الأفغان في إيران.. 4 دوافع للهجرة غير الشرعية

08 نوفمبر 2014
يعاني الأفغان في إيران انتهاكات متعددة(فرانس برس)
+ الخط -
في مسجد طيني قديم بمدينة زرنج عاصمة إقليم "نيمروز"غربي أفغانستان، يعيش الشاب "حضرت جل" أحد أبناء إقليم "تخار" شمال أفغانستان، يجلس حضرت على ردائه بجانب جدار المسجد، يحكي قصة معاناته للمارة، بينما تنهمر دموعه على وجهه بعد أن دمرت حياته رحلة الهجرة غير الشرعية إلى إيران.

"كنت أعمل بائعا في سوق الخضار بمدينة طالقان في إقليم "تخار"، دخلي من 300 إلى 500 أفغانية (9 دولارات)، أنفقت مدخراتي، واستدنت لإتمام زواجي" يقول "جل" الذي تكلف زواجه 800 ألف أفغانية (14 ألف دولار)، اقترضها من أقاربه وزملائه، والذين طالبوه بعد عام بسداد دينه، فقررت أسرته سفره لإيران.

في شهر مارس/آذار من العام الماضي سافر جل إلى إقليم أوزجان جنوبي أفغانستان (مجاور لإيران وباكستان)، هناك أخذه مهرب أفغاني مع عدد من رفاقه في رحلة بدأت من أوزجان إلى إقليم بلوشستان الباكستاني ومنه إلى الحدود الباكستانية الإيرانية في منطقة شاكي، ثم إلى مدينة زاهدان ليكون المستقر في طهران التي عمل بها "جل" مع أحد المزارعين لكن بعد عدة أسابيع داهمت الشرطة الإيرانية منزل المزارع، واعتقلته ورفاقه لتبدأ المعاناة الحقيقية.

يقول جل لـ "العربي الجديد" عانيت انتهاك حقوقي الإنسانية في سجن مدينة كرمان بطهران ثم سجن مدينة مشهد، قبل نقلي إلى الحدود الأفغانية الإيرانية وتسليمي لسلطات بلادي"، لم يفقد جل الأمل، إذ حاول بعد ذلك لمرتين العودة إلى إيران، لكن شدة المراقبة منعته.


يتقاضى الأفغان العاملون في إيران قرابة 320 دولارا في الشهر، مقارنة مع 80 دولارا في بلادهم، بحسب دراسة لمركز دراسات الهجرة في جامعة أكسفورد، ووفق دراسة أجريت عام 2008، بتكليف من المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ومنظمة العمل الدولية، يرسل الأفغان العاملون في إيران نحو 500 مليون دولار إلى بلادهم سنوياً، أي ما يعادل 6% من الناتج الإجمالي المحلي لأفغانستان، وتوضح الدراسة أن معظم الأفغان يعملون في إيران بصورة غير مشروعة فيما يعيش 2% فقط من الأفغان بإيران داخل مخيمات اللاجئين، بينما يعيش الباقون في المناطق الحضرية الفقيرة أو الريف، وفق مكان عملهم كما أكدت الدراسة.

حالة حضرت جل ليست فريدة من نوعها، إذ فقد نور أحمد كل ما ادخره طوال عمره (40 عاما) في رحلة هجرة غير شرعية إلى إيران، انتهت بخيانة المهرب له وتسليمه للشرطة الباكستانية على الحدود مع إيران، لكن قصة جواد محمد تعد أكثر مأساوية عن جل وأحمد، إذ يقول شقيق جواد لـ "العربي الجديد" خرج شقيقي من البيت في إقليم بادغيس، وسافر إلى إيران للبحث عن عمل. دفعته ظروفه السيئة إلى تجار المخدرات ليعمل مساعدا لأحدهم في إيران"، وبحسب شقيقه "اقتضى عمل جواد السفر من وإلى إيران باستمرار، تغيرت حالته الاقتصادية وتحسنت، إلا أنه وبسبب العمل مع مهربي المخدرات، بدأ استخدام الأفيون ثم الحشيش إلى أن أصبح مدمن الهيروين، وفي إحدى المرات سقط في قبضة الشرطة الإيرانية لتنتهي حياته هناك".

انتهاكات جسيمة

"يعيش اللاجئون الأفغان في إيران في ظل ظروف صعبة وقاسية، ويتعرضون لانتهاكات جسيمة" كما يروي لـ "العربي الجديد" محمد مصطفى اللاجئ الأفغاني العائد لبلده، بعد أن أمضى عقدا من حياته في طهران.

يوضح مصطفى ما قصده بالانتهاكات قائلا "تعرضنا لاعتداءات بدنية، واحتجاز في السجون لفترات طويلة دون تسجيل أي دعوى ضدنا، انتهاء بالترحيل الإجباري دون سابق إنذار" ولكن بالرغم من كل هذا يتوجه آلاف الأفغان شهريا، إلى مختلف المدن الإيرانية.

تزايد عدد المهاجرين غير الشرعيين

حصلت "العربي الجديد" على إحصائيات خاصة من إدارة المهاجرين في أفغانستان، تكشف عن سفر ما بين 500 إلى 600 أفغاني يوميا إلى إيران خلال الأشهر الخمسة الماضية (أبريل ومايو ويونيو ويوليو وأغسطس)، معظمهم يذهبون بطريقة غير شرعية.

بمقارنة الرقم السابق مع عدد الأفغان المسافرين إلى إيران في الأشهر الثلاثة الأولى من العام الحالي، والذي تراوح بين 350 إلى 400 شخص يسافرون يوميا -وفق ما أكده مصدر بإدارة المهاجرين لـ "العربي الجديد"- يتضح التزايد المضطرد للهجرة غير الشرعية من قبل الأفغان إلى إيران، وهو ما طابق ما قاله لـ "العربي الجديد" محمد أكبر مسؤول إدارة اللاجئين في إقليم نيمروز.

أكبر أضاف في تصريحات خاصة أن "السلطات الإيرانية تعتقل يوميا عشرات الأفغان من الباحثين عن لقمة العيش في دول الجوار"، لافتا إلى أن السلطات الأفغانية تعمل جاهدة لمنع مواطنيها من الذهاب إلى إيران عبر الطرق غير الشرعية، وتحديدا من خلال الحدود الأفغانية الإيرانية؛ وهو ما دعا معظم الأفغان إلى استخدام الحدود الباكستانية الإيرانية للذهاب إلى إيران؛ بسبب ضعف المراقبة هناك على حد وصفه.

طريق الذهاب إلى إيران

يلجأ القليل من الأفغان إلى الطريق الشرعي للذهاب إلى إيران عبر التقدم للحصول على تأشيرة زيارة، بحجة زيارة الأماكن المقدسة (لدى الشيعة) أو العلاج ومن هناك يختفون داخل البلد، إما للخروج إلى دول أوربية أو البقاء للعمل؛ وهو ما دعا السلطات الإيرانية للتشدد في منح التأشيرات، الأمر الذي دعا الأفغان للجوء إلى الطرق غير الشرعية.

كيف يتم التهريب

عبر الحدود الإيرانية الأفغانية، وبالتحديد من إقليم نيمروز الأفغاني، توجد طريق سهلة للنفاذ إلى إيران، لكنها محفوفة بالمخاطر بسبب رقابة حرس الحدود الإيراني المشددة، لذا يفضل الأفغان الحدود الباكستانية الإيرانية، حيث يذهبون أولا إلى إقليم بلوشستان الباكستاني ثم يدخلون إلى الأراضي الإيرانية، وعادة ما يتم الأمر بالتعاون مع حرس الحدود الباكستاني كما يقول أحد المهربين في بلوشستان -فضل عدم الكشف عن هويته- لـ "العربي الجديد".


يقول المهرب البلوشي، الذي كان عمل على تهريب الأفغان والباكستانيين إلى إيران لفترة لكنه ترك العمل لكثرة مخاطره "كان لنا أصدقاء في مدينة زاهدان الإيرانية، كنا نقسم الأموال بيننا كما كنا ندفع جزءا منها إلى عناصر في الحرس الحدودي، الذين كانوا يساعدوننا في مهمتنا".

"تترواح المبالغ المدفوعة لعنصر حرس الحدود الذي يقتسم مع رفاقه المبالغ التي يحصل عليها من المهربين من 30 ألف روبية (290 دولارا) إلى 70 ألف روبية باكستانية (680 دولارا) في المرة الواحدة.

تكشف إحصائيات حصلت عليها "العربي الجديد" تنامي الهجرة اليومية للأفغان إلى إيران


أسباب لجوء الأفغان إلى إيران

دفعت البطالة المتفشية في أفغانستان العديد من مواطنيها للهجرة إلى إيران، والتجنيد والعمل كمقاتلين في صفوف جيش النظام السوري، وقبل ثلاثة أشهر تقريبا نشرت وسائل إعلامية أفغانية أن إيران تقوم بتجنيد اللاجئين غير الشرعيين الأفغان، وإرسالهم للقتال في سورية بجانب الجيش النظامي، بهدف تعويض خسائر الحرس الثوري الإيراني.

"يحصل المقاتل الأفغاني على مبالغ تتراوح ما بين 350 دولارا: مقابل 500 دولار شهريا والإقامة الدائمة في إيران، بعد عودته من سورية" كما يقول أحد أبناء الأقلية الشيعية لـ "العربي الجديد".

الحكومة الأفغانية كانت أعربت عن استيائها البالغ إزاء هذه الخطوة، وهددت برفع الشكوى إلى مفوضية اللاجئين في الأمم المتحدة ضد إيران، بعد نشر أخبار قتل العديد من الأفغان في سورية، وهروب بعض الأفغان من سورية وعودتهم إلى أفغانستان، ووفق خبير أمني أفغاني لا تقوم إيران بتجنيد اللاجئين الأفغان من داخل إيران فقط، بل تحض الأفغان عبر بعض الخلايا والأحزاب داخل أفغانستان على الذهاب إلى إيران ثم إلى سورية، والمشاركة في الحرب مع جيش بشار الأسد، جلهم من أبناء الأقلية الشيعية.

تعد تجارة المخدرات السبب الثاني للهجرة غير الشرعية من قبل الأفغان إلى إيران، "عادة ما تنشب اشتباكات بين المهربين وعناصر حرس الحدود الإيراني، تؤدي إلى مقتل أعداد كبيرة من المهربين" كما يقول جواد -مهرب مخدرات سابق لـ "العربي الجديد"- فيما أصبح الزواج بنوعيه الدائم والمتعة سببا رئيسيا لسفر الأفغان بطرق غير شرعية إلى إيران، إذ يتزوج عدد كبير من أبناء الأقلية الشيعية (الهزارة) من إيرانيات.

الطريق إلى أوروبا

تعد إيران المحطة الأولى لكثير من الأفغان والباكستانيين الراغبين في الهجرة غير الشرعية للدول الأروبية، وهو ما يوضحه الشاب الأفغاني محمد نصير راويا رحلته لـ "العربي الجديد" بالقول "أخذني المهرب الأفغاني من إقليم بلوشستان، وسلمني إلى زميله الباكستاني مقابل 100 ألف روبية (970 دولارا).

على الحدود الإيرانية الباكستانية وبمساعدة حرس الحدودي الباكستاني، عبرنا الحدود أنا وستة عشرة شابا، سرنا على الأقدام عدة كيلومترات حتى مدينة زاهدان الإيرانية والتي عشنا فيها داخل صهريج بلا طعام ولا شراب لمدة ثلاثة أيام، قبل أن يأخذنا الإيرانيون إلى الحدود التركية الإيرانية، وبعد عناء طويل دخلنا تركيا بإشراف أحد المهربين الإيرانيين، فجاة أطلقت قوات حرس الحدود التركي النارعلينا وقتلت منا أربعة وأسرت الباقين".

عاش نصير عدة أشهر في سجن تركي، قبل أن يرحل إلى أفغانستان ليبدأ البحث مجددا عن طريقة تعيده إلى إيران مرة ثانية بحثا عن طريق أوروبا المفقود.