مشكور الإعلام اللبناني على فتحه الهواء، طيلة ليل الخميس ويوم أمس الجمعة، للمتظاهرين الغاضبين من فساد السلطة، ومن زيادة الضرائب. ومشكورون المراسلون الذين قضوا ليلهم في الشارع ينتقلون من شارع إلى آخر، لنقل الصورة. لكن عدا الشكر الأخلاقي، لا يمكن توجيه أي إطراء لأداء أغلب المراسلين والمذيعين طيلة اليومين الماضيين، في تغطية التظاهرات اللبنانية.
بين الذهول، والإعجاب ثمّ القرف، تطوّرت ردود فعل المراسلين اللبنانيين في تعاملهم مع المتظاهرين في مختلف المدن. فمساء الخميس، وبعد ساعات من إعلان الحكومة عن فرض رسم مالي على مكالمات "واتساب"، بدأ مواطنون غاضبون بالتوافد إلى وسط بيروت، مع تغطية خجولة من وسائل الإعلام. ثمّ ما لبثت أن توسّعت الدائرة، وعلا الدخان الأسود شوارع بيروت، مع ازدياد كبير لعدد المتظاهرين، وإحراق الدواليب لقطع الطرقات. من وسط بيروت، إلى المشرفية، ونفق سليم سلام، امتدت نيران الغضب الشعبي، لتصل إلى مدينة النبطية الجنوبية، وطرابلس الشمالية... هنا فتحت القنوات المحلية هواءها للمتظاهرين:
صرخات غاضبة، مواطنون جائعون وعاطلون من العمل، آباء وأمهات عاجزون عن تعليم أولادهم، وكبار في السن يشكون عجزهم عن تلقي علاج مناسب لأمراضهم. اندمجت كل القصص المأساوية، تلك التي عادة ما يطمسها الإعلام المحلي، تحت خطاب السلطة عن الإنماء، ومحاربة الفساد.
خرجت كل تلك القصص مرة واحدة، لا في برنامج اجتماعي "مثير"، ولا في نشرة الأخبار، بل في بث مفتوح من دون رقابة ولا تقطيع. استمعنا للمرة الأولى إلى تدفّق الشتائم الخارجة، التي وجّهها المواطنون إلى المسؤولين. شتائم بالجملة عجز المراسلون أو المسؤولون عن البث المباشر عن اللحاق بها لقطعها أو منعها. وإلى جانب الشتائم، كانت لمدينة النبطية حصة الأسد من الأضواء، وذلك بعد تكسير لافتات مكاتب عدد من النواب المحسوبين على "حزب الله"، و"حركة أمل". إلى جانب تعبير عدد من المواطنين للمرة الأولى منذ سنوات طويلة، عن غضبهم من أداء الحزب والحركة اللذين يسيطران على جنوب لبنان، مع اتهامات مباشرة لرئيس مجلس النواب نبيه بري بالسرقة والفساد.
اقــرأ أيضاً
كل هذا الكلام الغاضب خرج من دون تلميع ولا تمييع على الشاشات اللبنانية، وسط ذهول المراسلين، وصمت مطبق من قبل كل السياسيين. لكن ساعات قليلة كانت كافية ليقرّر الإعلام العودة إلى موقعه الأصلي، موقع الدفاع عن السلطة، وعن ممتلكاتها ومكتسباتها.
قناة MTV، وتحديداً المراسلة جويس عقيقي، أخبرتنا بعد منتصف الليل بأن "نوعية المتظاهرين تغيرّت... الموجودون يشربون السجائر، ويقودون دراجات نارية". المراسلة إياها، سرعان ما بدأت تلف على المتظاهرين، وتسألهم "من أرسلك؟"، "من أرسلكم؟"، "من طلب منكم النزول إلى الشارع؟"، في استعادة فجة لخطاب السلطة، التي تعتبر منذ أكثر من نصف قرن أن الشعوب لا تتحرك إلا بأمر من جهات أعلى. بدت عقيقي مدهوشة من غضب الفقراء (الذين يشربون السجائر) والذي طاول إشارات السير، وكاميرات المراقبة، وبعض المباني الفارغة.
الدهشة نفسها أصابت مراسلة قناة "الجديد" راشيل كرم، التي لم يعجبها شتم أحد المتظاهرين لوزير الاتصالات محمد شقير، فحاولت توبيخه سائلة إياه "هل تظنّ أن هذه اللغة ستوصل رسالتك؟".
الدخان الأسود الذي غطّى كل الشاشات، أصاب قناة OTV بالإحباط. قناة التيار الوطني الحر، ورئيس الجمهورية، اعتبرت أن "مشهد الدخان الأسود على طول الساحل، مؤسف ومستغرب"، كما قالت المذيعة ريتا نصور، وهو ما وافقها عليه مراسل المحطة من بلدة أنطلياس جورج عبود، الذي قرّر بناء سردية بدت أقرب إلى الخيال: "جاء ملثمون وأشعلوا النيران، ثمّ قالوا تمّ الأمر، سنعود إلى ضاحية بيروت الجنوبية"، في محاولة ساذجة لترويج تحكّم شبان من جهة سياسية وطائفة معينة (الطائفة الشيعية) بمفاصل التحرك. علماً أن القناة نفسها قطعت بثها، مساء الخميس، وأوقفت تغطية التظاهرات لتبثّ برنامج "على نار لطيفة" للطبخ.
قناة LBCI، حاولت قدر المستطاع الحفاظ على موضوعية، أفشلها مراسلها مارون ناصيف ليل الخميس. إذ بعد مواجهة بين المتظاهرين وقوى الأمن اتخذ موقفاً متضامناً مع الأمن، قائلاً بشكل متكرّر إن قوى الأمن قامت بهجوم "مرتدّ" على المحتجين. ثمّ كرر سؤاله لكل متظاهر عن سبب المواجهة مع القوى الأمنية. ثمّ عاد بعد إطلاق موكب وزير التربية أكرم شهيّب النار على المتظاهرين، نقل رسالته مبرراً هجوم مرافقي شهيب قائلاً إن الموكب "اضطرّ لإطلاق النار على المتظاهرين".
كل ما سبق قد لا يبدو مستغرباً لمن يتابع نشاط ومسيرة القنوات اللبنانية. إذ كشفت دراسة لـ"مراسلون بلا حدود"، مع منظمة "سكايز"، أن "الأحزاب السياسية والعائلات الثرية حاضرة كليًا في المشهد الإعلامي... إذ تسجل وسائل الإعلام اللبنانية أعلى معدل من حيث التبعية السياسية: 78.4 في المائة من المنابر الإعلامية التي تم تحليلها تنتمي مباشرة إلى الدولة أو الأحزاب أو شخصيات سياسية (من مرشحين للرئاسة ونواب حاليين أو سابقين)".
بين الذهول، والإعجاب ثمّ القرف، تطوّرت ردود فعل المراسلين اللبنانيين في تعاملهم مع المتظاهرين في مختلف المدن. فمساء الخميس، وبعد ساعات من إعلان الحكومة عن فرض رسم مالي على مكالمات "واتساب"، بدأ مواطنون غاضبون بالتوافد إلى وسط بيروت، مع تغطية خجولة من وسائل الإعلام. ثمّ ما لبثت أن توسّعت الدائرة، وعلا الدخان الأسود شوارع بيروت، مع ازدياد كبير لعدد المتظاهرين، وإحراق الدواليب لقطع الطرقات. من وسط بيروت، إلى المشرفية، ونفق سليم سلام، امتدت نيران الغضب الشعبي، لتصل إلى مدينة النبطية الجنوبية، وطرابلس الشمالية... هنا فتحت القنوات المحلية هواءها للمتظاهرين:
صرخات غاضبة، مواطنون جائعون وعاطلون من العمل، آباء وأمهات عاجزون عن تعليم أولادهم، وكبار في السن يشكون عجزهم عن تلقي علاج مناسب لأمراضهم. اندمجت كل القصص المأساوية، تلك التي عادة ما يطمسها الإعلام المحلي، تحت خطاب السلطة عن الإنماء، ومحاربة الفساد.
خرجت كل تلك القصص مرة واحدة، لا في برنامج اجتماعي "مثير"، ولا في نشرة الأخبار، بل في بث مفتوح من دون رقابة ولا تقطيع. استمعنا للمرة الأولى إلى تدفّق الشتائم الخارجة، التي وجّهها المواطنون إلى المسؤولين. شتائم بالجملة عجز المراسلون أو المسؤولون عن البث المباشر عن اللحاق بها لقطعها أو منعها. وإلى جانب الشتائم، كانت لمدينة النبطية حصة الأسد من الأضواء، وذلك بعد تكسير لافتات مكاتب عدد من النواب المحسوبين على "حزب الله"، و"حركة أمل". إلى جانب تعبير عدد من المواطنين للمرة الأولى منذ سنوات طويلة، عن غضبهم من أداء الحزب والحركة اللذين يسيطران على جنوب لبنان، مع اتهامات مباشرة لرئيس مجلس النواب نبيه بري بالسرقة والفساد.
كل هذا الكلام الغاضب خرج من دون تلميع ولا تمييع على الشاشات اللبنانية، وسط ذهول المراسلين، وصمت مطبق من قبل كل السياسيين. لكن ساعات قليلة كانت كافية ليقرّر الإعلام العودة إلى موقعه الأصلي، موقع الدفاع عن السلطة، وعن ممتلكاتها ومكتسباتها.
قناة MTV، وتحديداً المراسلة جويس عقيقي، أخبرتنا بعد منتصف الليل بأن "نوعية المتظاهرين تغيرّت... الموجودون يشربون السجائر، ويقودون دراجات نارية". المراسلة إياها، سرعان ما بدأت تلف على المتظاهرين، وتسألهم "من أرسلك؟"، "من أرسلكم؟"، "من طلب منكم النزول إلى الشارع؟"، في استعادة فجة لخطاب السلطة، التي تعتبر منذ أكثر من نصف قرن أن الشعوب لا تتحرك إلا بأمر من جهات أعلى. بدت عقيقي مدهوشة من غضب الفقراء (الذين يشربون السجائر) والذي طاول إشارات السير، وكاميرات المراقبة، وبعض المباني الفارغة.
الدهشة نفسها أصابت مراسلة قناة "الجديد" راشيل كرم، التي لم يعجبها شتم أحد المتظاهرين لوزير الاتصالات محمد شقير، فحاولت توبيخه سائلة إياه "هل تظنّ أن هذه اللغة ستوصل رسالتك؟".
الدخان الأسود الذي غطّى كل الشاشات، أصاب قناة OTV بالإحباط. قناة التيار الوطني الحر، ورئيس الجمهورية، اعتبرت أن "مشهد الدخان الأسود على طول الساحل، مؤسف ومستغرب"، كما قالت المذيعة ريتا نصور، وهو ما وافقها عليه مراسل المحطة من بلدة أنطلياس جورج عبود، الذي قرّر بناء سردية بدت أقرب إلى الخيال: "جاء ملثمون وأشعلوا النيران، ثمّ قالوا تمّ الأمر، سنعود إلى ضاحية بيروت الجنوبية"، في محاولة ساذجة لترويج تحكّم شبان من جهة سياسية وطائفة معينة (الطائفة الشيعية) بمفاصل التحرك. علماً أن القناة نفسها قطعت بثها، مساء الخميس، وأوقفت تغطية التظاهرات لتبثّ برنامج "على نار لطيفة" للطبخ.
قناة LBCI، حاولت قدر المستطاع الحفاظ على موضوعية، أفشلها مراسلها مارون ناصيف ليل الخميس. إذ بعد مواجهة بين المتظاهرين وقوى الأمن اتخذ موقفاً متضامناً مع الأمن، قائلاً بشكل متكرّر إن قوى الأمن قامت بهجوم "مرتدّ" على المحتجين. ثمّ كرر سؤاله لكل متظاهر عن سبب المواجهة مع القوى الأمنية. ثمّ عاد بعد إطلاق موكب وزير التربية أكرم شهيّب النار على المتظاهرين، نقل رسالته مبرراً هجوم مرافقي شهيب قائلاً إن الموكب "اضطرّ لإطلاق النار على المتظاهرين".
كل ما سبق قد لا يبدو مستغرباً لمن يتابع نشاط ومسيرة القنوات اللبنانية. إذ كشفت دراسة لـ"مراسلون بلا حدود"، مع منظمة "سكايز"، أن "الأحزاب السياسية والعائلات الثرية حاضرة كليًا في المشهد الإعلامي... إذ تسجل وسائل الإعلام اللبنانية أعلى معدل من حيث التبعية السياسية: 78.4 في المائة من المنابر الإعلامية التي تم تحليلها تنتمي مباشرة إلى الدولة أو الأحزاب أو شخصيات سياسية (من مرشحين للرئاسة ونواب حاليين أو سابقين)".