- تضاعفت أعداد الإصابات بفيروس كورونا المستجد في قطاع غزة، بسبب الأفراح والمآتم السرية التي تقام في منازل المواطنين في مخالفة لتعليمات الشرطة والإجراءات الاحترازية، ما خلق بؤرا متعددة تضغط على المنظومة الصحية المنهكة، ونقل العدوى إلى مناطق كانت خالية.
- فوجئ العشريني الغزي محمود عوض بأن عينة فحص فيروس كورونا الخاصة به كانت موجبة، بعد يومين من حفل زفافه، إذ كان قد سحب العينة قبل مراسم الزفاف بيوم واحد، لكنه صافح وعانق معظم المشاركين في الحفل، الذي أقيم في منزل ضيق لا تتجاوز مساحته 80 مترا مربعا، بمدينة رفح جنوبي القطاع وبحضور أكثر من 70 مدعوا.
ظهرت أعراض الإصابة بكورونا على عوض بعد يومين من زفافه، إذ ارتفعت درجة حرارته وصاحبتها آلام في المفاصل وقشعريرة، ليطلب من الحاضرين إجراء فحص PCR، وبالفعل ثبتت إصابة 17 منهم بالفيروس، 10 منهم أقرباء ويسكنون نفس المدينة، و7 آخرون جاؤوا من محافظة خان يونس للمشاركة في الحفل السري والذي انتهك تعليمات الشرطة بمنع التجمعات والفعاليات، خاصة حفلات الزفاف وبيوت العزاء ضمن الإجراءات المتخذة للحد من تفشي فيروس كورونا داخل القطاع المحاصر.
تضاعف أعداد الإصابات
تسببت المناسبات العائلية، خاصة الأفراح وبيوت العزاء، في تزايد أعداد المصابين بـ"كوفيد-19" منذ مطلع نوفمبر/تشرين الثاني 2020، بنسبة وصلت إلى 50%، ثم تضاعفت هذه النسبة لاحقاً إلى 150%، بحسب ما توصلت إليه فرق التقصي الوبائي التابعة للطب الوقائي في وزارة الصحة بغزة، إذ وصل عدد الإصابات اليومية إلى 800 حالة بعدما كان القطاع يسجل ما بين 150 إلى 200 إصابة يومياً، والزيادة مستمرة. كما يقول سلامة معروف، رئيس المكتب الإعلامي الحكومي وموسى السماك نائب رئيس اللجنة الحكومية في القطاع، وإياد البزم الناطق باسم وزارة الداخلية .
وتسببت 100 مناسبة اجتماعية، أقيمت بشكل سري ومخالف للتعليمات، في انتقال العدوى إلى مناطق كانت خالية من الفيروس كما يوضح معروف، مشيرا إلى أن الزفاف الذي أقيم في مدينة غزة نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ونتجت عنه إصابة 25 شخصاً من المشاركين فيه، وهو ما أدى إلى اتساع دائرة المخالطين، وبالتالي تسجيل عشرات الإصابات اليومية.
وثبت أن بيوت العزاء والأفراح هما المسببان الرئيسيان للإصابات المسجلة حديثا، وما زالت هناك عائلات لا تلتزم بالإجراءات المعلنة. كما يقول البزم، مستدلا بالدراسات التي قامت بها جهات الاختصاص وتتبع للخريطة الوبائية.
أفراح سرية
حافظت مدينة رفح، الواقعة جنوبي غزة، على عدد إصابات يومي محدود لم يتجاوز 12 إصابة حتى مطلع نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، لكن فرحا وبيت عزاء أقيما في منزلين غربي وشرقي المدينة، تسببا في انتشار الفيروس على نحو مجتمعي غير مسبوق، كما يقول المهندس محمد الشريف، عضو لجنة الطوارئ المركزية المنوطة بها مواجهة الفيروس في رفح.
فجأة أصبحنا أمام عشرات الإصابات اليومية وصلت في بعض الأيام إلى 110 حالات، كما يقول الشريف، وأصيبت عائلات بأكملها بالفيروس، منها 4 عائلات في رفح تكشفت إصابتها في غضون 5 أيام، وهو ما تطلب عقد لقاءات متتالية مع قيادة الشرطة ولجنة الطوارئ، نتج عنها حجر أكثر من 40 أسرة منزلياً، ووضع حراسة شرطية على باب كل منزل محجور على سكانه، مع توفير متطلبات العائلات، في محاولة لحصر بؤر التفشي، كما جرى التواصل مع وجهاء العائلات وطُلبت منهم المساعدة في منع إقامة الأفراح في البيوت. بحسب توضيح الشريف.
وتسبب فرح أقيم على سطح منزل ضيق لعائلة كبيرة شرق مدينة رفح مطلع الشهر الماضي، بمشاركة أكثر من 100 سيدة وطفل، في وقوع 50 إصابة بالفيروس، ونقل العدوى لمناطق واسعة في المدينة، وفق ما كشفه لـ"العربي الجديد" مصدر في لجنة الطوارئ رفض ذكر اسمه لعلاقته بالعائلات، ووفق ما أكده 4 غزيين أقاموا أفراحاً في منازل ضيقة وبصورة سرية، فإنهم اضطروا لإقامة مراسم الفرح بهذا الشكل بعد إغلاق صالات الأفراح ومنع إقامة المناسبات فيها، وحظر إقامة حفلات في الشوارع.
لكن الشرطة تتابع الأمر ولم تغفل عنه بحسب الشريف، إذ فضت 40 فرحاً وبيت عزاء تم الإبلاغ عنها في شهر نوفمبر وحتى العاشر من ديسمبر/كانون الأول في مدينة رفح وحدها، لكن المشكلة أن بعض الأفراح تقام داخل المنازل بصورة سرية من دون علم الشرطة، وبعد فحص المصابين وسؤالهم عن المخالطين، تكتشف جهات الاختصاص أن مصدر الإصابة كان فرح في منزل، وتصبح لجان التقصي الوبائي أمام وضع حرج في محاولة لحصر المخالطين.
استهتار وعدم التزام
سارعت إحدى العائلات في محافظة خان يونس بنقل بيت عزاء أقامته بعد وفاة أحد أبنائها إلى منزل يقع في شارع آخر، بعد وصول الشرطة والطلب منهم فض التجمع، إذ برر أحد أفراد العائلة لـ"العربي الجديد" ذلك، بقوله "إن الناس تصل لمواساتنا ولا يمكننا طردهم أو الاعتذار عن استقبالهم".
أما الخمسيني محمد رشدي، ففوجئ بامتلاء منزله الذي لا تزيد مساحته على 70 متراً مربعاً بالنساء اللواتي جئن لحضور حفل زفاف ابنته، رغم أنه اتفق مع ذوي العريس على إقامة حفل محدود في منزله بمخيم خان يونس، لكن الجيران والأقارب تدفقوا، وفق قوله، ومنهم من كان مخالطا لمصابين، أو تظهر عليه بعض الأعراض، ما دفعه لفض الفرح سريعاً، والطلب من الجميع المغادرة، وبدأ بتعقيم المنزل.
بينما رفض الشاب إبراهيم حماد إقامة فرحه في إطار ضيق، وقرر الفرار إلى منطقة ريفية، حيث أقام ما يشبه صالة أفراح مغطاة بقطع كبيرة من القماش "شادر"، على أرض خالية بمساحة 100 متر مربع، ودعا العشرات إليها، وتقول الغزية إيمان عبد الله، إحدى المدعوات، إنها ارتدت كمامة وتوجهت للفرح برفقة ابنتها، لكنها بمجرد الوصول صدمت بتقارب الموجودين وازدحام المكان وسخونة الهواء، فغادرت مسرعة، وعلمت لاحقا أن الكثير من أقارب العروسين أصيبوا بالفيروس، جازمة أن السبب كان مشاركتهم في ذات الفرح.
مناطق حمراء
صُنفت 80 منطقة من أصل 94 في القطاع أنها "مناطق حمراء" حتى 22 نوفمبر الماضي، بحسب معروف، الذي يؤكد أن انفجار الإصابات في تلك المناطق بسبب الأفراح وبيوت العزاء غير المنضبطة. علماً أن القرار المتخذ وساري المفعول هو منع إقامة الأفراح وبيوت العزاء، وفي حال الضرورة تقام المراسم بإطار ضيق بما لا يتجاوز 15 شخصاً، وفق البزم.
وتعد المناطق الحمراء الأكثر اكتظاظا في القطاع، ويقول نائب المدير العام للرعاية الأولية لشؤون الصحة العامة بوزارة الصحة مجدي ضهير :"وصلنا إلى مرحلة تفش عالية في المجتمع و90% من المناطق المأهولة بالسكان مصنفة أنها حمراء".
ويحذر الدكتور عبد المنعم لبد، بروفيسور علم الأمراض وعضو اللجنة التنسيقية لوباء كورونا في قطاع غزة، من سرعة وسهولة انتقال الفيروس في المناطق المزدحمة، التي يحدث فيها تقارب وتخالط بين الناس، خاصة في الأفراح وبيوت العزاء.
إجراءات عقابية
عدم الالتزام بالقرارات المعلنة وإصرار بعض العائلات على إقامة الأفراح في بيوت ضيقة، وبشكل غير معلن دفع وزارة الداخلية لاتخاذ قرارات صارمة وفق البزم، الذي يوضح بأن الداخلية أصدرت قرارا بتوقيف العريس لدى الشرطة في ليلة زفافه، في حال خالف الإجراءات الوقائية، بالإضافة لتوقيف ومصادرة سيارات الزفة المتنقلة "الفدعوس"، التي تشارك في إحياء الفرح في الشوارع.
وفي 20 نوفمبر المنصرم، فضت الشرطة في يوم واحد 20 تجمعاً مخالفاً لمواطنين، من بينها أفراح وبيوت عزاء، في حين فرقت تجمعات المواطنين في 1000 فرح وبيت عزاء حتى 6 ديسمبر، وأوقفت مواكب زفاف محمولة، من بينها موكبان في حي الرمال وسط مدينة غزة في الرابع عشر من الشهر ذاته، إذ يقول المقدم محمد الشرافي، مدير مركز شرطة الرمال، إنه تم ضبط موكبي زفاف مُخالفَيْن لتعليمات منع التجمهر، وجرى إلزام أصحاب الزفاف بالاقتصار على عدد محدود جداً من المواطنين بما لا يتجاوز مركبتين اثنتين.
ووفق الشرافي تم أيضا توقيف 14 شخصاً من فِرق إحياء الحفلات المصاحبة لحفلي الزفاف، واتخاذ الإجراءات القانونية بحقهم تمهيداً لإحالتهم إلى النيابة وفق الأصول، فيما تمت مصادرة الآلات والمعدات التي كانت بحوزتهم، مؤكدا أن هذه السلوكيات مخالفة للقرارات التي أعلنتها وزارة الداخلية.
وتزامنا مع فض الأفراح، شددت الشرطة الإجراءات على البيوت الخاضعة للحجر المنزلي، وفق البزم، مشيرا إلى أن هناك لجنة مُشكلة في وزارة الداخلية لمتابعة ذلك، وتقوم حالياً بتأمين 1450 منزلا، يخضع سكانها للحجر، خاصة أن بعض السكان يحاولون الهروب بطريقة أو بأخرى.
ونص البند الثاني من القرارات التي أعلنها الناطق باسم وزارة الداخلية في 12 نوفمبر الماضي على أن:"تُمنع التجمعات بما يزيد عن 15 شخصاً، ويشمل ذلك بيوت العزاء والأفراح".
وقررت وزارة الداخلية في 19 نوفمبر الماضي فرض عقوبات جديدة على مخالفي الإجراءات، منها معاقبة أي مخالط يقوم بخرق إجراءات الحجر الصحي المنزلي بالحبس مدة 30 يوماً، ومعاقبة أي مصاب يقوم بخرق الحجر الصحي المنزلي بالحبس مدة ثلاثة أشهر، وتحويل المخالفين لقرار منع التجمعات للنيابة العامة. غير أن النيابة العامة لم تحل أي مخالف ممن خرقوا التعليمات الخاصة بالأفراح والمآتم إلى القضاء، واكتفت بكتابة تعهدات ومصادرة المعدات الخاصة بالزفة، وتوقيف بعض المشاركين لدى الشرطة 48 ساعة، بحسب البزم، وهو ما دفع مدير شرطة رفح العقيد رأفت سلامة إلى الطلب من مؤسسات المجتمع المدني والمثقفين مساعدة الشرطة وجهات الاختصاص للحد من ظاهرة إقامة الأفراح والمناسبات بشكل سري في المنازل، لما لذلك من تداعيات خطيرة، فيما بدأت وزارة الصحة في حملة إعلانية تحذر من خطورة التجمعات في الأفراح في زمن كورونا .
الضغط على المنظومة الصحية المتهالكة
بلغ عدد الإصابات بكورونا 27434 حالة في القطاع المحاصر حتى 11 ديسمبر/كانون الأول 2020. وتسببت هذه الزيادة بالضغط على المنظومة الصحية المنهكة في قطاع غزة، وفقاً للناطق باسم وزارة الصحة بغزة الدكتور أشرف القدرة، والذي يؤكد أن هناك زيادة سريعة في عدد الإصابات، وهذا يدلل على انتشار كامل للفيروس، محذرا من أن الأرقام الكبيرة تضغط على النظام الصحي، قائلا: "نحن أمام مشهد ينذر بالأسوأ أمام استهتار المواطنين، خاصة أن القدرة السريرية بدأت تنحصر في المستشفيات التي تعالج المصابي بكورونا جراء زيادة الإصابات".
ويضيف القدرة أنه لا يوجد في القطاع سوى 170 سرير عناية مركزة، 85% منها مشغولة، وكلما زادت الإصابات سيزيد الضغط على غرف العناية المركزة، وثمة تخوف من الموجة الجديدة التي ستكون أشد في الشتاء والمهم الآن وعي المواطن، واتخاذ إجراءات بسيطة تتمثل بلبس الكمامة والتباعد الجسدي، ومنع التجمعات. على حدّ قوله.