مراسلون بلا حدود: حرية الصحافة تواصل التراجع وآلة الخوف تعمل بأقصى طاقتها

18 ابريل 2019
المناطق "الآمنة" للصحافيين تصبح نادرة (بريتا بيديرسن/فرانس برس)
+ الخط -

أكدت منظمة "مراسلون بلا حدود" أن حرية الصحافة واصلت تراجعها في عدد من الدول، موضحةً أن المناطق "الآمنة" للصحافيين تصبح نادرة.
وقالت المنظّمة، في تقريرها للعام 2019 الذي أصدرته اليوم الخميس، إنّ "وتيرة الكراهية ضد الصحافيين قد تصاعدت إلى درجة جعلتها تبلغ حد العنف، الأمر الذي أدى إلى تنامي الشعور بالخوف، إذ يستمر تقلص دائرة البلدان التي تُعتبر آمنة، حيث يمكن للصحافيين ممارسة مهنتهم بأمان، في حين تشدد الأنظمة الاستبدادية قبضتها على وسائل الإعلام أكثر فأكثر".

وأشارت إلى أنّ 24 بالمئة فقط من 180 بلداً ومنطقة تمت دراستها تبدو في وضع "جيد" أو "أقرب إلى الجيد" لحرية الصحافة، مقابل 26 بالمئة في 2018. ويبدو أن ملاحقة الصحافيين الذين يزعجون السلطات القائمة باتت تتخذ أشكالًا لا حدود لها، إذ وبحسب "مراسلون بلا حدود"، "فقد كانت جريمة اغتيال الصحافي والكاتب السعودي جمال خاشقجي، بدم بارد داخل قنصلية بلاده في تركيا شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، رسالة فظيعة إلى الصحافيين والمراسلين في جميع أنحاء العالم، وليس فقط داخل حدود المملكة العربية السعودية (172)، علمًا بأن العديد من الصحافيين في المنطقة استسلموا للرقابة الذاتية أو توقفوا عن الكتابة، خوفًا على حياتهم".

وحذرت المنظمة من أن الكراهية للصحافيين من قبل القادة الشعبويين أو المستبدين تتحول إلى عنف. وقالت إن "آلة الخوف تعمل بأقصى طاقتها، مما يقوض بشدة ممارسة الصحافة في ظروف هادئة. فقد ترتب على العداء المُعلن ضد الصحافيين، بل وحتى الكراهية التي ينقل عدواها بعض القادة السياسيين في العديد من البلدان، أعمال عنف أكثر خطورة من ذي قبل وعلى نحو متكرر أكثر من أي وقت مضى، مما أدى إلى تفاقم الأخطار التي تنطوي عليها مهنة الصحافة، وهو ما خلق مستوى غير مسبوق من الخوف في بعض الأماكن".


وتصدّرت النرويج التصنيف للسنة الثالثة على التوالي، في حين استعادت فنلندا المركز الثاني، على حساب هولندا حيث يُجبر صحافيان متخصصان في الجريمة المنظمة على العيش تحت حماية الشرطة الدائمة. وفي المقابل، تراجعت السويد مرتبة واحدة لتحتل المركز الثالث، بعد تجدد أحداث التنمر السيبراني ضد الصحافيين.

وتواصل العديد من "الدول الخاضعة لحكم أنظمة استبدادية" تراجعها على جدول التصنيف. إذ تراجعت فنزويلا حيث يتعرض الصحافيون للاعتقالات وأعمال العنف على أيدي عناصر الشرطة، وروسيا التي تشهد موجة من الضغط المتزايد من الكرملين على شبكة الإنترنت

ووسائل الإعلام المستقلة، التي تشهد اعتقالات وعمليات تفتيش تعسفي، ناهيك عن القوانين السالبة للحريات. كما فقدت فيتنام (176) مرتبة واحدة، متقدمة بفارق ضئيل عن الصين. وفي القرن الأفريقي، تراوح إريتريا مكانها رغم تهدئة علاقاتها مع الجارة إثيوبيا، بينما حلت تركمانستان محل كوريا الشمالية في المركز الأخير.

وأشارت المنظمة إلى ترسُّخ مناخ معادٍ للصحافة أكثر فأكثر، بسبب تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب وغيرها من الممارسات. إذ فقدت الولايات المتحدة (48) ثلاث مراتب في عام 2019 لتنضم إلى المنطقة البرتقالية، مما يعكس الوضع الإشكالي الذي تعيشه البلاد، حيث لم يسبق أبدًا أن بلغت وتيرة التهديدات بالقتل ضد الفاعلين الإعلاميين الحد الذي وصلت إليه في الآونة الأخيرة، كما لم يسبق للصحافيين بتاتا أن تقدموا بمثل هذا الكم الهائل من طلبات الحماية لشركات أمن خاصة في الولايات المتحدة. وقد بلغت الكراهية ضد وسائل الإعلام ذروتها في بلد "العم سام" عندما أطلق رجل النار على صحافيي جريدة كابيتال غازيت في ولاية ماريلاند، مما أسفر عن سقوط خمسة قتلى، علمًا بأن مرتكب الجريمة كان قد أفصح عن كراهيته للصحيفة علانية من خلال رسائل نشرها عبر منصات التواصل الاجتماعي قبل الإقدام على تلك المجزرة الشنيعة، بحسب المنظمة ذاتها.


كما أصبحت التهديدات والشتائم والاعتداءات جزءًا من "مخاطر العمل" الصحافي بالعديد من البلدان، بحسب المنظمة التي أشارت إلى أنّه في مختلف أنحاء العالم، وخاصة الجزائر أو كرواتيا، تنهال المضايقات القضائية بشكل متزايد على وسائل الإعلام والصحافيين. وبالإضافة إلى الضغوط القضائية، يواجه الصحافيون الاستقصائيون أشكالًا متعددة من الترهيب كلما يسلطون الضوء على ممارسات مشبوهة أو قضايا مرتبطة بالفساد، بحسب المنظمة.

وقال الأمين العام للمنظمة، كريستوف ديلوار، "إذا انحرف النقاش السياسي بشكل خفي أو جلي نحو جو أشبه ما يكون بالحرب الأهلية، حيث يُعد الصحافيون من ضحاياها، فإن النماذج الديمقراطية تُصبح في خطر كبير"، مضيفًا أن "وقف آلة الخوف هذه ضرورة مُلحة بالنسبة لذوي النوايا الحسنة المتشبثين بالحريات المكتسبة عبر التاريخ".


وهذا العام، سجلت منطقة أميركا الشمالية والجنوبية أكبر تقهقر على مستوى حصيلتها الإقليمية، علمًا بأن هذا التراجع لم يكن فقط بسبب السجل السيئ لكل من الولايات المتحدة والبرازيل وفنزويلا. كما تُعد القارة الأميركية موطنًا لواحدة من أخطر الدول على سلامة أهل الصحافة. فقد شهدت المكسيك مقتل ما لا يقل عن 10 صحافيين في 2018.


من جهتها، سجلت منطقة الاتحاد الأوروبي والبلقان ثاني أكبر تراجع في التصنيف. وبالرغم من أن حرية الصحافة لا تزال تحظى بأكبر قدر من الاحترام والأمان، بيد أن الصحافيين باتوا يواجهون فيها أسوأ التهديدات، بعد الاغتيالات التي دوَّت أصداؤها في كل من مالطا وسلوفاكيا وبلغاريا (111) والهجمات اللفظية والجسدية التي خيَّمت على الأجواء في صربيا أو الجبل الأسود، ناهيك عن المستويات غير المسبوقة من العنف خلال مظاهرات "السترات الصفراء" في فرنسا لدرجة أصبح معها مراسلو بعض القنوات لا يجرؤون على إظهار شعار أو علامة المؤسسة الإعلامية التي يعملون لحسابها، بل هناك من اضطر إلى الاستعانة بحراس شخصيين للتمكن من تغطية المظاهرات. كما أضحى الانتقاص من قيمة العمل الصحافي أسلوبًا من الأساليب المُتبعة بشكل علني في مختلف أنحاء أوروبا: ففي المجر، يواصل قادة حزب فيكتور

أوربان رفضهم التحدث إلى الصحافيين الذين لا ينتمون إلى وسائل الإعلام "الصديقة"، بينما تحولت الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون في بولندا إلى أداة دعائية تستخدمها الحكومة حسب أهوائها لتكثيف الضغط على الصحافيين.

ورغم تدهور مؤشرها الإقليمي بشكل أقل حدة هذا العام، فإن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لا تزال هي المنطقة الأصعب والأخطر على سلامة الصحافيين، بحسب تصنيف المنظمة. فبينما انخفض بشكل طفيف عدد الصحافيين القتلى في سورية خلال عام 2018، فإن ممارسة العمل الصحافي لا تزال خطيرة للغاية في بعض البلدان، مثل اليمن. فإلى جانب الحروب والأزمات العميقة، كما هو الحال في ليبيا (162)، يئن الفاعلون الإعلاميون في المنطقة أيضًا تحت وطأة الاعتقالات التعسفية وعقوبات السجن، علمًا بأن إيران لا تزال من أكبر سجون الصحافيين على الصعيد العالمي، بينما يظل عشرات آخرون قابعين خلف القضبان في كل من السعودية ومصر (163) والبحرين (167) دون أن تُوجَّه لهم تهم رسمية يُحاكَمون بها. وعندما يمثلون أمام القضاء، كما هو الحال في المغرب (135)، فإنهم يواجهون إجراءات ماراثونية لا نهاية لها. وفي مقابل هذه الصورة القاتمة، تبقى تونس هي الاستثناء (72) حيث سجلت انخفاضًا ملحوظًا في عدد الانتهاكات.

من جهتها، سجلت أفريقيا أقل تراجع إقليمي في نسخة 2019 من التصنيف العالمي، مُحققة في المقابل واحدًا من أهم التطورات خلال العام الماضي. وفي المقابل، تشهد أفريقيا أيضًا استمرار ممارسات سيئة على امتداد السنين، كما هو الحال في جمهورية الكونغو الديمقراطية، التي تُراوح مكانها في المرتبة 154، باعتبارها الدولة الأفريقية حيث سجلت "مراسلون بلا حدود" أكبر عدد من الانتهاكات خلال عام 2018، في حين يبقى الصومال (164) البلد الأكثر فتكًا بحياة الصحافيين في المنطقة.


أما منطقة أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى، فهي لا تزال تُراوح مكانها سنة بعد أخرى في المرتبة قبل الأخيرة في التصنيف، وذلك رغم التباين غير المعتاد بين التطورات الوطنية والتحسن الطفيف في مؤشرها الإقليمي، علمًا بأنها سجلت أكبر تدهور في المؤشر الذي يقيم جودة الإطار القانوني. هذا ويقبع أكثر من نصف بلدان المنطقة حول المركز 150 أو خلفه، وذلك في ظل تواصل وتيرة قمع الصحافة المستقلة في كل من روسيا وتركيا (157)، علمًا بأن هذه الأخيرة هي أكبر سجن للصحافيين المحترفين، بحسب المنظمة.

من جهتها، تعيش منطقة آسيا والمحيط الهادئ على وقع جميع الشوائب التي تعوق ممارسة العمل الصحافي، من دعاية شمولية ورقابة وترهيب وعنف جسدي وتنمر سيبراني، حيث ظل مؤشرها الإقليمي مستقرًا هذا العام، مما يبقيها في أسوأ المراتب. فقد كان عدد الصحافيين القتلى مرتفعًا بشكل خاص في كل من أفغانستان (121) والهند وباكستان (142، -3)، بينما أصبح التضليل آفة إقليمية حقيقية. وتحت التأثير الصيني المتزايد، تنتشر الرقابة في بلدان أخرى مثل سنغافورة (151) أو كمبوديا (143). وفي ظل هذه البيئة الصعبة، تعكس المراتب الـ 22 التي ارتقتها ماليزيا (123) وجزر المالديف (98) مدى قدرة التناوب السياسي على إحداث تغيير جذري في ظروف عمل الصحافيين ومدى تأثير المناخ السياسي لدولة ما على وضع حرية الصحافة بشكل مباشر.

المساهمون