تجارة الوهم في السعودية [4/5]..السحر باب نصب واسع للمشعوذين

07 اغسطس 2016
ساحر تم القبض عليه في السعودية (وزارة الداخلية السعودية)
+ الخط -
لم يتردد 241 من رجال الأعمال السعوديين، في دفع الملايين لمشعوذ أفريقي أوهم ضحاياه أنه أحد أقطاب السحر السبعة الأكبر حول العالم، لينجح في جمع 450 مليون دولار، وفقاً لما كشفت عنه تحقيقات وزارة الداخلية السعودية، في حادثة تكررت كثيراً في السعودية، كما تؤكد هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتي ألقت القبض على 12 ساحراً ومشعوذاً، بحوزتهم طلاسم ورموزاً سحرية خلال العام الماضي، لكن تظل واقعة الدجال الأفريقي هي الأكثر أهمية إذ جرت وقائعها في المدينة المنورة، بعد أن عمل الساحر 9 أعوام على استغلال ضحاياه، عبر شبكة عملاقة من النصابين، امتدت من المدينة المنورة إلى جدة وأملج وحتى ينبع، ليتمكن من الاستيلاء على مبالغ كبيرة ومستندات وشيكات وخطابات سمسرة وتحويل ووساطة وعقود تجارية، كما يؤكد المتحدث الرسمي لشرطة المدينة المنورة العميد فهد الغنام والذي لفت إلى أن الساحر كان يستغل شهوة رجال الأعمال للربح السريع، وأوهمهم أنه يستطيع استخدام الجن والشياطين لينقبوا لهم عن الذهب في أفريقيا، ومن ثم استثمار هذه الأموال.

يقول الغنام: "تم إلقاء القبض على الساحر في مارس/آذار الماضي، بعد أن خدع الدجال البالغ من العمر 59 عاماً ضحاياه ببعض الطلاسم والشعوذة والبخور، وتم ضبط أشرطة وحبال معقودة وكميات من السبح المتنوعة، وصور هويات لمواطنين وإشعارات تعريف لرواتبهم وصور سجلات تجارية، وكشوفات حسابات ومسيرات رواتب لشركات، وشيكات محررة تصرف لمصلحة المذكور بمئات الألوف، وشيكات موقعة (على بياض) من دون مستفيد، ومن دون كتابة مبلغ محدد، وعقود تجارية بعشرات الملايين، وخطابات بالوساطة بقيمة 450 مليون دولار (أوراق قدمها رجال أعمال للساحر، يخولونه فيها بالتوسط لدى الجهات المعنية في الدول المقصودة بإنجاز مصالحهم)".



تغلغل السحر في المجتمع

القصة السابقة رغم غرابتها، "تكشف مدى تغلغل مدعي السحر في المجتمع الخليجي عامة، والسعودية خاصة"، حسبما يؤكد رئيس هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في منطقة الرياض الدكتور تركي الشليل.

يقول الشليل لـ"العربي الجديد": "وعلى الرغم من التحذيرات المستمرة من رجال الدين من التعامل مع السحرة، إلا أن هناك إقبالاً كبيراً عليهم، بيد أن الغالبية منهم لا يعملون بمستوى الساحر الأفريقي، ولكن بمستوى أقل بكثير، وبهدف الإضرار بالآخرين مقابل مبلغ مادي لا يتجاوز الألفي دولار في الغالب، ولكن قد يصل لأكثر من 100 ألف دولار إن كان المراد إيقاع ضرر بالغ بالضحية".

يشدد الدكتور الشليل على أنه لا يمكن تجاهل حقيقة أن ثقافة السحر منتشرة بقوة في المجتمع، وهي مساحة مثالية لسرقة أموال الضحايا، الأمر الذي دفع هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى تدشين قسم خاص لمكافحة السحر، كاشفاً عن إنشاء وحدة خاصة بمكافحة السحر والشعوذة في الهيئة، لكي تتعامل بشكل علمي مع قضايا السحر والشعوذة، ويتابع: "الهدف الأول لهذه الوحدة هو حماية المجتمع من ممارسي السحر والشعوذة وكذلك من الممارسات الخاطئة للرقاة، وممارسي الطب الشعبي، وكذلك من يقوم بجريمة السحر والشعوذة".



سوق رائجة

فتح انتشار مدعي السحر، ممن يوهمون ضحاياهم بالقدرة على إلحاق الضرر بالآخرين باباً واسعاً لمدعي الرقية الشرعية، بحجة شفاء الناس من السحر، "وزاد من تفاقم الوضع غياب قوانين تنظم عمل الرقاة الشرعيين، الأمر الذي جعل الضحايا بين ناري السحرة، ومدعي الرقية"، كما يؤكد الداعية سعود السهيمي قائلا لـ"العربي الجديد":"هناك من يستغل السحر لإيهام الناس بأن كل ما يقع لهم، حتى ولو كان كسراً بسيطاً في القدم، هو نوع من السحر قد أوقعه بهم أحدهم، بهدف سلب ما لديهم من مال بالباطل، هذا ما يجب التحذير منه، وتأكيده".

ويعتقد المواطن السعودي عبدالله الموسى أنه قد تعرض لسحر، وفقاً لما أخبره به أربعة شيوخ يثق بهم، ولكنه لم يجد علاجاً في المشافي على حد قوله، ما جعله يقع ضحية مدعي الرقية، ويقول الموسى لـ"العربي الجديد":"لم نجد حلاً سوى الذهاب لرقاة شرعيين، وهنا بدأت مأساة جديدة، أكثر من 450 ألف ريال دفعناها لأربع رقاة، لم نستفد منهم في شيء، غير أن الخامس والذي أخبرنا به إمام مسجد الحي كان مختلفاً، ونجح في شفائنا من دون أن يتقاضى ريالاً واحداً".

قصة عبدالله تتشابه مع أربع قصص، وثقتها "العربي الجديد"، وهي لمواطنين يعتقدون أنهم تعرضوا لسحر، ولكن في المقابل فإن عشرات الحالات هي ممن يوهمون من قبل مدعين بأنهم تحت تأثير السحر، وفي الحقيقة فإنهم في حاجة إلى علاج نفسي وهو ما دفع مدير إدارة التوعية الدينية بصحة منطقة الرياض، محمد العمر، إلى أن يطالب بإلحاق الرقاة الشرعيين الموثقين بالمستشفيات، تماما مثل العلاج النفسي، ويقول لـ"العربي الجديد":"لماذا لا؟ لنعتبره علاجاً نفسياً، لحماية المواطنين والمواطنات والمتضررين من السحرة والمشعوذين والدجالين من الناحية الشرعية العقدية والأمنية والاجتماعية والصحية، وبهذا الشكل ستكون تحت رقابة الجهات المسؤولة في الدولة".



بخّاخ لطرد الجن

تعددت وسائل المتاجرة وخداع المرضى، ولم يعد الأمر يقتصر على الزيت والماء المقروء عليه، بل وصل الأمر للترويج لمركب عطري على شكل بخاخ، يزعم مروجوه أنه فعال لعلاج السحر والعين والمس بمجرد وضع رشات عدة على المكان الذي يراد علاجه، أمام هذا الدجل، وقفت وزارة التجارة موقفاً محايداً، وأكد مصدر مسؤول في الوزارة في تصريحات خاصة لـ"العربي الجديد"، أن هذا البخاخ الذي يباع بـ 80 دولاراً، يندرج تحت بند مستحضرات التجميل، وكل ما فعلته الوزارة هو سحب عيّنات منه لإحالتها إلى هيئة الغذاء والدواء بحكم الاختصاص، دون منع مباشر للمنتج، الذي لاقى رواجاً بين السعوديين.

ويسخر الشيخ السهيمي من المنتج، ويؤكد أنه مجرد خداع ووهم لا أكثر، قائلا "تلبّس الجن والسحر بمجمله وهم"، وهذا ما يعتقده إمام مسجد المطلق في الدمام الشيخ فهد السمر، وهو أحد كبار المختصين في مجال مكافحة السحر والجن، وخداع الناس، يقول الشيخ السمر لـ"العربي الجديد": "مسّ الجن في معظم الأحيان أوهام. البعض يظن أن الجن تلبس به، ولكنه في الواقع يعاني من مشكلة نفسية معقدة، الأدعياء استغلوا جهل الناس بالفرق بين المرض النفسي والسحر لخداعهم"، ويضيف :"الأمر صعب ومختلط، ومجال خصب للدجل، بالنسبة لي لم تمر علي حالات تلبّس جن حقيقية إطلاقاً، ولكن تعاملت مع بعض حالات السحر، ولم تتجاو ثماني حالات فقط"، يكمل الطبيب النفسي الدكتور عبدالعزيز العتيبي النقاش، ويشدد على أن الأمر أكبر من مجرد خداع ودجل، بل يمكن اعتباره نصباً حقيقياً، ويقول لـ"العربي الجديد":"بعضهم يتقاضى أربعة آلاف دولار شهرياً، بحجة إبطال السحر، وهي جلسات يستغرق بعضها عاماً كاملاً، ومن دون ضمان الشفاء".

ويتساءل الدكتور العتيبي، إن لم يكن هذا نصباً وغشاً، فما هو؟"، يكشف الدكتور العتيبي عن أنه عالج أكثر من خمسين حالة نفسية، لم يكن خيار المرضى فيها اللجوء له أولاً، ويضيف: "كثير من الحالات المرضية التي مرت علي، ذهب المرضى فيها لرقاة شرعيين في البداية"، غير أن أكثرها تأثيراً هي حالة مريض مصاب برهاب اجتماعي عنيف، جعله منعزلاً، ويجلس في غرفة مظلمة طوال الوقت، كانت الفكرة الأولى التي خطرت على بال والديه هي أنه مسحور، وصادق على ذلك أحد مدّعي الرقية، وظل يسلبهم المال حتى حصل على 22 ألف دولار منهم، وتكرر الأمر مع راق آخر وثالث، حتى بلغت خسائر العائلة أكثر من 50 ألف دولار، وفي نهاية الأمر طرق الأب باب عيادتي، وبعد جلستين فقط أكدت للأب أن ابنه البالغ من العمر 18 عاماً، ليسا مسحوراً، بل مريضا بالرهاب، وبعد ست جلسات بدأ يتعافي ويستجيب للعلاج"، يصمت الدكتور رجب قليلا، قبل أن يتابع :"هم يستغلون جهلنا لخداعنا".
دلالات