في معنى أن تكون سورياً وقابلاً للعنف

28 سبتمبر 2016
الأطفال اللاجئون الضحايا الأبرز للعنصرية (الأناضول)
+ الخط -
في معلوم الجميع أن وضع النازحين السوريين في لبنان والأردن هو الأشد قسوة وصعوبة ومهانة. هذا أصبح من البديهيات التي لا تصلح الكتابة عنها. فوضع السوريين في البلاد العربية يخالف مبادئ حقوق الإنسان، والاتفاقات الدولية الإنسانية بكافة أطيافها، وهذا كافٍ لفتح أبواب الظن والتساؤل والألم على شعب يتشرد من جراء نظام مستبد وقاتل، فكل شيء مفتوح ومتوقع.

فالذل والمهانة والتحقير الاجتماعي، كل هذا يرصد بسهولة، حتى أن البكائيات تتوالى عبر الإعلام: "قصة بائع الزهر السوري"، "قصة المشردين السوريين في بيروت"، "قصة الأجور الزهيدة للسوريين في الأردن". كل هذا أصبح يشكل واقعاً ملموساً.

في ظل عدم أخلاقي معمم، يصبح كل شيء قابلاً للوجود، أنماط الشر البشرية تصبح بالبديهة أمراً مستحباً ومقبولاً، بل أمراً ضرورياً في ظل انقياد جزء من الإعلام اللبناني والطبقة السياسية نحوعنصرية فجة في تقنيات عمليها السياسي وتصريحاتها وشعاراتها المعممة.
يصبح الحس الاجتماعي قابلاً لـ"نمذجة" العنصرية بسهولة. ولأن العنصرية من عمل النخبة السياسية ومن إدراكها لحيوية المجتمع في تقبل هذا الصنع، كان على نخبة لبنان أن تحصل على ثمار زرعها؛ فيديو بسيط لطفلة لبنانية تضرب طفلاً سورياً بحماية فتيان لبنانيين.
يجسد المشهد اعتياداً مشهدياً سورياً بات واضحاً في الميديا أي أن يظهر السوري معنفاً وخائفاً، وانتشار الفيديو على كل المواقع الإعلامية، ما عدا المواقع السورية الرسمية، كأنه إثبات دائم على العنف الموجه للسوري، أو مقدار الشفقة العالية التي يستحقها.

مقدار شفقة يستحقها، لأن التسريب دوماً لا يعبر هنا عن مقطع مسروق مثلاً من فعل فئة أو جماعة بعينها، بل هو مسرب من يوميات اجتماعية عادية يعيشها مواطنون لبنانيون يقبعون في
مدار شعارات النخبة وثقافتها الشفوية التي تتغلب على أي حس إنساني أو أخلاقي.
هذا ليس ذنب أطفال لبنان بقدر ما هو ذنب النخبة في جعل وجود السوري في لبنان مقابلاً للبهيمة التي يصلح ضربها. الفيديو يختصر حالة العبودية الكلاسيكية؛ يصل الإنسان إلى بلد ما هارباً من وحشية الغابة، وما إن يفتح الباب حتى يتحول النازح إلى ما يقابل العبد، فيرضخ لكل تعنيف ممكن.

انتظرنا مرور أيام على انتشار الفيديو، لرصد تعليق رسمي من صفحات النظام السوري الرسمية أو تلك التي تتبع له، فلم نجد إلا بعض الصفحات التي لا تتردد بالشماتة بالطفل السوري من موقع فوقي، يجعل الطفل ملاماً وذويه لترك سورية والنزوح إلى لبنان. ولا يتردد جمهور النظام بتشجيع البنت على فعلها من موقع حقيقي بضرب خائن للوطن.

هذه القسوة لا تبتعد عن السياسة في فهم جمهور النظام لمعارضيهم، بوصفهم أعداء يستحقون كل مذلة. الأفضل من كل هذا بالنسبة لهم وجود حلفاء اجتماعيين في مدن النزوح، فصفعات الفتاة اللبنانية للطفل السوري تقع ضمن شهوات جمهور النظام ورغباتهم. وعنف النخبة اللبنانية ليس في مدار النقد، بل مؤيد من قبلهم، أقله لأنها تصدر عن حليف سياسي مسيحي في لبنان (التيار الوطني الحُر) مثلاً، وهو مقدس بالنسبة لجمهور النظام ولو دعا لقتل السوريين في لبنان، لأن التيار يؤيد رأس النظام ويواليه كما يوالونه هم. الغريب أن التصريحات العنصرية للسياسيين اللبنانيين تنقل إلى الصفحات الإعلامية بطريقة مفادها أن الصفحات الرسمية تتبنى خطاب العنصرية، كنوع من الشماتة بالآخرين الذين تركوا بلادهم ليتحملوا صفعات الغريب.

صورة السوري المُعنف هي الصورة الأكثر رواجاً، لجعل العالم يتنافس على الكتابة، وتقديم المعونة الإنسانية، واختراع تقنيات إعلامية لجعل قيمة التعاطف مع السوري ذات حدث جلل، كالرسالة التي أرسلت لأوباما من طفل أميركي يطالبه فيها بمنحه فرصة لحضن الطفل الناجي من القصف في حلب، عمران دقنيش. ما ظهر في الفيديو مؤثر جداً وكارثي، نخبة لبنان تعلم أطفالها تمزيق السوريين. هذا ليس شيئاً هاماً طالما الدولة السورية تصفق لأطفال لبنان وسياسييها كي يكرهوا النازحين أكثر.

المساهمون