الحريات في الجزائر: من قتل الصحافي محمد تمالت؟

17 ديسمبر 2016
نعش محمد تمالت (فرانس برس)
+ الخط -
أعادت وفاة الصحافي الجزائري السجين، محمد تمالت، الذي حكم عليه بالسجن لمدة سنتين بسبب نشره لقصيدة انتقد فيها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، ورئيس الحكومة عبد المالك سلال، وقائد أركان الجيش الفريق قايد صالح، الجدل حول واقع الحريات وحقوق الإنسان في الجزائر. ففيما تدافع الحكومة عن أنجازاتها على هذا الصعيد، تستدل المنظمات الحقوقية وأحزاب المعارضة على حادثة وفاة تمالت، لتأكيد انتقاداتها للسلطات، واستهتارها بالحقوق والحريات وأبرزها الحق في الحياة.
وفاة تمالت هي الأولى لصحافي يقضي عقوبة السجن في الجزائر وهو ما دفع ثلاث هيئات حقوقية في الجزائر الى المطالبة بتشكيل لجنة تحقيق للكشف عن ظروف وملابسات وفاته. وطالبت الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان بلجنة تحقيق في ظروف اعتقال ومحاكمة وسجن ووفاة الصحافي محمد تمالت وملاحقة كل المتسببين في اعتقاله تعسفاً ومحاكمته إلى جانب ملاحقة المتسببين في تدهور حالته الصحية في السجن والمستشفى والمتسببين في وفاته.
وتشكك الهيئة الحقوقية في مزاعم السلطات بشأن وفاته. وبحسب تقرير نشرته الرابطة الجزائرية فإن الصحافي محمد تمالت كان قد أبلغ القاضي عمر بلخرشي خلال جلسة المحاكمة الثانية في التاسع من أغسطس/آب الماضي أنه يتعرض للضرب داخل السجن. وشككت الرابطة في ظروف وملابسات الوفاة إلى جانب غموض المديرية العامة لأمن السجون في الكشف عن تفاصيل الاعتقال والوفاة. وأفاد التقرير أن "شقيقه عبد القادر تمالت قدم طلباً في بداية شهر سبتمبر/أيلول الماضي إلى النائب العام ، يطلب منه فتح تحقيق في إصابة أخيه محمد تمالت في رأسه، وتعيين خبير طبي لتوضيح خطورة وحجم الإصابة". وأكد عبد القادر تمالت لوسائل الإعلام حينها أنّ أخاه الصحافي محمد لم يدخل العناية المركزة بسبب الإضراب عن الطعام، بل بسبب ضربة قاسية على مستوى الجمجمة أدت إلى نقله فوراً إلى قسم الإنعاش. وقال "حين زرته في المستشفى رأيته مصاباً في رأسه وعليه غرز من الخيط... فوجئت بتلك الإصابة، وأدركت أنها سبب تواجده في العناية المركزة".




وطالبت الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان السلطات بضرورة تقديم توضيحات للرأي العام الوطني بشأن نتائج التحقيقات التي قامت بها وزارة العدل حول تصريح الصحافي محمد تمالت عن تعرضه للضرب داخل السجن ومتابعة المتسببين في ذلك. كما طالبت بكشف نتائج التحقيقات التي باشر بها النائب العام لمجلس القضاء في العاصمة الجزائرية، بعد شكوى رسمية قدمها شقيقه إلى النائب العام.
وفي نفس السياق، رفع مكتب منظمة العفو الدولية دعوة لتشكيل لجنة تحقيق مستقلة للبحث في وفاة محمد تمالت. وبدت المنظمة غير مقتنعة بالرواية الرسمية الجزائرية، وطالبت بلجنة "لكشف الحقيقة وإجلاء الغموض". كما طالبت المبادرة من أجل الحقوق والحريات في الجزائر، بكشف الحقيقة. ودعا منسق المبادرة الحفناوي بن عامر غول إلى تأسيس جبهة وطنية للحريات "لوقف الملاحقات التي تستهدف كل حقوقي ومدوّن وصحافي وكل محب للحرية". وأعلنت المبادرة انها كانت قد طالبت بالعفو عن الصحافي محمد تمالت كما طالبت بالإفراج عن عدد من الناشطين الحقوقيين المسجونين بينهم حسن بوراس، وعادل العياشي، والتجاني بن دراح، وعلي عطار.
وفي سياق الحادث الذي يعد الأول من نوعه، انخرطت أحزاب المعارضة السياسية في التحذير من تداعيات الحادث، ووصفت حركة مجتمع السلم، والتي هي أكبر الأحزاب الإسلامية ما حدث بالصدمة الكبيرة ونشرت بياناً اعتبرت فيه أن ما وقع لتمالت يدل على استخفاف منقطع النظير بالحياة البشرية، وطالبت السلطات بكشف الحقيقة للرأي العام.
رغم كل هذه الانتقادات كان رئيس الحكومة عبد المالك سلال قد أكد أخيراً في مقابلة صحافية أنّ الدستور الجزائري الصادر في فبراير/ شباط الماضي عزّز الحريات الفردية والجماعية، ومنع توقيع عقوبات سالبة للحرية في قضايا النشر. ودافع رئيس الهيئة الاستشارية لحقوق الإنسان التي تتبع لرئاسة الجمهورية فاروق قسنطيني عما وصفه بـ"إنجازات كبيرة في حقوق الإنسان تحققت في الجزائر". فيما أكد عبد الرزاق بارة مستشار الرئيس بوتفليقة أن التعديلات الدستورية الأخيرة في شقها المتعلق بترقية وحماية حقوق الإنسان "تعدّ نقلة نوعية متميزة ترتقي بهذه الحقوق إلى مصاف المعايير الدولية".
انتهت قصة الصحافي محمد تمالت إلى حالة مؤلمة في الوسط الصحافي والسياسي في الجزائر، دفعت الصحافيين إلى دق ناقوس الخطر إزاء الوضع الذي انتهت إليه الحريات الإعلامية والمدنية.


المساهمون