وائل غنيم يظهر مرتبكاً ويطالب المخابرات بالتواصل معه

11 سبتمبر 2019
غنيم في فيديو نشره اليوم على صفحته (فيسبوك)
+ الخط -
بات كثيرون ليلتهم أمس، يتساءلون عما ألمّ بالناشط السياسي المصري وائل غنيم، أحد رموز ثورة 25 يناير 2011، لا سيما أنه ظهر بشعر حليق وحاجبين حليقين، وشعر متناثر على جسده في مقطعي فيديو؛ الأول يهاجم فيه رجل الأعمال محمد علي، الذي فضح فساد نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي المالي والإداري، والآخر للتعبير عن حزنه وأسفه إزاء وفاة الشاب عبد الله مرسي، نجل الرئيس الراحل محمد مرسي.

انقضت الليلة في جدل بين متعاطفين مع وائل، لما آل به الحال من يأس وقلة حيلة، وبين آخرين هاجموه بضراوة، مشككين في توقيت خروجه، وإقحام نفسه في زلزال المقاول المصري الذي هز أركان نظام السيسي؛ وفي صباح اليوم التالي، كتب قائلاً لمتابعيه: "اسأل أي سؤال، وهاحاول أجاوب على الأسئلة اللي شايف إنها ممكن تبقى مفيدة... وحابب اليومين دول أتواصل وأوضح موقفي للناس اللي تهمني".

بعدها بساعات قليلة خرج وائل بفيديو "لايف"، عارياً كما الليلة السابقة، يتحدث عن تجربته الروحية، وضرورة تطبيق "المساج" بشكل فردي، وهو ما تخلله عشرات الشتائم للمتابعين والمعلقين على أدائه، ومظهره، وتوقيت ظهوره، الأمر الذي رد عليه وائل بسيل من الشتائم المماثلة لمتابعيه، بعدما استفاض في شرح معاناته من حالة اكتئاب شديدة واجهته قبل ثلاث سنوات، صاحبها بعض الأعراض الانتحارية، لكن خرج منها "لاستكمال المشوار".

ووجه وائل في الفيديو نداءً مباشراً لقيادات جهاز المخابرات الحربية، للتواصل معه، قائلاً "كي نرى وضع البلد، ويمكن بعقليتي المعزولة منذ ثلاث سنوات، يكون عندي فكرة حلوة تستاهل... اسمع مني، عيب قوي أفضل اتحايل عليكم، وأقولكم تسمعوا مني... أنا أخوكم، ولو مش عاجبكم، يمكن عشان مش من النوع اللي بتفضلوه، لكن أنا يهمني مصلحة البلد... حاولوا تعملوا حاجة عشان أنا جاي، وهاطلع كل يوم، وأقول كل حاجة عاوز أقولها".

وأضاف وائل "تعلمت من تجربة الثلاث سنوات الأخيرة إعادة حساباتي، وفهم تجربتي، ومحاسبة نفسي... من الأمور الصعبة محاسبة النفس، ولكني في مرحلة من التصالح مع النفس؛ لذا أخرج شحنات الغضب من داخلي، لأن أغلبنا يواجه ضغوطاً داخلية، ولا يُعالج منها... وأنا دخلت في رحلة لاكتشاف جسدي، والأفكار السلبية داخلي، وتوصلت إلى أن كتمان المشاعر يضر بالجسد، وكذا بالمناطق العصبية".



شخص متناقض
وتابع "لقد حلقت شعري وحواجبي من أجل تنشيط الدورة الدموية، وأنا بخير، وحياتي مليئة بالأشياء الجيدة... وكتمت العديد من الأمور داخلي منذ فترة طويلة؛ ولكني رغبت في مشاركة تجربتي مع الناس... وأنا مع كل الناس، لأنني شخص متناقض بطبيعتي، وأستطيع رؤية الأشياء الجيدة في كل الناس، لأننا كلنا بشر في النهاية... وعلى المستوى الشخصي أخطأت في حق أناس كثيرين، وندمت على ذلك".

وزاد وائل "سأتعامل بكل أدب مع من يتعامل معي بأدب، وبكل سفالة من يتعامل معي بقلة أدب... وأنا وُلدت في مصر عام 1980، وفي العام التالي سافر والدي الطبيب إلى السعودية للعمل في منطقة (أبها)، وهي مدينة صعبة عشت فيها 13 عاماً، واجهت فيها الشتائم لأنني مصري... وعُدت لاستكمال تعليمي في مدرسة خاصة، ثم في مدرسة حكومية بالدقي خلال المرحلة الثانوية؛ ما جعل مني شخصاً مركباً، ومعقداً، فلازم تسمعني عشان تفهمني".



إصلاح العالم
واصل غنيم حديثه "المصريون لا يحترمون حضارتهم، ويرون دائما أن العيب في النظام الحاكم؛ والكل لديه مشكلات في منزله، ولكنه يتهرب منها... في عام 2011 (الثورة) كان جزء من مشكلتي أنني حاولت إصلاح العالم، من دون أن أصلح نفسي... وحاولت آنذاك ألا أظهر كثيراً على القنوات الفضائية، لكن أعترف بأنني كنت راغباً في الشهرة، من أجل توصيل رسائل محددة... والآن مش فارق معايا الشهرة".

واستكمل وائل "السعادة مش إن الناس تقولك برافو أو تشتمك، لكن إنك تقول اللي أنت مؤمن به، بشرط أنه يكون مش مؤذي أو مفيد في تقديرك... أنا هاتكلم معاكم كل يوم، لأننا تربينا طوال الوقت على توجيه الشتائم لبعضنا البعض، وهذا خطأ... لدي أقارب في مؤسسات الجيش والشرطة، وآخرون ضد النظام؛ وعمق الموضوع أن البلد (مصر) مخروبة، وعشان تتصلح محتاجة مجهوداتنا كلنا، لأن ماحدش هايعرف يصلحها لوحده".


شخصية وهمية
وأشار وائل إلى اختلاقه شخصية وهمية للتحدث معها تدعى "كريستال" (اسم نوع مخدر شائع)، للتباحث معها حول طريقة تفكير الناس من وجهة النظر الأخرى، لا من وجهة نظر واحدة، مستطرداً "بقيت أفهم الأمور، لأن اللي بيحصل إن كل واحد بيفكر في نفسه وبس، وشايف أن وضعه هو المهم؛ فبدأت أفكر بشكل مختلف... وعندي استعداد أقعد مع أي حد عشان أدور على المصلحة، بغض النظر عن رأي الناس في شخصي".

وخاطب وائل، الحقوقي البارز محمد سلطان، بالقول: "أنا شتمته عشان راح للكونغرس يشتكي له، دي حاجة مش نضيفة، لأن دول ناس مش عاوزة مصلحتنا، ولكن بيلعبوا بينا كورقة تفاوض في صفقة سلاح... أنت رايح تقوله يا عمو بابا بيضربني؟، اللي عاوز يزايد عليا يزايد، وأنا بوجه نداء للمخابرات خلوا حد يكلمني، عيب كده... أنا عاوزكم تتعاملوا معايا باحترام، لأنه يوجد ناس متضررة، ووضعها مش كويس".



حذف فيديو
كذلك نوه إلى حذفه مقطع فيديو، تطاول فيه على أحد ضباط المخابرات، قائلاً "إلى الأعزاء في المخابرات الحربية، حاولت كتير أتواصل معاكم، رغم أنكم بتصنفوني من العناصر الإثارية... أنا عملت كده عشان مش عاوز أثير أي حاجة، ولا عاوز أثور، كل اللي عاوزه نشوف مصلحة البلد فين، ونعملها... عاوز أتكلم مع حد منكم، بدل ما تبعتوا حد يقرف عائلتي؛ وأنا حذفت الفيديو اللي فات عشان قلت فيه كلام قليل الأدب".

ولمن لا يعرف وائل غنيم، فهو مهندس كمبيوتر اشتهر إبان ثورة 25 يناير 2011، بتأسيس صفحة "كلنا خالد سعيد" في يونيو/حزيران 2010، التي كانت تدعو المصريين للتظاهر ضد نظام الرئيس المخلوع، حسني مبارك، وتحدد مواعيد التحركات ونقاط التجمعات، ونصائح أيضاً للتعامل مع قوات الأمن والغاز المُسيل للدموع.


لقطته الشهيرة
واختفى وائل، الذي اعتقل يوم 26 يناير/كانون الثاني 2011 من وسط القاهرة، ثم أُخلي سبيله في 7 فبراير/شباط 2011؛ وفي نفس الليلة، ظهر للمرة الأولى على شاشات التليفزيون، مع الإعلامية المصرية، منى الشاذلي، في برنامج "العاشرة مساءً"، وبكى خلال الحلقة على شهداء الثورة، مغادراً الاستديو في لقطة شهيرة، لا تنسى لجميع المصريين.
ثم اشتهر له مقطع فيديو شهير بصحفة الفنان خالد النبوي، وآخرين، يرقصون وهم يرددون "ارحل يعني امشي... يالي مابتفهمشي"، في أعقاب إعلان تنحي مبارك عن سدة الحكم، في 11 فبراير/شباط 2011. وعمل وائل بعدها مع شباب القوى والأحزاب السياسية، وكان ضمن قائمة شباب الثورة الذين التقوا السيسي، عضو المجلس العسكري، ورئيس جهاز المخابرات الحربية وقتها.



مغادرة مصر
وغادر وائل البلاد في أعقاب انقلاب 3 يوليو/تموز 2013، متنقلاً بين دبي والولايات المتحدة، التي استقر فيها أخيراً، بعد أن ترك عمله بشركة "غوغل" العالمية؛ ليكون بيان الانقلاب الذي أذاعه السيسي، وزير الدفاع آنذاك، آخر ما نشرته صفحة "كلنا خالد سعيد"، التي اقترب عدد المشاركين فيها من 3.5 ملايين متصفح.

وظلت تلك هي الصورة الذهنية عن وائل في عقول المصريين؛ شاب مصري متعلم ومثقف، شارك في الثورة بشجاعة وإخلاص، وكان أحد ملهميها، وقياداتها الشبابية الفاعلة، وصولاً إلى موقفه الباهت من الانقلاب العسكري في 2013. لكن صورته بعينيه الباسمتين، وشعره الأسود الكثيف، تبدلت بصورة يملأها الإعياء والشجن؛ وحديثه الراقي العاطفي الواقف به على حافة البكاء، انزلق للغة لا يشبهها ملؤها السب والشتائم، والتخبط يميناً ويساراً.

كان وائل يشغل منصب المدير الإقليمي لشركة "غوغل" لتسويق منتجاتها في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إبان الثورة، وأطلق عليه البعض لقب "قائد ثورة الشباب" لدوره الكبير في اندلاعها، ولكنه سمّى نفسه في تصريح صحافي سابق بـ"مناضل الكيبورد". وفي مارس/آذار 2011، اُختير لنيل جائزة كينيدي للشجاعة، كما اختارته مجلة "التايم" ليكون الاسم الأول في قائمتها السنوية عن أكثر مائة شخصية تأثيراً حول العالم.