اسمها "خيانة"

12 سبتمبر 2015
اختار اسمًا غريبًا (getty)
+ الخط -
وضعتها في أمسية شتوية، وكنت قد اتخذت قراري أنها ستكون طفلتي الأخيرة، ولذلك عليّ أن أختار لها اسما مميزاً وغريبا وغير دارج، وحين عدت بها إلى البيت تقافز باقي صغاري فرحاً بالمولودة الجديدة البيضاء الملفوفة بخرق كثيرة اتقاء لبرد ديسمبر/كانون الأول.


احترنا في اختيار اسم لها، وكنت مرهقة ووافقت سريعاً على مقترح أمي بأن نطلق عليها اسم "ياسمين" فقد كانت بيضاء كالياسمين فعلاً، ولكن زوجي ظل صامتاً ولم يعقب على اختيارنا، ومنعتنا ظروف انتفاضة الأقصى وما كنا نعانيه من قصف بالدبابات في محيط الحي، وعدم قدرتنا على الخروج من البيت لعدة أيام من استخراج شهادة ميلاد لها، وبقينا نناديها باسم "ياسمين" ونتحدث عنها بهذا الاسم، مثل: فتحت ياسمين عينيها، ماما بكت ياسمين، وهكذا.


بعد أيام خرج زوجي لتسجيل الصغيرة في دائرة تسجيل المواليد، وعاد بعد وقت طويل يحمل أوراقاً كثيرة وقدمها لي في صمت، وأنا اتوقع أن اقرأ فيها اسم " ياسمين" بعد ضمه لسجل العائلة.

ولكني صدمت باسم آخر كنت أسمعه لأول مرة في حياتي، ولم أعقب ولم أعترض بل شجعت أطفالي على تقبله رغم صعوبة نطقه بالنسبة لهم، وأخبرت أمي به والتي أبدت امتعاضها من غرابته أولا، وغضبها لأن زوجي قد خالف اختيارها. ولأني كنت "مغلوبة على أمري" فقد أظهرت موافقتي على الاسم، وقلت لأمي: إنه اسم جيد ومناسب وجديد، وغيرها من كلمات التقبل التي كنت أقنع بها نفسي.


كلما سألتني إحداهن بعد ذلك عن اسم مولودتي كنت أخبرها بفخر بالاسم الجديد المميزالذي اختاره زوجي، علما أنه هو أيضا من اختار أسماء كل الأولاد، ولم يشركني في اختيار اسم أي واحد منهم، ولأن قارب حياتنا كان يتعرض لهبات عاصفة طول الوقت، فقد كنت أطاوعه ولا أدقق كثيراً في أمور" تافهة"، وكنت أدقق على حقي في أن يحترمني، وأن يكف عن غيرته القاتلة اتجاهي؛ والتي دمرت كل شيء جميل بداخلي نحوه.


مرت سنوات وغرق مركب حياتنا، وخرج الزوج من حياتي، وأصبح مجرد "والد الأولاد" وسافرت بالصغيرة إلى مصر، وسعدت حين علق موظف الجوازات على اسمها حين قرأه: اسم جميل يليق بفلسطينية.

 أقرأ أيضاً:حكواتي: أكره "سجن" مريول المدرسة

وسعدت أكثر حين علق أحد المواطنين المصريين في محل لبيع عصير القصب على اسمها، حين كنت أنتهرها وهي تتقافز في المحل المبلل بلاطه بالماء، خوفاً عليها من أن تتزحلق حيث قال: أنا مدرس لغة عربية وأول مرة أسمع بهذا الاسم، ولكنه جميل جداً.


طرت باسم صغيرتي لسنوات حتى التقيت يوما بصديقة قديمة هالها ما وصل إليه حالي من انفصال عن الزوج، وأني قد توليت تربية الأولاد، وطفقت أعدّد لها ما قدمت من تنازلات من أجل ألا يغرق مركبنا، حتى وصلت لاسم ابنتي وبأني قد رضيت به وأغضبت أمي، وهنا قاطعتني قائلة: "جيد أنك قد قبلت به وهو اسم امرأة عرفها زوجك، وأنت على ذمته وكان على علاقة بها.

صدمت من هذه المعلومة واكتشفت أني كنت آخر من يعلم، وكل من حولي يعلم بها وبأني كنت ساذجة طول الوقت، وما آلمني أكثر أن الصغيرة قد سمعت ما قالته صديقتي، وأصرت أن تغير اسمها في الأوراق الرسمية".

أقرأ أيضاً:حكواتي: بنت المدينة والفلاحون

مرت سنوات وابنتي تحتد وتصمم، وأنا أحاول أن أنسيها الموضوع واخترت لها اسما للتدليل، سرعان ما انتشر بين الجميع، وبقي اسمها في الأوراق الرسمية هو الاسم الدال على خيانة الأب وغفلة الأم.
ترى لماذا لم أغير اسمها في الأوراق الرسمية حتى الآن؟ حقا لا أعرف أو لا أريد أن أعرف.
دلالات
المساهمون