ضحايا طائرة باريس المنكوبة... التعويضات تؤخر عودة الجثامين

10 نوفمبر 2016
66 ضحية في حادثة طائرة باريس المنكوبة (الأناضول)
+ الخط -

لا يجد سيباستيان بوزي، محامي عائلات ضحايا الطائرة المصرية المنكوبة، رداً على أسئلة ذويهم المتكررة عن أسباب تأخر عودة الجثث والأشلاء منذ أن سقطت الطائرة، إذ تعاني العائلات من جمود في إجراءات تسليم جثث ضحايا الرحلة رقم MS804، والتي كان من المفترض أن تحطّ رحالها في القاهرة، بعد انطلاقها من مطار شارل ديغول في باريس في 19 مايو/أيار الماضي.

ويشعر المحامي بوزي وزميله، اللذان يمثلان عائلات 22 ضحية فرنسية من بين 66 من إجمالي قتلى حادثة الطائرة المصرية، بأنهما رهينة نزاع قانوني غير معلن بين فرنسا ومصر. ويقول لـ"العربي الجديد": "لا نعرف من يُجمّد الأمر، ولا أحد يرد على تساؤلاتنا، لا في مصر ولا من الدبلوماسية الفرنسية"، التي دائما ما تتذرع عند سؤالها حول موعد تسليم الجثث بأن الأمر من اختصاص العدالة الفرنسية، وهي بدورها تحيل بوزي وزميله إلى السلطات الدبلوماسية مرة أخرى في دائرة مفرغة، في حين لا تجيب السلطات المصرية بتاتاً على أسئلة المحامين.

اختلاف روايتي الحادثة

بحسب المحامي بوزي، فإن صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية كشفت، قبل أسابيع، أن المحققين المصريين عرضوا على نظرائهم الفرنسيين ما قالوا إنها آثار متفجرات في حطام الطائرة، وطالبوا بضم الأدلة الجديدة إلى التحقيق. الأمر الذي رفضه الفرنسيون، فكان رد الفعل المصري، رفض تسليم بقايا الجثامين.

ويبدي المحامي بوزي دهشته من عدم ضغط الدبلوماسية الفرنسية على المصريين لاستعادة بقايا جثث الضحايا الفرنسيين، في حين أنها لا تتردد في تحدّي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وغيره من قادة دول العالم.

ويرجع إصرار الجانب المصري على روايته إلى رغبته في عدم الاضطرار إلى دفع التعويضات المقررة لذوي الضحايا، في ظل معاناة مصر من أزمة اقتصادية غير مسبوقة، بحسب الخبير والباحث الفرنسي، ليامين ستّول، الذي يعمل في معهد البحث الاستراتيجي في المدرسة العسكرية لوزارة الدفاع الفرنسية.

ويصرّ ستّول على أن "الجانب المصري سيُضطرّ، في نهاية الأمر، إلى الإقرار بالرواية الفرنسية لحادث الطائرة المصرية، بعد أن يكون قد تسبَّب في معاناة عائلات الضحايا، التي شوّهت صورته في فرنسا وغيرها من دول العالَم".


التعويضات المالية

من جهتها، تلقّت عائلات الضحايا تعويضاً مؤقتاً بقيمة 22 ألف يورو (قرابة 25 ألف دولار)، ولا يعني هذا المبلغ إقرارا من شركة مصر للطيران، بتحملها المسؤولية عن حادث تحطم الطائرة، وفقا لـ ألكسندر غرونبيرغ، الخبير في مكتب تأمينات الطيران الفرنسي، والذي يشير في حديثه لـ"العربي الجديد" إلى أنّ "التعويض يعد مبلغاً مؤقتاً إلى حين إجراء التسوية الخاصة لإصدار القيمة الكاملة للتأمين، وفقاً للقواعد المتعارف عليها عالمياً، بعد حسم مسؤوليات مختلف الفاعلين الضالعين في الحادثة، والتي لن تُكشَف قبل نهاية التحقيق، واتفاق الطرفين الفرنسي والمصري بشأن أسباب سقوط الطائرة".


عائلات الضحايا: ذوونا أهم من التعويضات

عقب وقوع الحادثة طلبت السلطات الفرنسية من عائلة العالم الفرنسي من أصل سوداني، الدكتور محمد صالح زيادة، صاحب مشروع موسوعة تاريخ أفريقيا، عيّنات الحمض النووي، للتعرف على جثمانه، غير أن الاتصالات بين الخارجية الفرنسية والعائلة توقفت في أغسطس/آب الماضي. وتلقت أرملة زيادة حينها اتصالا من الخارجية الفرنسية يبلغها بتحديد شركة سويسرية، لنقل الجثث وتسليمها للأهالي، ومن وقتها لم تصل إلى الشركة التي يقع مقرها في جنيف أي معلومات حول موعد تسليم الأشلاء من قبل الخطوط الجوية المصرية، التي لم تحدد للعائلة موعداً واضحاً، لدى تواصلها مع مسؤولة بمكتب الشركة في باريس.

وتصر السيدة زيادة على أن سبب المشكلة يعود إلى نزاع بين مصر وفرنسا حول من يتحمل "مسؤولية الحادثة"، وهذا ما أكدته أيضاً عائلة فيصل بتيش، التي "تعتبر إعادة جثمان ابنها فيصل من أولوياتها".

وفقدت عائلة بتيش 4 من أبنائها، هم: فيصل وزوجته نهى سعودي، وابنته جومانا، التي لا يتجاوز عمرها أشهراً، وشقيقها محمد ذو العامين ونصف العام، ويقول أحد أفراد العائلة لـ"العربي الجديد": "طال انتظارنا للجنة وزارة الخارجية التي سافرت إلى مصر، لتسلّم الجثامين عقب الحادث، وعلمنا أن اللجنة رفضت أن توقّع على أي اتفاق بعد أن تحدثت المصادر المصرية عن العثور على مادة "تي إن تي" في هيكل الطائرة، ما أدى إلى رفض المصريين تسليم الأشلاء".

وتتطابق معاناة أهالي الضحايا، إذ يعاني هؤلاء من رفض جهات التحقيق تسليم الجثث أو الأشلاء التي تم انتشالها إلى ذويهم، على الرغم من إجرائهم تحليل "دي إن إيه"، وحصول الطب الشرعي على عينات الدم والجينات. كما تلفت عائلات الضحايا، إلى أنها لا تجد تجاوباً من المسؤولين المعنيين للرد على اتصالاتها، كما كان الوضع في الفترة التي أعقبت الحادث مباشرة.

وعلى الرغم من الخبر الذي نشرته "لوفيغارو"، في 19 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، عن قرب تسليم المصريين جثث الضحايا، إلا أن وزارة الخارجية الفرنسية كانت عاجزة عن تأكيد الخبر، كما أن المحامي بوزي، الذي لم يكن على علمٍ بالأمر، طلب من صحافيي لوفيغارو مصادر الخبر المنشور، غير أنهم رفضوا بحجة حقهم في عدم الكشف عن المصادر.


الخارجية الفرنسية: الأمر في يد القضاء


في المقابل، تواصل "العربي الجديد" مع مسؤولين في الخارجية الفرنسية، من أجل معرفة موقف السلطات الفرنسية من معاناة الأُسَر. غير أن مسؤولا من قسم شمال أفريقيا والشرق الأوسط في الوزارة، أكد أن "الأمر بيد القضاء الفرنسي، ولا يجب استباق أي قرار قضائي، وهو ما لا تقبله عائلات الضحايا التي تبحث عن استرداد أشلاء وجثث ذويهم، لدفنهم في وطنهم".

وسط كل هذا الغموض، يرى المحامي بوزي، أن هناك "وميضا للأمل"، إذ نقلت له بعض العائلات، التي يمثلها، أنها تلقت بريداً إلكترونياً من السلطات الفرنسية يستفسر عن "صيغ وطرق الدفن".

ويشير إلى أنّه لم يكن يتوقع هذا المستجد "الواعد" كما يصفه، إذ إن بوادر الحل ظهرت بعد وصول مسؤول مصري لمناقشة وقف تجميد أموال الرئيس المخلوع حسني مبارك في فرنسا.

دلالات