تايلور سويفت... كما لو أنّها سيرة كل فتاة أميركية

07 يوليو 2024
من جولتها الفنية الأخيرة، دبلن - 28 يونيو (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- في نوفمبر المقبل، ستجري انتخابات رئاسية في الولايات المتحدة بين جو بايدن ودونالد ترامب، وسط جدل حول أهليتهما لإدارة البلاد، مع تمسك الحزبين بمرشحيهما.
- تايلور سويفت تمتلك قاعدة جماهيرية ضخمة تُعرف بـ"ذا سويفتيز"، مما يجعلها قوة إعلامية ومالية مؤثرة، وتؤثر على توجهات الناخبين الأميركيين.
- سويفت تجيد استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لتعزيز تأثيرها الثقافي، وتتبنى شعارات التنوع الجندري والمثلية الجنسية، مما يعكس تحولات ديمغرافية وثقافية في المجتمع الأميركي.

في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، سيبدأ الاقتراع من أجل انتخاب رئيس جديد للولايات المتحدة الأميركية. على الرغم من أن المناظرة الأولى، التي جرت الأسبوع الماضي بين المتنافسين، الرئيس الحالي جو بايدن والسابق دونالد ترامب، أثارت الجدل حول أهليّة كليهما لإدارة البلاد، فإن كلاً من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، ما زال إلى الآن متمسّكاً بمرشّحه لمعركة انتخابية حامية، لنتائجها تداعيات تاريخية، تتعدى "العالم الجديد" إلى العالم كله.

في غمرة الترقب والقلق على مصير الولايات المتحدة، ومعها مصير النظام الدولي، إذ لا تزال القوة الأكبر نفوذاً فيه وتأثيراً من الناحية العسكرية والاقتصادية والمعرفية، تتجه أنظار بعض المراقبين إلى نجمة البوب الأميركية تايلور سويفت.

في مقالة نشرت في فبراير/شباط الماضي، للباحثة في شؤون الاتصال، والسياسة والمجتمع، عميدة جامعة هيرتي في برلين، آندريا رومله، تحدثت فيها عن أن أكثر من نسبة 50% من الأميركيين اليوم، يعتبرون أنفسهم من المعجبين بسويفت، وأن نسبة 18% منهم ستصوّت لمصلحة أيّ من المرشحين، في حال أبدت الفنانة دعمها وتأييدها له.

ليست تايلور سويفت الأيقونة الجماهيرية الأولى في تاريخ صناعة الترفيه الأميركية التي تمتلك القدرة على التأثير في الحياة والثقافة، فضلاً عن السياسة. لقد سبق للمغني فرانك سيناترا، منتصف القرن الماضي، أن آزر حملة المرشح الديمقراطي فرانكلين روزفلت، إلى أن أصبح رئيساً إبان الحرب العالمية الثانية. كما أن الإعلامية الشهيرة أوبرا وينفري، كانت قد أيّدت المرشح الديمقراطي باراك أوباما أول الألفيّة الحالية، ليكون أول رئيس أميركي من أصول أفريقية.

الفارق هو أن قاعدة المعجبين التي تتمتع بها تايلور سويفت ممن يُعرفون بلقب "ذا سويفتيز"، قد بلغت سعة هائلة غير مسبوقة، جعلت من ابنة الـ34 عاماً تتحول إلى ظاهرة تستدعي التأمل والدراسة، إذ بات بالإمكان النظر إليها بوصفها قوة إعلامية ومالية وثقافية خارجة عن المؤسسة، تملك أسباب التأثير في مسار الأحداث. 

بحسب وكالة رويترز، بلغ أعداد الذين ارتادوا عروضها الثلاثة التي قدمتها في العاصمة السويدية استوكهولم، كجزء من جولتها الفنية المعنونة "حقبات" (Eras) في مايو/أيار الماضي 180 ألف شخص، جاء نصفهم من خارج البلاد، ما درّ على اقتصاد المدينة عوائد تقدر بقيمة 81 مليون دولار.

أما في موطنها، الولايات المتحدة، وبحسب وكالة نومورا للتحليل الاقتصادي، فقد زادت عروضها من إنفاق المستهلك الأميركي بقدر خمسة مليارات دولار على مدار أشهر الجولة الفنية الستة. منها مليارا دولار نتاج مبيعات التجزئة من قمصان وتذكارات تحمل اسم النجمة أو صورتها. 

قد تعود سعة القاعدة الجماهيرية التي تحظى بها تايلور سويفت في جزء منها إلى تطور تكنولوجيا الاتصالات وبروز دور وسائل التواصل الاجتماعي كوسيط ترويج فنّي معولم، أجادت سويفت استخدامه بفرادة، وذلك عبر تحويل العلاقة التي تربطها مع جمهورها إلى ما يشبه كوناً افتراضياً موازياً، حالماً وفانتازياً، بات يسمّيه النقاد تايلورفيرس (Taylorverse). 

يتميز هذا الكون "التايلوري" باتّساق المرويّة التي قدّمَتها الفنانة إلى جمهورها، على الأخص الفتيات. فمسيرتها الفنية، سواء إنتاجها من الأغاني أو تمظهرها في الحياة العامة، واصلت التطور باتّساق ملحوظ مع مراحل نموها البيولوجي والفكري دونما انقطاع أو غياب عن دائرة الضوء.

لقد عاصر تايلور سويفت معجبوها منذ أن كانت نجمة طفلة ومنذ كانوا أطفالاً صغاراً، ثم مروراً بمرحلة المراهقة، وصولاً إلى عتبة الرشد، وعليه، تماهوا مع سيرتها الذاتية كما لو كانت تجلّياً أسمى لسيرة كلٍّ منهم، كفتاة أميركية عادية، تؤرخ لفصول حياتها بالأغنية، لتؤسطر ضمن فضاء التايلورفيرس.  

ولئن تحولت سيرة حياتها العادية إلى قصة نجاح أسطورية وأمثولة في العصامية وتمكين المرأة، فإن صورة الفتاة الأميركية الحالمة والرقيقة بقيت عالقة بابنة ولاية بنسلفانيا المحافظة، وتحوّلت إلى علامة تجارية، لا بل إن صعودها إلى النجومية، بحسب المرويّة التايلورية، تم بدفع نسوية مؤنثة متمثلة بخطاب الافتقار إلى الرجولة، لا بتجاوز الأنوثة والتخلي عنها سعياً وراء نموذج نسويّ مُذكْرن، كما ورد في أغنيتها The Man سابعة ألبومها المعنون Lover من إنتاج سنة 2019، حين غنّت : "سئمت من الركض بسرعة قدر المستطاع، وأنا أتساءل ما إن كنت لأصل أولاً لو كنت رجلاً، إذ إني لو كنت رجلاً، لكنت الرجل". 

يلقى مضمون التمكين النسوي تخالفيّ الجنس (Heterosexual) سواء أكان مستبطناً بين سطور كلمات الأغاني أو معبّراً عنه بسرديّة مقاطع الفيديو، ومن خلال المظهر الشخصي في الفضاء العام، صدى متناغماً لدى التيار السائد بين أغلب الأميركيات، من بين الفتيات تحديداً، فسويفت تحسن إمساك عصا الخطاب الثقافي من المنتصف، مبتعدة عن الحواف التي قد تؤدي بشعبيتها إلى الانحسار، فالاقتصار على شريحة مجتمعية دون أخرى، أو الاصطفاف خطابياً وراء هوية سياسية في وجه هوية مقابلة.

العصا الخطابية ليست الوحيدة التي تُمسك بها تايلور سويفت من المنتصف، بل الفنية أيضاً. بعد الأخذ بعين الاعتبار الجودة الإنتاجية القصوى التي تتمتع بها أغانيها، سواء على مستوى الأداء أو الإخراج، يبقى التصميم معلّباً ومضبوطاً بإحكام لكي يحاكي أوسع ذائقة ممكنة من دون الإقدام على سبر أغوارٍ شعرية والسعي إلى خروق إبداعيّة ثورية تحفّز الأذن وتستفزها في آن، ما قد يُسفِر عن غربة سمعية، تعاني منها شريحة من المستمعين، ممن لا يبحثون سوى عن أغانٍ استهلاكية تحكي لهم قصص الغرام والخصام، فتواسيهم في عشقهم وترفع لهم معنوياتهم، أو تعينهم إما على إنهاء تمارينهم الرياضية، أو مشوارهم اليومي على متن باص أو قطار أنفاق. 

منذ فوز الجمهوري دونالد ترامب بالرئاسة الأميركية سنة 2017، لوحظ أن سويفت بدأت تخطو خطوات محسوبة جهة معسكر الديمقراطيين، خصوصاً بعدما قدمت أغنية You Need to Calm Down ثانية الألبوم سابق الذكر، إذ تبنّت من خلالها شعارات التنوع الجندري والمثلية الجنسية التي ما انفكت تنتشر بين الفئات الأصغر سناً، أقلّه في الوقت الحالي، خصوصاً في ولايات السواحل الأميركية الشرقية والغربية.   

وبما أنه لا يمكن التكهن ما إن كان انزلاق اليد الحذر جهة اليسار من العصا هو مسألة حسابات تقيس المزاج السائد المرتبط بالتحولات الديمغرافية والثقافية، أم هي مبادئ تؤمن بها سويفت، كمحطة أيديولوجية مستجدة على مسار تطورها الفكري والسياسي، لذا، تبقى الأنظار والأسماع على الرسائل التي ستُبثّ في أرجاء الكون التايلوري على مدار الأشهر الانتخابية القادمة.

المساهمون