صراع الأضداد.. 4 تجارب إسلامية مماثلة لحرب أردوغان وغولن

28 يوليو 2016
من ينتصر في المعركة الصفرية بين غولن وأردوغان؟(فرانس برس)
+ الخط -

في مايو/أيار من عام 2010، بدأ صراع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع جماعة الخدمة التى أسسها الداعية الصوفي فتح الله غولن، عقب تعين أردوغان لحاقان فيدان رئيساً للاستخبارات التركية، ما قضى على آمال الجماعة في إحكام سيطرتها على الجهاز؛ الأمر الذي دفعها إلى تحريك أنصارها في جهاز الدولة القضائي في فبراير/شباط من عام 2012 ضد رئيس الاستخبارات، إذ استدعى المدعي العام الجمهوري، رئيس جهاز الاستخبارات، وبعض مساعديه للتحقيق، كمشتبه فيهم بتهمة التخابر مع حزب العمال الكردستاني الانفصالي، في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ الجمهورية التركية.

جاءت المحطة الثانية في النزاع بين أردوغان وجماعة الخدمة وقت أحداث جزي بارك في 28 مايو/أيار من عام 2013، وعلى الرغم من عدم مشاركة الجماعة بأفرادها، إلا أن وسائل الإعلام المرتبطة بها نالت من أردوغان واتهمته بالتسلط والدكتاتورية وسوء إدارة الأزمة، ثم جاءت نقطة الصدام الثالث عندما فجّر الإعلامي المخضرم والمقرب من الحكومة عبدالرحمن ديليباق قنبلة إعلامية حين أعلن امتلاكه تسجيلات تؤكد اتفاق الجماعة مع حزبي المعارضة الرئيسيين حزب الشعب الجمهوري وحزب الحركة القومية على إثارة أعمال شغب للنيل من شعبية الحزب الحاكم، ثم التحالف انتخابياً لإسقاطه في الانتخابات البلدية القادمة.

اشتباك آخر وقع بين الطرفين (أردوغان – غولن) حول معاهد التحضير للامتحانات الجامعية، بعد إعلان الحكومة نيتها تغيير نظام الامتحانات وتحويل هذه المعاهد إلى مدارس خاصة ضمن مشروع تطوير النظام التعليمي.

وكان تقييم تجربة أسطول الحرية والسفينة "إم في مافي مرمرة" والذي كسر الحصار المفروض من قبل اسرائيل على قطاع غزة، مثار اشتباك آخر، إذ وصفتها الجماعة بأنها مطيةٍ للوصول إلى "أهداف مشبوهة" من خلال استغلال المشاعر الدينية على حد زعمها، ثم كان الاشتباك الدموي والحاد الحاصل يوم الجمعة 15 يوليو/تموز من العام 2016 حينما وقعت محاولة الانقلاب الفاشلة على حكومة حزب العدالة والتنمية الحاكم والرئيس رجب طيب أردوغان والتى اتهم أردوغان جماعة الخدمة بالوقوف وراءها؛ وبذلك يكون مستوى الصراع بين الطرفين قد بلغ درجاته القصوي؛ إذ دعا الرئيس أردوغان إلى شن حرب استئصال لجذور هذه الجماعة داخل تركيا باعتبارها جماعة إرهابية خارجة عن القانون.

هنا يبرز السؤال الرئيس، هل هذه التجربة التركية فريدة من نوعها في الحالة الإسلامية المعاصرة؟ وهل هناك سوابق إسلامية معاصرة لمثل هذا النوع من الاشتباكات؟ وما هي القواسم المُشتركة بين التجربة التركية وغيرها من التجارب الإقليمية؟.. هذا ما تجيب عنه السطور المقبلة، عبر استعراض تجارب صراع بين قطبين سبق تحالفهما ضمن سياق القواسم المُشتركة لهذه التجارب الدالة.


أولاً: الصدام بين الإخوان وعبد الناصر

يرى المستشار الدمرداش العقالي أحد القيادات الإخوانيه التاريخية أن جمال عبد الناصر هو نبتة إخوانية من الأساس، ويؤكد أنه بايع حسن البنا المرشد العام للحركة في عام 1942، وأنه شكل مع آخرين الجهاز الخاص للإخوان المسلمين في الجيش.

ويقول المستشار مأمون الهضيبي، المرشد السادس لجماعة الإخوان، إن جمال عبد الناصر حلف على المصحف والسيف لمبايعة الإخوان، كما أيد الإخوان عبد الناصر عند قيامه بالثورة، وبعد قيامه بالثورة، وكانوا أول أعوانه، بل كانوا سنده الشعبي البارز، وفي الذكرى الأولى لاستشهاد حسن البنا وقف عبد الناصر على قبره مترحماً واستمرت الإذاعة في تلاوة القران طوال اليوم، وقال عبد الناصر خلال زيارته لقبر البنا "كان حسن البنا يلتقي مع الجميع ليعمل الجميع في سبيل المبادئ العالية والأهداف السامية، لا في سبيل الأشخاص ولا الأفراد ولا الدنيا، وأُشهد الله أنني أعمل -إن كنت أعمل- لتنفيذ هذه المبادئ، وأفنى فيها وأجاهد في سبيلها"، وعقب الثورة أقام نادي الضباط حفلا لتكريم سيد قطب افتتح بتلاوة للقرآن الكريم وكان من ضمن المداخلات كلمة لعبد الناصر ووجهها لسيد قطب، قائلا "أخي الكبير سيد والله، لن يصلوا إليك إلا على أجسادنا، جثثاً هامدة، ونعاهدك باسم الله، بل نجدد عهدنا لك، على أن نكون فداءك حتى الموت".

ولكن هذا الوفاق لم يدم طويلاً، فبعد مرور أشهر قليلة على الثورة، رفض عبد الناصر طلبات للإخوان حول ضرورة إخضاع قرارات الثورة لمشورتهم، وفق شهادة الدكتور فريد عبد الخالق عضو الجماعة في برنامج شاهد على العصر المُذاع، على قناة الجزيرة في 2 أغسطس/آب من عام 2004 (الجزء العاشر)؛ إذا وصل الاشتباك بين قائد الثورة والجماعة إلى ذروته في السادس والعشرين من تشرين الأول/أكتوبر عام 1954، حين تعرض عبد الناصر لمحاولة اغتيال أثناء إلقائه خطبة جماهيرية في الإسكندرية، وادعت السلطات أن تنظيم "الإخوان المسلمين" يقف خلف هذه المحاولة.

وفي 13 يناير/كانون الثاني عام 1954، صدر حكم قضائي بحل جماعة الإخوان وحظر نشاطها. وبدأت ملاحقة التنظيم قضائياً وفتح عبد الناصر السجون أمام قياداته وأعضائه، فسجن عدداً كبيراً منهم، وصدرت ضد بعضهم أحكام بالإعدام وضد آخرين بالسجن عشر سنوات أو الأشغال الشاقة.


ثانياً: الصراع بين الشيخ والتلميذ

قلت للبشير "اذهب للقصر رئيساً، وأنا أذهب إلى السجن حبيساً"، هكذا روى الشيخ حسن الترابي ما قاله للرئيس أحمد عمر البشير في يوم الثلاثين من يونيو/حزيران من عام 1989 حين وقع الانقلاب العسكري الذي خطط له الإسلاميون بقيادة الترابي، واستمرت هذه العلاقة الجيدة بين البشير والترابي، إذ تولى الترابي رئاسة السلطة التشريعية في منتصف التسعينيات وانتخب رئيساً للبرلمان، كما شغل منصب الأمين العام لحزب المؤتمر الوطني حتى عام 1999، ثم بدأت العلاقة بينهما في التوتر، عندما تقدم عشرة من قيادات إسلامية، بمذكرة أطلق عليها مذكرة العشرة في عام 1998 بغرض القيام بإصلاحات حزبية، وتقليص سلطات الترابي، وهو الأمين العام، ورئيس البرلمان، والأب الروحي الذي يوجه الأوامر للجميع بمن فيهم الرئيس عمر البشير، فقرر بعدها الرئيس البشير الإطاحة بالترابي وتجريده من كل أسلحته بحل المجلس الوطني، ثم أعقب ذلك بتجميد منصب الأمين العام في حزب المؤتمر الوطني الحاكم، وأمانته العامة، فترك الترابي الحزب والحكومة، وسلك طريق المعارضة ليكوّن الحزب الشهير المؤتمر الشعبي، فصار الترابي أكثر المعارضين ذهاباً إلى سجون البشير، وقد علق الجنرال جون قرنق على الحالة التى وصل إليها الزعيم الترابي بقوله: (لقد سمعنا أن الثورات تأكل أبناءها، لكنها المرة الأولى التي نسمع فيها بأن الثورات تأكل أباها).

وقد أفصح الدكتور الترابي عن سر الخلاف بينه وبين البشير قائلا "يرجع الخلاف إلى مطالبتنا بتطبيق الحرية وتعميمها على الجميع، لكن الحكومة كانت تعمل عكس ذلك، خصوصاً أن الدين الإسلامي نادى بتطبيق الشورى بين الجميع، وليس أن تكون حلقة مصغرة هي التي تحكم السودان حالياً".

ثالثاً: النزاع بين الفيلسوف والوزير

في أقصى الحدود الشمالية الغربية لتركيا في جمهورية البوسنة والهرسك والتي تعرضت لحرب إبادة جماعية من طرف دولة صربيا في مارس/آذار من عام 1992 وحتى توقيع اتفاقية دايتون للسلام في شهر نوفمبر/تشرين الثاني من عام 1995 وطوال هذه المدة من الحرب قدم الفيلسوف الرئيس علي عزت بيغوفيش ورفيقه في النضال وزير الخارجية حارث سيلاذيتش نموذجاً سياسياً راقياً في التواصل والشجاعة والعمل الدبلوماسي المحترف، فنجحوا بالعرق والألم والدموع والسهر في الحفاظ على البوسنة شعباً ودولة رفم فداحة التضحيات؛ وبعد توقيع اتفاقية السلام وانتهاء الحرب بدأ الخلاف يدب بينهما؛ فالوزير حارث سيلاذيتش كانت له رؤية مختلفة عن تصور بيغوفيش في إعادة بناء وإعمار البوسنة؛ فأنشىء حزب "من أجل البوسنة" ليتنافس به مع حزب علي عزت في الانتخابات، فأشعلت هذه الخطوة الخلاف بين الطرفين، واستغل أنصار الرئيس هذه الفرصة لتشويه سيلاذيتش فنشروا دعاية "أنه عميل لليهود ومتواصل مع إسرائيل، وأنه حليف للصرب، وشيوعي قديم، وقاموا بتوزيع منشورات في المساجد بأنه شاعر، والشعراء يتبعهم الغاوون"، وكل هذا حتى ينصرف عنه الناس.


رابعاً: معركة مهاتير محمد وأنور إبراهيم

في عام 1982 بدأ التحالف السياسي الاستراتيجي بين كل من السياسي الإسلامي أنور إبراهيم، ورئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد؛ حيث طلب الأخير من أنور الانضمام للحزب الحاكم، وقد تم ذلك بفضل جهود مجموعة من المثقفين العرب الإسلاميين مثل محمود أبو السعود وإسماعيل راجي الفاروقي وأحمد كمال أبو المجد، وبالفعل قبل أنور إبراهيم الانضمام إلى حزب "أمنو" الحاكم (حزب منظمة الملايو الوطنية المتحدة) الذي كان يعاديه من قبل، وتولى أنور إبراهيم العديد من المناصب في قمة هرم السلطة بعد هذا التحالف؛ فقد شغل منصب نائب رئيس وزراء ماليزيا، ووزير المالية، وكان متوقعًا له أن يخلف مهاتير في قيادة التحالف الوطني الحاكم، لولا الخلاف الذي وقع بين الرجلين في عام 1998 وأُقيل على أثره أنور من جميع مناصبه السياسية واقتيد إلى السجن عقب اتهامه بتهم عدة، من بينها تهمة "الفساد المالي والإداري" وتهمة "اللواط"، كما حكم عليه القاضي بست سنوات سجن في سبتمبر/أيلول 1999 واتهمه رئيس الوزراء مهاتير محمد بأنه طرف في مؤامرة دولية كانت تستهدف ماليزيا عام 1998 أثناء الأزمة الاقتصادية التي تعرضت لها دول جنوب شرق آسيا لأنه أراد أن ينفذ تعليمات وقرارات صندوق النقد الدولي التي يرفضها رئيس الوزراء الماليزي.

القواسم المُشتركة

يمكن حصر القواسم المشتركة بين الصراعات السابقة في أن مجمل هذه النزاعات وقعت بين أبناء الأيديولوجيا الواحدة (الإسلامية) في مصر والسودان والبوسنة وتركيا.

ثانياً: كل الأطراف المتصارعة كانت قبل ذلك متحالفة ومتعاونة على المستوى الأيديولوجي والاستراتيجي والتكتيكي. ثالثاً: النزاع الذي وقع بين الإخوان وعبد الناصر أدخل مصر في صراع صفري بين الجيش والإسلاميين، وكذلك الصراع بين الترابي والبشير قوض التجربة الإسلامية السودانية وقادها نحو الفشل والجمود. رابعاً: في كل هذه التجارب استُخدم التشويه والتخوين والاتهامات المتبادلة بالعمالة للخارج، كسلاح للاغتيال المعنوي والجماهيري. خامساً: الصراعات التى وقعت في مصر والسودان وماليزيا حُسمت لمصلحة الطرف الذى يمتلك القوة والسلطة، وهزم الطرف الأضعف (الإخوان في مصر والترابي في السودان، أنور إبراهيم في ماليزيا).

سادساً: الصراع بين جماعة الخدمة وأردوغان هو الأصعب من حيث طبيعته ومستقبله لأن كلا الطرفين يمتلك أدوات القوة والتأثير في داخل جهاز الدولة وعلى مستوى العلاقات الدولية.

سابعاً: وجود كيان أو تنظيم أو جماعة تمارس العمل السياسي خارج سياقات الدولة يؤدي غالبا للصدام مع النظام السياسي طال الوقت أو قصر، حتى ولو كان هذا النظام ينتمي لنفس المدرسة الفكرية. ثامناً: الأيديولوجيا الإسلامية مثلها مثل أي أيديولوجيا أخرى معرضة للسقوط في الاحتراب الأهلي والاقتتال الداخلي بين مكوناتها المتنوعة.