18 نوفمبر 2024
أسئلة الامتحان السوداني الصعب
عندما بدا لوهلة في الأيام الأولى لثورة يناير في العام 2011 المصرية أنها تكاد تلفظ أنفاسها، بعدما تلقته من ضربات عنيفة، جاءها المدد من"السودان"، ذلك الشارع الطويل الممتد بين حيي المهندسين والدقي الراقيين، ومناطق إمبابة وبولاق وميت عقبة الشعبية الفقيرة.
في ذلك الوقت، كان حظر التجوال قد فرض على المصريين، وصار الوصول إلى ميدان التحرير، حيث حوصرت الثورة، عقب جمعة الغضب، عسيرًا جدًا، في لحظةٍ باتت معها الثورة في حاجة ماسّة إلى مداد جماهيري جديد، يخفف العبء عن ثوار التحرير.. وهنا تألق الإبداع الشعبي فيما عرفت بثورة النعوش والجنازات، إذ كان السبيل الوحيد للمرور من ميدان التحرير مواكب جنازات الشهداء الذي سقطوا في جمعة الغضب وما بعدها، القادمة عن طريق شارع السودان، فكانت الأمواج التي حملت المتعطشين للانضمام لميدان الثورة فوقها، حيث يتصدّرها رجال ونساء يشهرون تصاريح الدفن أمام قوات الأمن، جواز مرور في الطريق إلى مدافن القاهرة القديمة، والتي يتطلب الوصول إليها المرور من ميدان التحرير.
هذا ما تحفظه ذاكرة أهل ميدان الثورة المصرية، مقرونًا باسم"السودان"، وربما كان ذلك في مقدمة الأسباب التي أوجدت ذلك التضامن الشعبي الواسع مع انتفاضة الشعب السوداني، بوصفها حلقةً من حلقات الربيع العربي الأصيلة، وتعبيرًا عن أشواقٍ لا تنطفئ لحلم التغيير الذي انكسر في مصر وسورية وليبيا واليمن، لكنه نهض في السودان.
نعم، وجدت انتفاضة الشعب السوداني احتضانًا رائعًا من كل المؤمنين بحق الشعوب في التصدي للظلم والاستبداد، والسعي إلى الحرية والديمقراطية والكرامة الإنسانية. وما جرى مع الموجة الأولى من انتفاضات الشعوب العربية في العام 2011 يتكرر مع الانتفاضة السودانية، إذ يكرّر معسكر السلطويين المقولات والمزاعم ذاتها، طعنًا في هذا الحراك، وتسفيهًا له، وتقليلًا منه، حتى تشعر وأنت تتابع المشهد كأنك جالس أمام شاشات البلطجية والشبيحة في القاهرة ودمشق، والعواصم الكارهة بالفطرة لأي حضور للشعوب في معادلات التغيير.
هنا، يضع الشعب السوداني الجميع أمام اختبارٍ صعب، وتوجد حالة فرزٍ حقيقية لمن يقف مع ربيع الشعوب، مبدأ ثابتًا، لا يتغير حسب أبعاد الجغرافيا السياسية، ومن كان يتملّق هذا الربيع، أو يستثمر فيه، على نحو مؤقت؟
كيف تكون متسقًا مع مبادئك، وأنت الذي أقمت الدنيا ولم تقعدها، حين زار عمر البشير سفاح سورية بشار الأسد، واعتبرت أنه بذلك طعن الثورة السورية، وأهان الربيع العربي، ومشى على دماء الشهداء، وغرّدتَ وكتبتَ تلعن دكتاتوريته ودمويته واستهانته بحق الشعوب في التغيير. لكنك قرّرت الصمت، حين هبت في السودان رياح ثورة شعبية ضد عمر البشير، بأعوامه الثلاثين في السلطة التي كانت وبالًا على الشعب السوداني، وحرمته حقه في التغيير والتعبير، وأنهكته اقتصاديًا، وأحالت معيشته جحيمًا.
كيف تكون مع حق السوريين في الغضب والثورة، والسعي إلى الانعتاق من الاستبداد، ثم تتخذ موقفًا سلبيًا، متواطئًا، ضد حق السودانيين في المطالبة بالتغيير، والتحرّر من استبداد ثلاثة عقود متواصلة، ولا تهزك دماء ما يزيد عن 22 مواطنًا حصدت أرواحهم آلة القمع في المدن السودانية؟
لماذا يكون الحراك الجماهيري في سورية سعيًا إلى الحرية والديمقراطية والكرامة الإنسانية، بينما الحراك السوداني تخريبًا وعنفًا وهدمًا لمقومات الدولة السودانية؟ كيف تكون مع الثورة الشعبية في نقطة، وضدها في نقطة أخرى؟
تلك هي أبرز ما فرضه الامتحان السوداني العسير من أسئلةٍ كاشفةٍ للمواقف الحقيقية والانحيازات الصريحة، مع الشعوب وضدها، ومع المبادئ وعكسها، وهو الامتحان الذي أظهر مساحةً هائلة من التناقضات وازدواجية المعايير، والتواطؤ، الصامت أحيانًا، والصارخ في أحيان أخرى.
في ذلك الوقت، كان حظر التجوال قد فرض على المصريين، وصار الوصول إلى ميدان التحرير، حيث حوصرت الثورة، عقب جمعة الغضب، عسيرًا جدًا، في لحظةٍ باتت معها الثورة في حاجة ماسّة إلى مداد جماهيري جديد، يخفف العبء عن ثوار التحرير.. وهنا تألق الإبداع الشعبي فيما عرفت بثورة النعوش والجنازات، إذ كان السبيل الوحيد للمرور من ميدان التحرير مواكب جنازات الشهداء الذي سقطوا في جمعة الغضب وما بعدها، القادمة عن طريق شارع السودان، فكانت الأمواج التي حملت المتعطشين للانضمام لميدان الثورة فوقها، حيث يتصدّرها رجال ونساء يشهرون تصاريح الدفن أمام قوات الأمن، جواز مرور في الطريق إلى مدافن القاهرة القديمة، والتي يتطلب الوصول إليها المرور من ميدان التحرير.
هذا ما تحفظه ذاكرة أهل ميدان الثورة المصرية، مقرونًا باسم"السودان"، وربما كان ذلك في مقدمة الأسباب التي أوجدت ذلك التضامن الشعبي الواسع مع انتفاضة الشعب السوداني، بوصفها حلقةً من حلقات الربيع العربي الأصيلة، وتعبيرًا عن أشواقٍ لا تنطفئ لحلم التغيير الذي انكسر في مصر وسورية وليبيا واليمن، لكنه نهض في السودان.
نعم، وجدت انتفاضة الشعب السوداني احتضانًا رائعًا من كل المؤمنين بحق الشعوب في التصدي للظلم والاستبداد، والسعي إلى الحرية والديمقراطية والكرامة الإنسانية. وما جرى مع الموجة الأولى من انتفاضات الشعوب العربية في العام 2011 يتكرر مع الانتفاضة السودانية، إذ يكرّر معسكر السلطويين المقولات والمزاعم ذاتها، طعنًا في هذا الحراك، وتسفيهًا له، وتقليلًا منه، حتى تشعر وأنت تتابع المشهد كأنك جالس أمام شاشات البلطجية والشبيحة في القاهرة ودمشق، والعواصم الكارهة بالفطرة لأي حضور للشعوب في معادلات التغيير.
هنا، يضع الشعب السوداني الجميع أمام اختبارٍ صعب، وتوجد حالة فرزٍ حقيقية لمن يقف مع ربيع الشعوب، مبدأ ثابتًا، لا يتغير حسب أبعاد الجغرافيا السياسية، ومن كان يتملّق هذا الربيع، أو يستثمر فيه، على نحو مؤقت؟
كيف تكون متسقًا مع مبادئك، وأنت الذي أقمت الدنيا ولم تقعدها، حين زار عمر البشير سفاح سورية بشار الأسد، واعتبرت أنه بذلك طعن الثورة السورية، وأهان الربيع العربي، ومشى على دماء الشهداء، وغرّدتَ وكتبتَ تلعن دكتاتوريته ودمويته واستهانته بحق الشعوب في التغيير. لكنك قرّرت الصمت، حين هبت في السودان رياح ثورة شعبية ضد عمر البشير، بأعوامه الثلاثين في السلطة التي كانت وبالًا على الشعب السوداني، وحرمته حقه في التغيير والتعبير، وأنهكته اقتصاديًا، وأحالت معيشته جحيمًا.
كيف تكون مع حق السوريين في الغضب والثورة، والسعي إلى الانعتاق من الاستبداد، ثم تتخذ موقفًا سلبيًا، متواطئًا، ضد حق السودانيين في المطالبة بالتغيير، والتحرّر من استبداد ثلاثة عقود متواصلة، ولا تهزك دماء ما يزيد عن 22 مواطنًا حصدت أرواحهم آلة القمع في المدن السودانية؟
لماذا يكون الحراك الجماهيري في سورية سعيًا إلى الحرية والديمقراطية والكرامة الإنسانية، بينما الحراك السوداني تخريبًا وعنفًا وهدمًا لمقومات الدولة السودانية؟ كيف تكون مع الثورة الشعبية في نقطة، وضدها في نقطة أخرى؟
تلك هي أبرز ما فرضه الامتحان السوداني العسير من أسئلةٍ كاشفةٍ للمواقف الحقيقية والانحيازات الصريحة، مع الشعوب وضدها، ومع المبادئ وعكسها، وهو الامتحان الذي أظهر مساحةً هائلة من التناقضات وازدواجية المعايير، والتواطؤ، الصامت أحيانًا، والصارخ في أحيان أخرى.