أخطاء آينشتاين
يُنبِئ الاكتشاف الذي أنجزه الفرنسي آلان أسبيكت (75 عاماً) والأميركي جون كلوزر (80 عاماً) والنمساوي أنتون تسايلينغر (77 عاماً)، ومكّنهم من إحراز جائزة نوبل في الفيزياء، الأسبوع الماضي، أن ألبرت آينشتاين، (توفي في 1955 عن 76 عاما)، كان مخطئا في بعض ما أتت به كشوفُه. وتعيينا، على ما أفاد مختصّون، في رفضه ما يسمّى "التشابك الكمّي" (هل من داعٍ لكتابته بالإنكليزية؟)، فقد أثبت العلماء الثلاثة صحّته. وهو يعني أنه قد توجد جسيماتٌ تحت ذرّيةٍ صغيرة، يؤثّر بعضُها في بعضٍ بشكل آني، وفي التّو واللحظة، حتى لو كانت المسافة بينها كما بين الأرض والمرّيخ، أي أن رسائل جرى تبادلُها بين الجسيمات المتباعدة آنيًّا. وبهذا تكون هذه المعلومات قد تحرّكت أسرع من الضوء الذي اعتبره آينشتاين الأسرع. وعندما أنقل هنا هذا عن الذي يسمّى "التشابك الكمّي" من مقالةٍ لأكاديمي العلوم السياسية، وليد عبد الحي (هل يتدخّل في ما لا يعنيه؟)، فلا أزعم هنا إنني وقعتُ تماما على السبب الذي جعل صاحب النظرية النسبية يُعانِد، ويرفض هذا التشابك الموصوف بأنه كمّي، بل واقتنع علماءُ فيزياء بعدَه برفضِه ذاك، وها هم علماءُ ثلاثة، ومن ثلاثة بلدان (غربية طبعا)، بعد نحو مائة عامٍ على عناده ذاك، يخطّئونه، بل ويجعلونا، نحن أصحاب التعاليق السيّارة مثلا، الذين نعرف كل صنوف التشابك، الكلامي والعسكري والطائفي والأهلي، ولا ندري من أمر التشابك الكمّي شيئا، نعرف خطأه، وأن عنادَه لم يكن في محلّه، وذلك بعد أن ذاع ما ذاع ما صنَعه العلماء الثلاثة، لمّا كرّمتهم الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم بجائزة نوبل، للعام 2022، والتي كان آينشتاين قد أعطيها في 1921 عن نظرياته في "التأثير الكهروضوئي" وفي تكافؤ الطاقة والكمّ، وفي ميكانيكا الكمّ (لا أعرف ما هذا كله).
وعندما نعرف أن آينشتاين، في نظرية النسبيّة التي قيل لنا إنها ساعدت في صناعة القنبلة الذرّية (هل هذا صحيح؟)، خطّأ نيوتن في بعض ما أتاه عن الجاذبية والزمن والمكان، وعندما نعرِف أن علماء نوبل للفيزياء 2022 خطّأوا آينشتاين في بعض ما أتاه عن سرعة الضوء، فلنا، نحنُ الذين لا نقدِر أن ندسّ أنوفَنا في أمورٍ كهذه، أن نسأل عمّا إذا كان العلماء، في ما تراكِمه كشوفاتُهم واختراعاتُهم ونظرياتُهم على منجزات سابقيهم، يعمَدون إلى "تصحيح العلم"، كما يفعل الزعماء والسياسيون الذين ينصرفون في مغامراتٍ حربيةٍ، مجنونةٍ في نعتٍ جائز، إلى "تصحيح التاريخ" (بوتين حاليا، صدّام حسين سابقا، ...). ولكن مماثلةً كهذه، بالضرورة والبداهة، غير صحيحةٍ أبدا، وغير جائزةٍ أساسا. وعلى ما كتب الصديق سامر خير أحمد في مقالته في "العربي الجديد" (7/10/2022)، يتيحُ الذي جاء به علماء الجائزة العتيدة الثلاثة تطوير تقنيّات الاتصال، والتشفير، وأجهزة الاستشعار فائقة الحساسية، وتطوير سرعة الكمبيوتر إلى أضعافٍ غير مسبوقة، ما يعني أن البشرية مقبلةٌ على آفاق هائلةٍ من ثورة الاتصالات. أما أصحاب "تصحيح التاريخ" من النوعية إياها، فقد أخذوا البشرية إلى الكوارثِ إياها.
ذلك شغلُ العلماء في ما بينهم، يصحّحون أخطاء بعضهم، في المعامل والمختبرات ومراكز البحث العلمي في المعاهد والكليات المختصّة، فيساهمون في تحسين حياة الإنسان، وتثوير مَلكاته، وفي إسعاده، وإنْ يفيد صنّاع أسلحة الفتك والتدمير والتسميم والتخريب من منجزات العلماء. ولا أحسبُ أن صاحبنا آينشتاين أخطأ فقط في قصة "التشابك الكمّي" تلك، وإنما أيضا في طلبه، في خطابٍ منه إلى الرئيس الأميركي، روزفلت، الإسراع باختراع السلاح النووي (القنبلة الذرية)، في 1939، لكي تسبق الولايات المتحدة (حمَل جنسيّتها بعد تخلّيه عن جنسيّته الألمانية) في هذا النازيين في ألمانيا. وبعد سنواتٍ، أشهر ندمَه على ذلك الخطاب. والظاهر، أن هذا الرجل الذي أحرز صيتا علميا كونيا أحرز أيضا أخطاءً وخطايا، ثم يكتشف متأخّرا بؤس ما كان يقترف. ومن ذلك فعلتُه بشأننا، عندما تحمّس، وهو اليهودي، للحركة الصهيونية، ودَعم الاستيطان اليهودي في فلسطين، ورأى إقامة وطن قومي لليهود فيها. ولاحقا، لم يقبل عرضا ليكون رئيس دولة إسرائيل، وأعلن رفضَه طرد الفلسطينيين، وناهض أي عنصريةٍ ضدهم، وطالب باتفاق سلام معهم.
.. هذا حالُنا نحن العرب، نجرّ كل القضايا إلى السياسة. كان آينشتاين عالمَ فيزياء كبيرا، جاء علماء خبيرون، بعد مائة عامٍ على كشوفاته المذهلة، ليذهلونا بأنه أخطأ... في "الاشتباك الكمّي". وكنّا في اشتباكٍ معه بشأن فلسطين والقنبلة الذرّية، وغيرهما ربما.