مصير الانتخابات... بيد القراصنة؟

05 ديسمبر 2016
اتهام روسيا بالوقوف وراء اختراق بريد الحزب الديمقراطي (Getty)
+ الخط -
فتحت الانتخابات الرئاسيّة الأميركيّة أعيُن العالم على حقيقة قدرة القراصنة على مساعدة السياسيين أو الوقوف في طريقهم. فقد ساهمت التسريبات التي نشرها موقع "ويكيليكس" من بريد المرشحة الديمقراطيّة هيلاري كلينتون واختراق بريد الحزب الديمقراطي في يوليو/تموز الماضي، في خسارة كلينتون وحزبها.

لم تتوقّف معركة كلينتون حول بريدها المخترق، بل كان هناك قراصنة بالمرصاد نشروا وثائق أخرى مرتبطة بها. ساهم هذا الأمر في نتيجة الانتخابات التي قلبتها عوامل عدّة، اتُّهمت منصّات عدّة للتواصل الاجتماعي بالوقوف وراءها، خصوصاً "فيسبوك" الذي كان الأكثر نشراً للأخبار المزيّفة.
كما أُثيرت اتهامات بأنّ اختراق البريد الإلكتروني للحزب الديمقراطي جاء في إطار منع المرشح الديمقراطي، بيرني ساندرز، من تحقيق النجاح الذي كان متوقعاً له.

كُلّ هذه الاختراقات التي طغت على الموسم الانتخابي الأكثر احتداماً ورسمت نهاية عام 2016، برز فيها اسم روسيا كلاعب أساسي، وداعم للقراصنة الذين كشفوا معلومات "سريّة".

وبينما يرى كثيرون أنّ القراصنة يُساعدون شعوب العالم على كشف أسرارٍ تدلّ على تلاعب السياسيين وخداعهم، يعتبر آخرون أنّ دور القراصنة يُثير مخاوف جمّة حول العالم في الميدان السياسي بشكلٍ أساس.

شبهات البداية
بداية الأمر كانت قبل الانتخابات، تحديداً في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، عندما طالبت الإدارة الأميركيّة، وكالة الاستخبارات المركزية CIA بتحضير هجوم كبير على المواقع الروسية الحكومة على شبكة الإنترنت.
وقالت "ذا اندبندنت" البريطانيّة حينها، في مقال بعنوان "إدارة أوباما تطالب السي آي إيه بإعداد هجوم انتقامي على شبكة الإنترنت ضد روسيا"، إنّ الإدارة الأميركية طالبت الوكالة بالإعداد للهجوم، انتقاماً من قيام مجموعات قرصنة مرتبطة بالحكومة الروسية، بـ"محاولة" تخريب الانتخابات الرئاسية، تحديداً عند اختراق بريد الحزب الديمقراطي.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين حاليين وسابقين في الـ"سي آي إيه" أن الإدارة طالبت بتجهيز خيارات متعددة تتضمن هجمات إلكترونية لإحراج الحكومة الروسية، بينما قال أحد المسؤولين لشبكة "أن بي سي" الأميركية، إنّ الاستخبارات بدأت فعلاً في تحديد الأهداف والإعداد للعملية.


مصير الانتخابات... مقرصن
واعتبرت صحيفة "ذا غارديان" البريطانيّة، في تقريرٍ لها الشهر الماضي، أنّ "القراصنة المجهولين وموقع "ويكيليكس" والتسريبات باتوا اللاعب الأبرز في أي انتخابات، خصوصاً بعد ما حدث في الانتخابات الأميركية". وأضافت الصحيفة أنّ "القراصنة المجهولين وموقع "ويكيليكس" باتوا يتحكمون في الانتخابات، وبات لهؤلاء تأثير واضح"، متسائلةً "هل هذا يعزز الديمقراطية أم يتسبب في تراجعها؟".
وقالت الصحيفة إنّ القرصنة تُعدّ عاملاً جديداً ومثيراً للقلق برز خلال الانتخابات الرئاسية الأميركية سيغيرها إلى الأبد. ورأت أنّ الديمقراطية باتت تحت رحمة القراصنة وتكنولوجيا المراقبة، وأولئك الذين يتحكمون فيها، مشيرةً في الوقت نفسه إلى أنّ "ويكيليكس" وشبكة القراصنة المجهولين بات لهم التأثير الأكبر، بقدرتهم على تحويل طقوس الانتخابات إلى مهرجان احتفالي لصحافة الإثارة، وللحكومات الخارجية يد في ذلك، وضلوع روسيا محتمل في الحالة الأميركية.
وتقدمت التكنولوجيا بسرعة من انتخابات إلى أخرى، بحسب الصحيفة، لتصبح أكثر قوة وفي كل مكان. وبات للقراصنة القدرة على الوصول إلى المحادثات الخاصة والاتصالات والمعلومات ونشرها. سواء حدثت قبل ساعتين أو قبل عشرين سنة.

قرصنة الأصوات؟
في تقرير لصحيفة "ذا إندبندنت" البريطانيّة في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أشارت إلى أنّ الانتخابات قد تكون قُرصنت لصالح ترامب. والأخير، اتّهم منافسته كلينتون مراراً بالتلاعب بالانتخابات لصالحها. وأشارت الصحيفة إلى أنّ ناشطين دعوا للتأكد من أصوات قد يكون تم التلاعب فيها، من دون إيضاح كيف حصل هذا الاختراق.
وقال البروفيسور في جامعة ميشيغن أليكس هالدرمان إنّه قد يكون من الممكن أنّ إحدى الولايات أو قراصنة دخلوا إلى نظام الانتخابات وعدّلوا فيه لصالح ترامب. وأضاف: "أولاً يدخل القراصنة إلى نظام الكمبيوتر لإيجاد ثغرة تتيح ولوجهم للنظام، ومع اقتراب الانتخابات ومعرفة الولايات التي يقف عليها التصويت والتي لم تُحدّد مرشحها بعد، يقوم القراصنة بنشر فيروس في مراكز الاقتراع كي يتبدّل اسم المرشّح الذي اختاره المقترع إلى الآخر الذي يريده القراصنة.
وأشار إلى أنّ هذا الفيروس قد يكون مصمّماً كي يعمل فقط خلال الانتخابات ويقتل نفسه بعدها، حتى لا يتم كشف عمليّة القرصنة.


سفير أمن إنترنت
في ذات السياق، أوصى تقرير للرئاسة الأميركية، أعدّه الرئيس الأميركي المنتهية ولايته باراك أوباما مع مفوضية من 12 عضواً، بينهم خبراء أمن إلكتروني وقانون، الرئيس المنتخب دونالد ترامب، بتعيين سفير لـ"أمن الإنترنت".
وأشارت وثيقة أوباما إلى نطاقات ضعف الولايات المتحدة على صعيد أمن الإنترنت. واقترحت إعداد نظام "قوائم مغذية" للأجهزة المستخدمة للدخول على الإنترنت، تتضمن تحديدا للأجهزة التي يضمن استخدامها تحقيق أمن الإنترنت مع استبعاد الأجهزة غير الآمنة. كما دعت إلى حظر استخدام المواقع المعروفة لكلمات مرور متوقّعة وسهلة، والقضاء على سرقة الهويات الإلكترونية بحلول عام 2021، بالإضافة إلى التعاون مع عمالقة قطاع التكنولوجيا لتحسين الأمن الإلكتروني.
ولم يعلن الفريق الانتقالي لترامب، الذي أشاد سابقاً بموقع "ويكيليكس" لنشره تسريبات لرسائل البريد الإلكتروني من حملة كلينتون، عن أي عضو مهمته الأمن الإلكتروني.
وبحسب تقرير لموقع "فينتشور بيت"، وصف مسؤولون أمنيون سابقون هذا الإغفال بأن من شأنه أن يجعل الولايات المتحدة عرضة للتهديدات وتفاقم النقص في الخبرات الحكومية في هذا المجال. ونفت مصادر مشاركة في المرحلة الانتقالية علمها بوجود أي شخص في محيط ترامب يمكنه أن يتعامل مع الأمن المعلوماتي بشكل خاص. كما أكّدوا وجود حد أدنى من الاتصال مع الوكالات الفيدرالية.
ويتزامن هذا النقص مع حرب تخوضها الاستخبارات الأميركية بمجابهة الحرب والتهديدات الرقمية على الأمن والاقتصاد القومي الأميركي، إضافة إلى الجماعات المتطرفة في الفضاء الرقمي. وأجابت متحدثة باسم ترامب على أسئلة الصحافة بالإشارة إلى "رؤية" ترامب المنشورة على موقعه، والتي تدعو إلى مراجعة فورية للدفاعات الأمنية الإلكترونية وثغراتها، إضافة إلى ما اعتبرتها قضايا أساسية أخرى، دون أن إبداء المزيد من التوضيح.

مخاوف ألمانية
بينما أكّدت "ذا غارديان" أن هذا النوع من التدخل لن يتوقف عند الولايات المتحدة، إذ استهدفت سلسلة هجمات إلكترونية الأحزاب الرئيسة في ألمانيا وتم ربطها بروسيا، حذّر رئيس الاستخبارات الخارجية الألمانية، برونو كال، من قرصنة روسيّة للانتخابات التشريعيّة المزمع إجراؤها العام المقبل.
والانتخابات أعلنت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ترشحها لولاية رابعة لها، وحذّرت الأخيرة أيضاً من سعي روسيا للتأثير على الانتخابات الاتحادية الألمانية القادمة من خلال حملة قرصنة وتضليل. كما أكدت أنها تواجه مسبقاً "مهمة يومية" لاعتراض الهجمات الإلكترونية الروسية.
وقال كال، في تصريحٍ لصحيفة "زود دويتشه تسايتونغ" الألمانية، الأسبوع الماضي، إن وكالته على علم بهجمات إلكترونية لا هدف منها سوى بث حالة من "عدم اليقين السياسي"، مضيفاً أنّ "أوروبا محط تركيز محاولة التخريب هذه، لا سيما ألمانيا".
من جهته، حذر جهاز الاستخبارات البريطاني "ام اي 5" من أنّ روسيا تصبح أكثر عدائية وتستخدم هجمات المعلوماتية لتنشر سياستها الخارجية.