الإعلام الفرنسي يُحاصِر الصوت الانتخابي العربي

23 اغسطس 2015
اتهامات لبيكريس بمعاداة السامية بعد حديثها عن الإسلاموفوبيا (Getty)
+ الخط -
مع كل استحقاق انتخابي في فرنسا، ومع كل تصريح لهذا السياسي أو ذاك تبدأ القراءة ما بين السطور، ثم تنهمر الأحكام الجاهزة، ويجد هذا السياسي أو ذاك نفسه في دوامة التفسير والردّ والتبرير، حتى يسكت ماكينة إعلامية اشتعلت كي لا تنطفئ سريعا. وهذه المرة كانت الضحية هي فاليري بيكريس، السياسية البارزة في حزب "الجمهوريون"، والمرشحة لخطف منطقة باريس الكبرى، أغنى منطقة في فرنسا، من يد اليسار الاشتراكي. أدركت بيكريس أن الصوت العربي والإسلامي قادر على أن يؤثر على مجريات الأمور، فقد أثّر في انتخاب الرئيس فرانسوا هولاند بشكل واضح، فاتجهت، كما يفعل كل سياسي طموح وذكي، إلى هذه الجالية.

وكان لا بدّ أن تُصدر المسؤولة بيكريس تصريحات تُطَمْئنُ هذه الجالية، التي تعيش ظروفاً مقلقة بعد اعتداءات يناير/كانون الثاني في باريس والظروف التي يعيشها الشرق الأوسط وتدفق المهاجرين وطالبي اللجوء. فكانت أن صرّحت لدى استقبال ممثلين مسلمين لها: "يجب إيجاد حل لمسألة أماكن العبادة ولمدارس كل طائفة، لأنه يتوجب منح المسلمين ما يُمنَحُ للكاثوليكيين ولليهود. كل هذا من أجل مكافحة وباء الإسلاموفوبيا".

ولكن هذا التصريح تعرّض على الفور للتحريف، من قبل صحافيّة في جريدة "لوكنار أونشينيه" الأسبوعية الساخرة، فاستبدلت كلمة "الكاثوليكيين" بـ"الفرنسيين". فتغيَّرَ المضمون وأصبح يوحي وكأن الوزيرة السابقة تُميّز بين الفرنسيين وبين المسلمين واليهود، أي أنها تعتبر أن هاتين الطائفتين ليستا فرنسيتين.

تلقفت كل صحف اليسار واليمين المتطرف هذا التحريف فتم اتهام الوزيرة السابقة والمرشحة، ذات الحظوظ الكبيرة في منطقة باريس الكبرى، بكل أنواع الاتهام، وهكذا نقرأ في موقع "مقاومة جمهورية"، اليميني المتطرف، التعليق: "الإسلامية-العميلة بيكريس تعشق الشريعة وتنوي تطبيقها في فرنسا". في حين أن موقع كوزور الصهيوني، اتهمها في مقال بعنوان مستفز قال فيه "بيكرس في حرب ضد الإسلاموفوبيا، ريمون بار، العودة"، بمعاداة السامية، مستحضرًا تصريحات معروفة للسياسي الفرنسي الراحل، ورئيس الوزراء، ريمون بار، وكتبت بأنه "لا شك أنه يضحك حيث يوجد".

الدوائر الصهيونية في فرنسا لم تغفر يوما، للسياسي الفرنسي اليميني انتقاداته للكيان الإسرائيلي، وتستذكر أيضًا يوم الثالث من أكتوبر/تشرين الأول 1980 حين تعرض كنيس يهودي في باريس لاعتداء، فقال رئيس الوزراء ريمون بار، معلقًا: "أراد هذا الاعتداء الفظيع ضرب إسرائيليين كانوا يرتادون الكنيس، لكنه ضرب فرنسيين أبرياء كانوا يعبُرُون الشارع". وتأسف موقع كوزور لأنّ ريمون بار، رغم هذا التصريح، لم يُجبَر على الاستقالة من الوزارة الأولى، ولم يحل الأمر دون انتخابه نائبا برلمانيا وعمدة لمدينة ليون.

وقد استغرب محمد زروليت، رئيس فدرالية الجمعيات المغربية في أوروبا، التهجم على كل زعيم سياسي فرنسي يلتقي بأفراد الجالية العربية في فرنسا أو ممثليها. وقال إن "كل الزعماء السياسيين الفرنسيين، من دون استثناء، يزورون الإذاعات اليهودية في فرنسا، ويصدرون مواقف وإعلانات ولا يستغرب الأمرَ أحدٌ. وحين يتعلق الأمر بالتواصل مع ممثلي الجالية العربية الإسلامية يتم استحضار مصطلحات ومفاهيم الجمهورية والعلمانية ومكافحة الانزواء الجماعاتي".

اقرأ أيضاً: فرنسا تُحوّل مسجداً إلى مركز شرطة

ودافع زروليت عن زيارة بيكريس وغيرها من الساسة الفرنسيين، لأماكن العبادة الإسلامية والمدارس العربية، حتى يطلعوا عن كثب على أوضاع هؤلاء الفرنسيين المنحدرين من أجيال الهجرة، ويجدوا حلولا لكل العوائق أمام الاندماج والمُواطَنة الكاملة.

واعتبر زروليت أن إصرار رئيسة بلدية باريس، آن هيدالغو، على تنظيم "يوم تل أبيب" في "باري بلاش"، رغم انتقاد منظمات وشخصيات فرنسية، كان خطأ سياسيا كبيرا، قد يجعل كثيرا من الناخبين يُصوّتون للمرشحة فاليري بيكريس عن حزب "الجمهوريون"، وهو ما "سيكون عقابا انتخابيا على مواقف الحزب الاشتراكي "الجديدة"، في ظل رئاسة فرانسوا هولاند، الموالية لإسرائيل على حساب الفلسطينيين".
المساهمون