صحافيون فلسطينيون في مرمى نيران الاحتلال

24 مارس 2015
جندي إسرائيلي يمنع صحافياً من التصوير خلال الاحتجاجات (الأناضول)
+ الخط -
ما زال المصور الفلسطيني في وكالة "رويترز" عبد الرحيم قوصيني، يعاني من إصابة تعرض لها قبل خمس سنوات أثناء تغطيته مسيرة بلدة بيت أمر شمالي مدينة الخليل جنوب الضفة الغربية المحتلة، المناهضة لبناء جدار الفصل العنصري، وسياسة مصادرة الأراضي لصالح توسيع المستوطنات. إذ تعمّد جندي إسرائيلي إلقاء قنبلة صوت باتجاهه، استقرّت داخل القناع الواقي من الغاز، وانفجرت وتسببت له ببعض الحروق وثقب في طبلة الأذن، بحسب ما يقول لـ "العربي الجديد".

استهداف مباشر ومتعمد

بعد كل صلاة جمعة، يخرج الفلسطينيون بمسيرات رافضة للجدار والاستيطان. لذا، يخرج الصحافيون الفلسطينيون باتجاه القرى والبلدات الفلسطينية المنتفضة، لرصد تلك الأحداث الناجمة عن قمع جنود الاحتلال، واستخدامهم القوة في فض التظاهرات التي تكون عادة عند نقطة تماس مع الجنود.

وبحسب إحدى الإحصائيات فإن المنتصف الأخير من العام 2014 وبداية العالم الحالي، بات
الاستهداف المقصود والمتعمد واضحاً بحق الصحافيين الفلسطينيين العاملين في الميدان، حيث يكاد لا يمر يوم جمعة إلا وعاد أحد الصحافين مصاباً إما بالرصاص الحي أو المعدني المغلف بالمطاط أو بقنابل الصوت والغاز المسيل للدموع.

ودفعت عمليات الاستهداف، وكالة "رويترز" لمنع قوصيني من التوجه إلى قرية كفرقدوم شمال الضفة، منذ أسبوعين، وتغطية الأحداث هناك. ويقول القوصيني خلال حديثه مع "العربي الجديد" إنه تعرض قبل ثلاثة أسابيع لإصابة بقنبلة غاز في رقبته، وقبلها بأسبوع أصيب بقنبلتي غاز في قدميه؛ ما يدل على تصاعد وتيرة الاستهداف المباشر للصحافيين الفلسطينيين المشاركين في تغطية أحداث المسيرات الأسبوعية المناهضة للجدار والاستيطان.

ويضيف أن جيش الاحتلال أصبح اليوم يستهدف تجمعات الصحافيين بشكل مباشر بقنابل الصوت والغاز المسيل للدموع، بالرغم من أنهم يرتدون أدوات السلامة وكل ما يدل على أنهم صحافيون، ومع بداية السنة الحالية أصبح هنالك صحافي مصاب في كل يوم جمعة.

الصحافيون يشتكون الإهمال

يشعر الصحافي هاني فنون؛ والذي يعمل مراسلاً لدى تلفزيون "فلسطين" الرسمي بحالة من الاستياء بعد إهماله من قبل مؤسسته كما يقول لـ "العربي الجديد"، أثناء تعرضه للاعتداء من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي خلال تغطيته احتجاج أهالي قرية كيسان شرق مدينة بيت لحم، على مصادرة أراضيهم لصالح المستوطنات الأسبوع الماضي.

أصيب فنون جراء اعتداء جنود الاحتلال عليه لحظة وصوله إلى مكان الاحتجاج، فقدّم له الناشطون إسعافات أوليّة. بعدها حاول العودة إلى عمله، ليُحاول جنود الاحتلال أيضاً اعتقاله لكنهم لم يتمكنوا من ذلك: "صرخت في وجههم كثيرا، أنا صحافي، أنا صحافي، لكن لا حياة لمن تنادي"، يقول. ويناشد فنون المؤسسات الإعلامية المحلية بأن تهتم بالعاملين لديها لا سيما أولئك في الميدان، وأن تقدم لهم الحماية والاحترام والتقدير، أسوة بالصحافيين الفلسطينيين العاملين مع الوكالات الدولية والأجنبية.


تكاليف العلاج من يدفعها؟

لا شيء واضح حول من يتكفل بعلاج الصحافيين الفلسطينيين العاملين في وكالات محلية. فالكثير منهم قد يضطر إلى العلاج على نفقته الخاصة، حتى لا يقع في انتظار لأشهر ما بين وعود المؤسسة التي يعمل فيها والمسؤولين.

ينتظر أحد الصحافيين الفلسطينيين، الذي فضل عدم ذكر اسمه، تغطية تكاليف علاجه لأحد
المستشفيات منذ إصابته بها مع بداية ديسمبر/كانون الأول من العام المنصرم، حيث ما زال ينتظر المؤسسة التي يعمل لديها أن تتكفل بتغطية تكاليف علاجه. الصحافي، الذي أصيب برصاصة متفجرة من أحد القناصة خلال تغطيته المسيرات الأسبوعية، تسببت له بأضرار في عظام قدمه، يقول لـ "العربي الجديد" إنه توجه لأكثر من جهة من بينها نقابة الصحافيين وعدد من الجهات المعنية، والنتيجة أن قضيته بحسب الوعود سوف تحل في الأيام القادمة.

لا شيء يتعلق بالتأمينات الصحيّة للصحافيين في بنود العقود في الإعلام الرسمي الفلسطيني. لكنّ الأمور تختلف كثيراً لدى العاملين لدى الوكالات الأجنبية والدولية؛ فهي غالباً تزود عامليها بأدوات السلامة وتقدم لهم تأمينات صحيّة وتأمينات على حياتهم.

إقرأ أيضاً: تضامن إلكتروني مع أسرى فلسطين: "بهم ننتصر"

اعتداءات الاحتلال تُسجّل أرقاماً قياسية

سجّل عام 2014 الماضي، أرقامًا قياسيةً في اعتداءات الاحتلال الإسرائيلي على الصحافيين الفلسطينيين، العاملين في الميدان، وذلك بحسب آخر إحصائيّة صادرة عن "المركز الفلسطيني للتنمية والحريات الإعلامية" - مدى.

وسجّل المركز، حوالي 239 انتهاكًا بحق الصحافيين. واختلفت هذه الانتهاكات بين إصابة العشرات منهم...
وإصابات الصحافيين الفلسطينيين مختلفة، منها الرصاص الحي والمعدني المغلف بالمطاط٬
بالإضافة إلى الإصابات المباشرة في الجسد بقنابل الصوت والغاز المسيل للدموع. هذا، إضافةً إلى الاعتداء بالضرب والقمع بالأيدي، وعشرات الإصابات بحالات الاختناق جراء استهداف تجمعات الصحافيين بقنابل الصوت والغاز، بشكل مباشر ومتعمد بالرغم من تواجدهم في بعض الأحيان بأماكن حيادية، لا تكون قريبة عادة من منطقة الأحداث.

وهذا الاستهداف المتعمد يجعل الصحافيين الفلسطينيين، ولا سيما العاملين على تغطية الأحداث الناجمة عن قمع قوات الاحتلال الإسرائيلي للمسيرات الأسبوعية المناهضة للجدار والاستيطان٬ يجعلهم يعيشون في حالة قلق دائمة على حياتهم، كون الاستهداف المتعمد يشكل تهديدًا وخطرًا يحدق بهم.​

الإعداد للمواجهة القانونية

ونظراً لتصعيد قوات الاحتلال الإسرائيلي اعتداءاتها على الصحافيين، "تبحث نقابة الصحافيين الفلسطينيين عن كافة السبل لمعاقبة الاحتلال الإسرائيلي على انتهاكاته، وتتواصل مع الاتحادات الصحافية الدولية لإعداد ملفات موثقة عن جرائم جيش الاحتلال بحق الصحافيين الفلسطينيين ومتابعتها بشكل قانوني"، بحسب ما يقول ناصر أبو بكر، نائب نقيب الصحافيين الفلسطينيين لـ "العربي الجديد".

وتوثّق نقابة الصحافيين الفلسطينيين الانتهاكات بحق الصحافيين وتصدرها ضمن تقارير شهريّة وسنويّة، وترفقها برسائل لاتحادات الصحافيين (اتحاد الصحافيين العرب، واتحاد الصحافيين الدولي، واتحاد الصحافيين الأوروبي وعدد من النقابات الصحافية في العالم).

ويشير أبو بكر إلى أنّ الاتحاد الدولي يُراسل سلطات الاحتلال ويُطالبها بوقف الانتهاكات، فيما يتمّ إعداد ملفات قانونيّة للتوجه للمحاكم الدولية ومحاسبة الاحتلال على جرائمه.
ويُطالب أبو بكر، المؤسسات الإعلاميّة، بالالتزام بأدوات السلامة العامة. ويؤكد أنّ "وزارة الصحة الفلسطينية تتكفل بشكل كامل بتكاليف العلاج، وأنها متعاونة في هذا الموضوع".

أما في قضية تعويض الصحافيين عن الأضرار التي يتسبب بها الاحتلال، فلا قضايا حتى اللحظة مرفوعة على الجنود، بينما تحاول نقابة الصحافيين العمل من أجل ذلك. وبحسب أبو بكر فهنالك قانون تمت صياغة قراره يقضي بإنشاء صندوق الزمالة؛ والذي يقضي بتعويض الصحافيين الفلسطينيين في حال تعرضهم للإصابة.

من جهته، يقول مدير المركز الفلسطيني للتنمية والحريات الإعلامية "مدى"، موسى الريماوي لـ "العربي الجديد" إنه "لم تسجل أي قضايا ضد جنود الاحتلال بحسب متابعة المركز، وحتى
لو رفعت فهي لن تجدي نفعاً، ولن تحقق نتائج كون الاحتلال الإسرائيلي يعمل فوق القانون، ولكن ما يجب فعله هو رفع قضايا في المحاكم الدولية".

ويُشير الريماوي إلى أن "هناك اتصالات وعلاقات مستمرة مع المؤسسات الدولية والصحافية، والبعض منها يوجه رسائل احتجاج ومطالبة بمحاسبة المسؤولين الإسرائيليين على الجرائم بحق الصحافيين، لكن قوات الاحتلال الإسرائيلي تُصعّد انتهاكاتها، مما يؤشر إلى أنّ الاحتلال هو فوق القانون في ظل عدم أخذ المؤسسات العاملة في الأمم المتحدة أي قرارات توقف تلك الانتهاكات".


إقرأ أيضاً: كبير مساعدي أوباما: يتعين إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين 
 

المساهمون