًا منذ بدأت المسيرة بلقاء مع نتنياهو حضره عبد الفتاح السيسي، سراً، في مدينة العقبة، ضم ملك الأردن، ووزير الخارجية الأميركية، جون كيري، في ذلك شهر سبتمبر من العام 2016، وهو اللقاء الذي بقي قيد السرية حتى هتك سره نتنياهو نفسه في فبراير/ شباط 2017. ثم حين وصل نتنياهو إلى داخل قصر الاتحادية في القاهرة، صحبة زعيم المعارضة الإسرائيلية، يتسحاق هرتسوغ، في تلك الليلة من شهر إبريل/ نيسان 2016، وكشفته صحيفة هاآرتس الصهيونية بعد شهرين من انعقاده.
قبل أن تغلق القوس تجد أيضًا الحضور الصهيوني في نزاع الصحراء بين الجزائر والمغرب، حيث كان تسريب أنباء صفقة سرية مع واشنطن وتل أبيب، بحسب موقع أكسيوس الأميركي، تتضمّن اعترافًا أميركيًا بسيادة المغرب على الصحراء، مقابل المضي في التطبيع الكامل مع الكيان الصهيوني.
الخلاصة أن النظام الرسمي العربي بات مدركًا تمامًا أن من أراد المكسب طلبه من إسرائيل.