عمليات تجميل الأنف في السعودية... أخطاء باهظة

30 أكتوبر 2016
تكلفة إصلاح أخطاء عمليات تجميل الأنف باهظة (Getty)
+ الخط -
لم تكن الإعلامية السعودية خلود عبدالله، تعتقد أن عملية تجميل بسيطة في الأنف ستجعلها تعاني لأشهر طويلة، وتنفق ثلاثة أضعاف المبلغ الذي دفعته لطبيب تجميل شهير في جدة (غرب السعودية)، من أجل إصلاح الضرر الذي تسبب لها بمشكلة كبيرة في التنفس، أصابتها بصعوبات في النوم عانت منها أشهراً طويلة.

تتذكر خلود المأساة التي عانت منها قائلة لـ"العربي الجديد": "أزال الطبيب جزءاً من الغضروف الجانبي للأنف، وهو أمر لم يكن متفقاً عليه، عانيت من الجراحة لأكثر من عام، إذ تسببت في مشاكل صحية خطيرة بمجرى التنفس والجيوب الأنفية وفي نهاية الأمر دفعت 110 آلاف ريال (29 ألف دولار)، لعلاج الضرر الذي وقع، على الرغم من أن العملية الأساسية كلفتني 56 ألف ريال (نحو 15 ألف دولار)".

خلود ليست سوى واحدة من نحو 1730 مريضاً تقدموا بشكاوى للهيئة الصحية الشرعية (لجنة طبية قضائية)، المخولة بالتحقيق في الأخطاء الطبية، خلال الفترة من بداية العام وحتى نهاية أغسطس/آب من العام الجاري، يشتكون من تعرضهم لأخطاء طبية بعد خضوعهم لعمليات تجميلية، من بينها 950 شكوى محصورة في عمليات تجميل الأنف على وجه التحديد.

أخطاء المشاهير

عانت الكاتبة والإعلامية السعودية منى المسيري، من مشاكل صحية جراء عملية مماثلة، أدت إلى تشوهات خطيرة في الأنف والفك، بعد قص أطراف الأنف بشكل أكبر من المطلوب، إذ أزال الطبيب جزءاً أساسياً من الفك السفلي، الأمر الذي استغرق أربع سنوات بعد إجراء العملية من أجل إصلاح الضرر، والذي لم يختف تماماً، تقول المسيري لـ"العربي الجديد": "لا أعرف كيف ينال هؤلاء الأطباء زخماً إعلامياً كبيراً مع أن أخطاءهم توازي هذا الزخم، في تصوري هناك مشكلة في الرقابة، وزارة الصحة لا تقوم بعملها كما يجب".

على الرغم من أن الأطباء الذين يرتكبون تلك الأخطاء من المشاهير، ويتقاضون عشرات الألوف، وفقا لما يؤكده مختصون في جراحات التجميل تحدثوا مع "العربي الجديد"، فإن "سوق عمليات التجميل السعودية تعاني من فوضى وغياب الرقابة التي لا تعاقب الأطباء الذين يرتكبون أخطاء فادحة على الرغم من المعاناة التي يتسببون بها لمرضاهم مستقبلا".
 ويعد الأنف المنطقة الأكثر تعرضا للأخطاء الطبية التجميلية، يليه الفك، وفقا لما أكده أطباء التجميل الذين تحدثوا مع "العربي الجديد"، والذين اتفقوا على أن نحو 65% من الأخطاء في عمليات التجميل تكون في الأنف تحديداً، ولكن على الرغم من ذلك، تظل هذه الأخطاء مع كثرتها، أقل خطورة من الأخطاء الناتجة عن عمليات ربط المعدة، أو تحويرها، وهي عمليات باتت شائعة مؤخرا، فبحسب تقرير غير رسمي لمركز مكافحة السمنة (جمعية أهلية غير حكومية)، صدر في أغسطس/آب عام 2015، تتعرض نحو 34 سعودية لخطر الموت سنويا من أصل نحو 1300 ألف حالة تجري العملية ذاتها في كل عام، جراء مضاعفات غير متوقعة، لعمليات تحوير وتكميم وقص المعدة، فيما تبلغ نسبة المضاعفات غير المميتة أكثر من 13% من عمليات تخفيف السمنة، وهي تشمل عمليات تحوير وتكميم المعدة، البالون، وربط المعدة التي يزيد عددها عن 120 ألف عملية سنوياً، كلها تتم بدافع الحلم بالرشاقة.


هوس عمليات التجميل

يصل إنفاق المرأة السعودية على منتجات التجميل إلى أربعة آلاف دولار سنويا، من دون الأخذ في الاعتبار قيمة ونفقات عمليات التجميل، بحسب تقرير أصدره المعرض السعودي للجمال Saudi Health and Beauty، (فعالية سنوية متخصصة تعقد منذ عام 2014)، في إبريل/نيسان الماضي.

ووفقا للتقرير فإن حجم مبيعات تلك المواد في السعودية وصل لأكثر من ثمانية مليارات دولار في عام واحد، مع توقعات بأن ترتفع المبيعات بمقادر مليار دولار سنويا، بسبب إطلاق مراكز تجميلية جديدة في المدن الكبرى وتسويق ماركات عالمية جديدة، "غير أن المشكلة تكمن في أن هذا التوسع في تجارة منتجات التجميل والهوس المنتشر بعمليات التجميل، كان على حساب الجودة، وكانت النتيجة أخطاء في عمليات التجميل أكبر من أن يتم علاجها، وفي ظل عدم وجود أنظمة صارمة تحد من الأخطاء"، لا يتوقع الدكتور عبدالكريم ندا المتخصص في جراحات التجميل، أن يتوقف الأمر على المدى القصير.

ويؤكد الدكتور ندا، وهو أحد أهم المتخصصين السعوديين في عمليات التجميل، على أن المشكلة تكمن في استخدام أطباء التجميل في السعودية لأساليب قديمة عفى عليها الزمن في عمليات تجميل الأنف، وغياب الجهات التي تراقب وتحاسب، كاشفا لـ"العربي الجديد"، عن أنه يجري أسبوعيا معدل يزيد أو يقل عن 20 عملية إصلاح أخطاء، بمعدل يزيد على ألف عملية سنويا لإصلاح أخطاء زملائه من جراحي التجميل.

وتابع: "الأخطاء التي تقع فادحة"، وعلى الرغم من رفض الدكتور ندا في السابق، إجراء عمليات تصحيح لأخطاء الغير، لكن كثرة هذا النوع من العمليات أجبرته مع زميل يعمل معه على التركيز عليها، قائلا "لدينا أكثر من 90 حالة انتظار لإصلاح أخطاء الآخرين"، ويتابع:"لا بد أن تتدخل الهيئة السعودية للتخصصات الطبية (هيئة حكومية دورها مراقبة تأهيل الأطباء وتصدر لهم تصاريح العمل) ويكون لديها حلول للمشاكل التي تحدث".
 ويستلم الطبيب المتخصص في عمليات التجميل الدكتور مراد البشري زمام الحديث، مشددا على أن السبب ليس دائما إهمال من الطبيب، ولكن قد يكون كسل منه في تطوير قدراته، إذ يعتمد على أسلوب واحد في إجراء عمليات تجميل الأنف يطبقه على جميع مرضاه، وفقا لمشاهداته التي سجلتها خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الجاري، موضحا أن نحو 560 مريضا ومريضة خلال ذات الفترة، عانوا من أخطاء في عمليات تجميل الأنف، ويقول الدكتور البشري لـ"العربي الجديد": "غالبية الأطباء يعتمدون على تطبيق أسلوب واحد مع الجميع على الرغم من أن كل أنف يختلف عن الآخر حسب العرق والشكل، وبالتالي لابد من التعامل معه بشكل خاص، ولكنهم يجرون عملية واحدة لكل الأنوف، ويعتمد أسلوبهم على نحت وقص غضاريف الأنف الجانبية لجعلها أصغر وأطول، ولكن هذا الأسلوب يكون جميلا عند النظر له، ولكن لابد أن يكون ملائما لشكل الوجه أيضا".

وأوضح أن الأطباء السعوديين، يعملون على تجميل الأنوف العربية المختلفة تماما عن الأنوف الأوروبية أو تلك المنتشرة في دول البحر الأبيض المتوسط وهو ما يؤدي إلى أخطاء في عمليات التجميل بسبب اختلاف نوع تفاصيل الوجه، إذ لا بد من تماشي الأنف مع الوجه ارتفاعا وبروزا وحجماً وشكلا، وإلا سيكون مشوها، ويضيف: "بسبب ذلك صار عمل هؤلاء الأطباء ممن يستخدمون ذات التقنية معروفا، من دون الحاجة لقراءة ملف المريض، لدرجة عندما أشاهد أنف المريضة أعرف على الفور من هو الطبيب الذي أجرى لها العملية وتسبب في المشكلة، لأن كل طبيب يستخدم تكنيكاً واحداً لا يغيره لكل عملياته"، ويعتبر الدكتور البشري ما يحدث في عيادات التجميل "خطأ طبياً حقيقياً"، لأن الطبيب لم يحاول دراسة التشريح الطبيعي للأنف ويضيف: "بهذا الشكل يتسبب الطبيب في التصاقات أو كسور، لهذا هو من يجب أن يتحمل تكلفة الإصلاح، ولكن كثيراً من المرضى لا يجدون من ينصفهم ولا يجد هؤلاء من يردعهم".

يؤكد المستشار القانوني أحمد الراشد أن الأنظمة القانونية تلزم الأطباء الذين يتسببون في الضرر بنفقات العمليات التي يتم إجراؤها لإصلاح الأخطاء التي وقعوا فيها، بيد أن المشكلة تكمن في أن مدة التقاضي تكون طويلة جدا، وهو أمر قد لا يتحمله كثير من المرضى، ويقول لـ"العربي الجديد": "يتم توجيه الشكوى للهيئة الصحية الشرعية، وهي هيئة مستقلة مكونه من قضاة وأطباء ومدعين عامين، وينظرون في الشكاوى التي يتقدم بها المرضى، ليقرروا هل ثمة خطأ وقع هنا أم لا"، ويضيف: "لا بد أن يكون الخطأ ناتجاً عن إهمال أو تقصير من الطبيب، في هذه الحالة يتم تحميله تكاليف إصلاح الخطأ إن كان ممكنا، وغرامة أيضا تدفع للمتضرر، وقد يصل الأمر للسجن والمنع من مزاولة المهنة إن كان الخطأ فادحا، وأودى بحياة المريض".


تعمد الغش

"حسناً، ليسوا دائما كسالى، بعضهم يتعمد الإضرار بالمرضى من خلال استخدامه مواد رخيصة غير جيدة في إجراء عمليات تجميل الأنف"، كما يقول الدكتور عبدالجبار النصار، مدير المركز السعودي للتوعية (جمعية أهلية متخصصة في التوعية الصحية)، إذ يتعمد بعض الأطباء استخدام مواد رخيصة بهدف تحقيق المزيد من الربح، ويقول لـ"العربي الجديد": "بعض الأطباء للأسف لا يكتفي بأن يطلب مبالغ تتجاوز 74 ألف ريال (نحو 20 ألف دولار) على العملية الواحدة، ولكن يخدعون المرضى، باستخدامهم مواد غير جيدة وأدوات غير متخصصة، بهدف تحقيق المزيد من الربح، إذ يستخدمون غضاريف صناعية قليلة الجودة في الأنف، أو مواد سيلكون أقل من المواصفات المعتمدة طبيا".

يضيف النصار: "من ضمن السلبيات المتعارف عليها للمواد دائمة الخطورة تكرار الحقن في نفس المكان لتغيير الشكل باستمرار أو بسبب تعويض الهبوط الذي حدث للمواد المستخدمة في عملية التجميل بفعل الجاذبية، ومع وجود مثل هذه المواد الدائمة فإن فرصة حدوث الالتهابات تكون كبيرة"، ويتابع بتفصيل أكبر: "طبيعة مواد السيلكون أنها لزجة، وفي حال استخدام مواد غير أصلية، فإن لزوجة السيلكون تكون أقل، وبالتالي لا تثبت في مكانها، وتهبط للأسفل، مما يشوه المنظر تماما".


قوانين قاصرة

يتهم متضررون وزارة الصحة بأنها لا تفعل الكثير من أجل إنصافهم، وهو ما يتطابق مع ما رصده "العربي الجديد"، في 12 حالة، ما زالت تراوح مكانها في الهيئة الصحية الشرعية، منها حالتان غادر فيها الطبيب المتسبب في الخطأ البلاد قبل أن يتم التحقيق معه، غير أن المتحدث السابق لوزارة الصحة الدكتور خالد مرغلاني أكد لـ"العربي الجديد"، على أن أي عمل طبي، يخضع لقوانين ورقابة صارمة، قائلاً: "تشرف الصحة على كل القطاعات بما فيها التجميل، فلا توجد عملية غير ضرورية لإصلاح الأنف، هي تسمى عمليات تصحيحية أو تعزيزية وبعضها قد يكون ضروريا لإصلاح انحرافات في الأنف تعيق التنفس، ولكن لو حدث خطأ ما فمن حق المريض أن يطلب إصلاحه من الطبيب الذي تسبب في الخطأ، كما من حقه أن يعرف ما يتم علاجه به، وهي مواد معروفة طبيا، فلا يحق لأي طبيب أن يزعم أنه يستخدم مواد خاصة، كما لا يحق له إخفاء أي معلومة عن المريض، كما أن الطبيب يخضع للمسألة عند أي خطأ ويتحمل تبعاته".
 وتحاول وزارة الصحة السيطرة على الفوضى والتي تسببت في دخول دجالين في المجال، إذ قالت وزارة الصحة السعودية قبل شهر إن لجان التفتيش التابعة لإدارة الشؤون الصحية بمنطقة الرياض (العاصمة) قبضت على وافد عربي انتحل مهنة جراح تجميل دون أن تكون معه أي مؤهلات علمية، وقام بإجراء عمليات شفط دهون داخل أحد المجمعات الطبية الأهلية، وتسبب في وفاة مواطنة بعد إجرائها عملية شفط دهون بشكل خاطئ.

وكشفت الوزارة أن الهيئة الشرعية الصحية بجدة، تلقت قبل أسبوعين شكوى من أربعة سعوديين، وقعوا ضحية أخطاء تجميلية من قبل عيادات تجميل في جدة، مما تسبب في حدوث مضاعفات للبعض منهم، وأصدرت الهيئة أحكاما تضمنت دفع الدية للمتضررين بمبالغ تراوحت بين عشرة آلاف ريال (2666 دولاراً) و56 ألف ريال (14933 دولاراً).

غير أنه، وعلى الرغم من تزايد الأخطاء، يؤكد الدكتور ندا، أن نسبة عمليات التجميل ترتفع باستمرار، ويقول: "لدي جدول مواعيد ممتلئ للأشهر الستة المقبلة، أقوم أسبوعيا بعشرين عملية وفي الإجازات يرتفع العدد"، وبحسب الدكتور ندا فإن أكثر هذه العمليات شيوعا في السعودية هي لتجميل الأنف، وعمليات النحافة، ويضيف: "أجري سنوياً نحو 600 عملية إصلاح للأنف، وهي تستهلك الجزء الأكبر من وقتي"، أيضا يكشف الدكتور البشري أن عمليات إصلاح الأنف التي يجريها لا تقل عن 450 حالة سنويا".

وتتفق توقعات الدكتور ندا مع نتائج دراسة نشرتها جمعية جراحي التجميل العالمية في عام 2015، وحلت السعودية بها في المرتبة الـ 23 بين دول العالم والأولى بين الدول العربية في عدد عمليات التجميل، وكشفت الدراسة عن أن قرابة 225 جراح تجميل في السعودية أجروا 183 ألف عملية تجميل في عام 2015، وهو أكبر عدد من عمليات التجميل في الشرق الأوسط، وبحسب الدراسة يبلغ حجم سوق التجميل وجراحاته 1.2 مليار دولار سنويا، لا يقتصر ذلك على النساء فقط، إذ كشفت دراسة مماثلة قام بها عدد من طالبات كلية الطب في جامعة الملك سعود في الرياض ونشرتها الجامعة في إبريل/نيسان عام 2015 عن أن 30% من السعوديين يتطلعون إلى الخضوع لجراحات التجميل وأبرزها جراحة الأنف، وهم أيضا معرضون للأخطاء، تماما مثل النساء.
دلالات