رأس المال المدعوم من السيسي... يحكم سيطرته على الإعلام

19 مايو 2016
ضغوط شديدة مورست على ساويرس لبيع "أون تي في"(Getty)
+ الخط -
أعلنت الحكومة المصرية موافقتها على مشروع قانون جديد موحد للإعلام والصحافة يكرس سيطرة رؤوس المال والسلطة التنفيذية على العمل الصحافي بأشكاله المختلفة ورقياً وإلكترونياً وفضائياً، في الوقت الذي تتبلور فيه خطة الدائرة المخابراتية ــ الرقابية التي شكلها الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، للسيطرة على الإعلام بنقل ملكية قنوات "أون تي في" الفضائية من صاحبها رجل الأعمال المثير للجدل، نجيب ساويرس، إلى رجل الأعمال الموالي للسلطة أحمد أبوهشيمة.

الحدثان هزا الوسط الإعلامي المصري في أقل من 24 ساعة، وطرحا تساؤلات عديدة وقلقة حول مستقبل القنوات والصحف ذات الخط التحريري المعارض ــ ولو جزئياً ــ لسياسات النظام، أو المستقلة عن المجموعات الإعلامية الكبيرة التي تكونت خلال السنوات الثلاث الماضية، وذلك في ظل تمدد إمبراطوريات إعلامية لأشخاص محددين مثل رجال الأعمال، أحمد أبوهشيمة ومحمد الأمين ومحمد أبوالعينين، وجميعهم من أقوى مؤيدي النظام الحاكم.
واشترى أبوهشيمة "أون تي في" من ساويرس أحد أغنى أغنياء مصر، وصاحب الاستثمارات الواسعة داخل بلاده وخارجها، وأحد أعضاء مجلس إدارة صندوق "تحيا مصر" الذي أنشأه السيسي لدعم المشروعات القومية، وهو في الوقت نفسه الليبرالي المعروف بانتقاداته اللاذعة لبعض سياسات السيسي الاقتصادية والأمنية بالتوازي مع تحالفه مع دائرة السيسي في الانتخابات البرلمانية الأخيرة.


وسبقت هذه الصفقة بعض الأحداث التي عكست تدخلاً من جهات عليا في سياسة القناة الليبرالية، فقد تم إبعاد الإعلامي، يوسف الحسيني، عن برنامجه "السادة المحترمون" بعد تخطيه الحدود المسموحة للانتقاد بتوجيهه إلى مدير مكتب السيسي شخصياً، على الرغم من أن الحسيني كان من المقربين، منذ شهور، إلى السيسي ومدير مكتبه اللواء، عباس كامل، وكان ضيفاً دائماً في اجتماعات الرئاسة مع الإعلاميين المقربين. حتى أن السيسي عرض عليه يوماً أن يوليه منصب محافظ؛ على الهواء مباشرة.

وعبر ساويرس عن هذه التدخلات بعبارته "أنا زهقت من مشاكل القناة"، لكن بيعها إلى أبوهشيمة تحديداً تكمن وراءه قصص أخرى انتشرت في كواليس الإعلام المصري، خلال الساعات الماضية، في ظل معرفة الجميع أن أبوهشيمة المالك الرئيسي لصحيفة "اليوم السابع" يملك حصة كبيرة من أسهم شبكة "النهار" المنافسة لقنوات ساويرس.

وقالت مصادر إعلامية مطلعة في قناة "أون تي في" إن العاملين بالقناة علموا أن "ضغوطاً شديدة مورست على ساويرس لبيع القناة إلى أحد رجال الأعمال المقربين من مكتب السيسي، وذلك قبل نحو أسبوع من الإعلان عن الصفقة" موضحاً أن "المعلومات المتداولة قبل إبرام الصفقة رسمياً كانت تشير أنها من نصيب أبوهشيمة أو ضابط المخابرات السابق، ياسر سليم، الذي يرأس الآن مجلس إدارة موقع "دوت مصر" الذي أنشئ قبل 3 أعوام بأموال إماراتية".
وأضافت المصادر أن "أبوهشيمة لم يظهر في الصورة رسمياً إلاّ قبل ساعات من إبرام الصفقة، وأن شخصيات نافذة في أجهزة أمنية ورقابية هي من تواصلت وتفاوضت مع ساويرس، مما يؤكد أن ما حدث للقناة أشبه بالتأميم من عملية بيع حرة".

ورداً على سؤال عن سبب انزعاج السلطة الحاكمة من قناة مؤيدة للسيسي بهامش حرية أكبر نسبياً من منافساتها، أجابت المصادر إن "الشهور الماضية اتسمت بالشد والجذب بسبب خروج عدد من مقدمي البرامج كليليان داود وخالد تليمة وجابر القرموطي عن النصوص المحددة، ولم يكن ساويرس على استعداد للتضحية بسمعته".

وبذلك أصبح أبوهشيمة يحتفظ بنصيب المالك أو المؤثر المباشر على 3 من المؤسسات الإعلامية الرئيسية (أون تي في والنهار واليوم السابع) وهو بعلاقاته الوطيدة بأجهزة الدولة قادر على تطوير الإمبراطورية لتشمل قنوات دراما وسينما وترفيه، وفي المقابل فإن الرجل مصر على سياسة تحريرية مؤيدة للسيسي على طول الخط، تهاجم المعارضين وتسفه أفكارهم بانتظام، وتحاول خلق بديل (خاص - رأسمالي) لوسائل الإعلام القومية.

وعلى ضوء احتفاظ محمد الأمين بشبكة "سي بي سي" وصحيفة "الوطن"، وامتلاك أبوالعينين قناة وموقع "صدى البلد" الإلكتروني، يكون رجال الأعمال الثلاثة قد وضعوا أيديهم مباشرة على أكثر من 50 في المائة من إجمالي القيمة السوقية للإعلام المصري، فلم يعد خارج المثلث من المؤسسات الخاصة الكبيرة إلاّ صحف "المصري اليوم"، و"الشروق"، و"البوابة"، وقنوات "دريم" المملوكة لرجل الأعمال، أحمد بهجت، وقناة "العاصمة" المملوكة للنائب البرلماني، سعيد حساسين، وقناة "إل تي سي" محدودة التأثير.

وخارج نطاق رأس المال تبدو تحركات دائرة السيسي واضحة لإحكام السيطرة على الإعلام، فإذا اعتبرنا أنها مسيطرة بالوكالة المباشرة وغير المباشرة على مؤسسات الثلاثي أبوهشيمة والأمين وأبوالعينين، فهي أيضاً تدير بصورة أكثر مباشرة موقع "دوت مصر" وفي طريقها الآن لإطلاق قناة جديدة باسم "دي إم سي" ستكون النسخة المرئية من إذاعة راديو 9090 التي يضع مدير مكتب السيسي سياستها التحريرية بنفسه.



وتتسم جميع القنوات والصحف التي تتحكم فيها هذه الدائرة بطغيان العنصر البشري التابع مباشرة لمكتب السيسي، من خلال تشغيل مقدمي البرامج والصحافيين والمعدين المنتمين لما يعرف بمجموعة "شباب الإعلاميين" وهي المجموعة التي يرى مكتب السيسي أنها مؤهلة لقيادة المشهد الإعلامي مستقبلاً بولاء كامل للدائرة المخابراتية-الرقابية، بدلاً من إعلاميين كأحمد موسى وتوفيق عكاشة أثبتت الأيام، أنهم تابعون بالدرجة الأولى لدوائر داخل النظام، قد تعمل لصالحها الخاص في لحظة معينة.

وتماشياً مع هذه الخطوات التي وصفها بعض من الإعلاميين المقربين من الحكومة بـ "تقليص سوق الإعلام" ووصفها مراقبون مستقلون بـ "تأميم الإعلام"، جاءت موافقة مجلس الوزراء على مشروع قانون الإعلام الموحد لتؤكد نظرة الدولة الفوقية للإعلام باعتباره أحد أذرعها الفاعلة، حيث يستهدف المشروع بشكل واضح تضييق مساحة الحرية النسبية التي تتمتع بها المواقع الإلكترونية الصحافية الخاصة حالياً، والتي وجد بها الصحافيون ضالتهم في الفرار من قيود الرقابة التي تمارس عليهم كعاملين في مؤسسات قومية أو خاصة مرخصة لدى المجلس الأعلى للصحافة.

فعلى الرغم من أن المادة الثانية من المشروع تنص على "التزام الدولة بضمان حرية الصحافة والإعلام والطباعة والنشر الورقي والمسموع والمرئي والإلكتروني" إلا أنه يضع قيوداً مالية مشددة على إنشاء الصحف أو إطلاق المواقع الإلكترونية، فيشترط فى الصحف التى تصدرها الشركات الخاصة أن تتخذ شكل تعاونيات أو شركات مساهمة، وأن تكون الأسهم جميعاً فى الحالتين اسمية ومملوكة للمصريين وحدهم، ولا يقل رأس مال الشركة المدفوع عن 3 ملايين جنيه إذا كانت الصحيفة يومية، ومليون جنيه إذا كانت أسبوعية، و(500) ألف جنيه إذا كانت شهرية، و(500) ألف جنيه للصحيفة الإلكترونية، و(500) ألف جنيه للصحيفة الإقليمية اليومية و(200)ألف جنيه للأسبوعية و(100) ألف جنيه للشهرية.



وتأتي هذه الشروط لتغلق الباب أمام إمكانية توفيق أوضاع العشرات من المواقع الإلكترونية التي ظهرت أخيراً، لنشر الأخبار ولاقت رواجاً على مواقع التواصل الاجتماعي لابتعادها عن شكل الإعلام التقليدي الرسمي أو الخاص المقرب من السلطة، خاصة وأن تلك المواقع تعتمد على موارد تمويل شبه ذاتية، وإعلانات إلكترونية تغطي بالكاد تكاليف إنتاج المحتوى الصحافي.

كما تصعب هذه الشروط احتمالات تشارك رؤوس أموال محدودة معاً لإنشاء وسائل إعلام، بل تقصر الملكية على رؤوس المال الكبيرة نظراً لارتفاع تكاليف الطباعة والورق ومشتقاته في مصر خاصة بعد انهيار سعر صرف الجنيه أمام الدولار، بالإضافة إلى تأثيرها السلبي على الصحافة المحلية التي كانت في الأغلب مملوكة لصحفيين إقليميين فبات إنشاؤها يتطلب مالاً وفيراً لا يتمتع به معظمهم.

وفي سياق التضييق، اعتبر مشروع القانون أن "الصحافي" هو كل عضو مقيد في جدول نقابة الصحافيين، واعتبر "الإعلامي" كل عضو مقيد في جدول نقابة الإعلاميين التي لم تُنشأ بعد، وبذلك فإنه يزيل الحماية النقابية عن جميع من يمارس مهنة الصحافة -حديثاً أو منذ سنوات- طالما لم ينل عضوية النقابة، المعروف أنها لا تتأتى إلا من خلال تعيين الصحافي المتدرب في مؤسسة صحافية مرخصة في المجلس الأعلى للصحافة ترشح اسمه لمجلس النقابة.

ويحول القانون بذلك النقابة من مظلة للدفاع عن حقوق الصحافيين والمعايير المهنية بشكل عام، إلى جهة لمنح تراخيص مزاولة المهنة، وهي المهمة التي يبدو النظام راغباً في إسنادها -منفردة- إلى النقابة، خاصة بعد الأزمة الأخيرة بين النقابة ووزارة الداخلية على خلفية اقتحام الشرطة مقر النقابة للقبض على صحافيين -أحدهما ليس عضواً بالنقابة- بتهمة التحريض على التظاهر.

ولم يأت مشروع القانون بأي جديد في سياق تنظيم الإعلام الرقمي أو المعايير المهنية للارتقاء بالمحتوى التحريري أو ضمان المهنية، بل اكتفى بفرض مزيد من القيود على تحرك الصحافيين للحصول على معلومات.

ولا يمكن فصل هذا الاتجاه الذي يرسخ ظاهرة حظر النشر عن النصوص التي تضمنها قانون مكافحة الإرهاب الصادر في أغسطس/آب عام 2015 والتي تمنع الصحافيين من تناول وقائع وأحداث صدرت بشأنها بيانات عسكرية. كما لا يمكن فصل ذلك عن قرارات حظر النشر المكثفة التي صدرت من النائب العام خلال العامين الأخيرين لوقف أي حديث في وسائل الإعلام عن قضايا ليست خطيرة على الأمن القومي، بل يؤدي الحديث فيها إلى انتقادات للنظام، كقضية تصريحات رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات السابق هشام جنينة وقضايا تجاوزات ضباط الشرطة ضد المواطنين وتجاوزات بعض القضاة أيضاً.

والجدير ذكره أن مجلس نقابة الصحافيين والمؤسسات الصحافية القومية رحبت بهذا المشروع نظراً للامتيازات التي يمنحها للنقابة مقابل العاملين بالصحافة بشكل عام، بينما يلقى المشروع انتقادات لاذعة من الصحافيين المستقلين وملاك المواقع الإلكترونية المستقلة وكذلك الصحافيين غير الراضين عن خطة الدولة لتقليم أظافر الإعلام.

المساهمون