الخطف مقابل الفدية... عصابات لبنانية وسورية تنشط في المناطق الحدودية
تتزايد جرائم الخطف وطلب الفدى في لبنان وسورية، إذ تنشط عصابات في المناطق الحدودية تستدرج الضحايا من البلدين أو تترصدهم وتنقلهم إلى أوكارها البعيدة عن سيطرة الدولة، في ظل إحجام البعض عن الإبلاغ خوفاً من التهديدات.
- نجا العشريني اللبناني حسن عطوي من شَرَك عصابة خطْف بشق الأنفس، إذ كاد أن يفقد حياته بعدما نجحت في استدراجه عبر صفحة على موقع "فيسبوك" لمكتب سفريات يروج لإعلانات هجرة، وعقب أيام من الاستفسار حول التفاصيل، تواعد عطوي مع الموظف للذهاب إلى المكتب الموجود في قرية كفر رمان في محافظة النبطية، جنوب البلاد، ولدى وصوله أقله شخصان في حافلة صغيرة، وتذرعا بالتوجه إلى منطقة البقاع لاصطحاب عائلة تريد السفر، لكن الطريق طال، ووجد نفسه أمام سيارة "جيب" وبداخلها مسلحون، اقتادوه إلى مدينة بعلبك، شمال شرق بيروت، ثم اصطحبوه سيرا على الأقدام في طريق جبلية حتى دخلوا الأراضي السورية، كما يقول والده مصطفى لـ"العربي الجديد"، مضيفا أنه تلقى في الثالث من إبريل/ نيسان عام 2022 اتصالا من رقم هاتف لبناني، يقول له "ابنك معنا"، ثم طلبوا مبلغ 27 ألف دولار للإفراج عنه.
لم يكن بمقدور العائلة تأمين الفدية، وهددتها العصابة بقتله وضغطت عليها عبر إرسال مقاطع صوتية بينما أفراد العصابة يضربونه ويعذبونه على مدار أسبوع، ليبلغ الوالد مخابرات الجيش اللبناني وتبدأ المفاوضات من جديد، حتى تم الإفراج عنه مقابل 6 آلاف دولار في 10 إبريل 2022.
قبل الحادثة، لم يخطر في بال حسن أن مقابلة في مكتب سفريات يمكن أن تكون طعما ناجحا من عصابة خطف وطلب الفدية، غير أن تكرار الأمر وتحديدا عبر عصابات لبنانية سورية مشتركة لفت انتباه المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي اللبنانية، بحسب مصادر التحقيق.
ارتفاع عدد حوادث الخطف
"شهدت بعض المناطق في لبنان خلال عام 2022 ارتفاعاً ملحوظاً في عدد حالات الخطف، في ظل عدم الاستقرار الأمني، مع ما يرافقه من ارتفاع معدلات الفقر وانهيار قيمة الليرة"، بحسب تقرير "تحسن المؤشرات الأمنية في عام 2022 ما خلا جرائم الخطف"، والذي أصدرته الشركة الدولية للمعلومات (بحثية مستقلة)، في 7 يناير/ كانون الثاني 2023.
سُجلت 50 حالة خطف خلال عام 2022
وتعكس البيانات المنشورة في تقارير المديرية العامة للأمن الداخلي هذا التزايد، إذ بلغ عدد حوادث الخطف 16 حالة في عام 2019، وارتفعت إلى 47 حالة في عام 2020، ثم انخفضت إلى 17 حالة عام 2021 (وقت انتشار جائحة كورونا)، فيما وصلت عام 2022 إلى 50 حالة خطف، أي بزيادة مقدارها 194% عن العام السابق، بينما وقعت 13 عملية خطف منذ مطلع عام 2023 وحتى نهاية مايو/ أيار الماضي، بحسب بيانات الدولية للمعلومات.
وتكشف البيانات التي حصل عليها "العربي الجديد" من قوى الأمن الداخلي أن 72% من المخطوفين لطلب فدية عام 2022 كانوا من الأجانب، ومعظمهم سوريون، بينما نسبة المخطوفين من الجنسية اللبنانية وصلت 28%، وكان 75% من عناصر تلك العصابات سوريون، و25% يتحدرون من جنسيات لبنانية وفلسطينية وأخرى.
%72 من ضحايا الخطف في لبنان أجانب
و"يعدّ ارتفاع عدد حوادث الخطف مؤشّراً خطيراً على وجود عصابات منظّمة تمتهن تلك الأعمال الإجرامية، خاصة أن بعض حوادث الخطف لا تصل للأجهزة الأمنية ولا يتم إبلاغها بها في محاولة لإيجاد حلول بين ذوي المخطوف والخاطفين"، بحسب ما جاء في تقرير "الدولية للمعلومات" آنف الذكر، وهو ما يؤكده المحامي جاد طعمة، الذي اطلع على العديد من قضايا الخطف ويعمل في مكتبه ببيروت، مشيرا إلى أنه "لا تسجل جميع جرائم الخطف مقابل فدية في بيانات قوى الأمن الداخلي، لأن البعض عندما يُخطف أفراد عائلاتهم لا يتواصلون مع الأمن، وفي حالات كثيرة لا يمكنهم التحدث إلى قوى الأمن بسبب تهديدات الخاطفين الذين يتركز يتركز نشاطهم في مناطق حدودية بسبب وجود قوى الأمر الواقع، بخاصة في بعلبك، ولا تسمح للقوى الأمنية الشرعية أن تفرض وجودها"، مؤكدا على ضرورة بسط السيطرة من قبل قوى الأمن على كافة النقاط الحدودية، وخاصة التي أصبحت بوابات تهريب بشر وبضائع ولم تعد خافية على أحد.
بينما يرفض المستشار الإقليمي السابق في اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الاسكوا) وخبير التنمية المستدامة أديب نعمة ربط الظاهرة بالأزمة الاقتصادية، معتبراً أن السبب وراء الجرائم هي "الدولة الفاشلة"، موضحا أن "عصابات الخطف مقابل فدية هم بالأساس شبكات منظمة أو عصابات محلية أو فئات محمية تستغل عدم قيام الدولة بدورها في حماية مواطنيها"، وتابع: "الموطن المسحوق اقتصادياً يعيش حالة ضعف شديد إلى درجة لا يستطيع معها أن يسحب السلاح ويطلق النار على الناس أو خطفهم".
مكاتب وهمية تستدرج الضحايا
"تستخدم عصابات الخطف شَرَك مكاتب سفر وهجرة وهمية، ومعظم الخاطفين من جنسيات غير لبنانية، ولهذا السبب نجحت مخططاتهم لأنهم يتجهون بالضحايا خارج الحدود، ومن بينهم أطفال ونساء، وأفراد تلك العصابات من أصحاب السوابق الذين يستغلون حاجة الناس للسفر بسبب الأوضاع الاقتصادية في لبنان وسورية، ويسلكون طرق الخطف ذاتها"، بحسب مصدر قيادي في قوى الأمن الداخلي، طلب عدم الكشف عن اسمه كونه غير مخول بالتصريح لوسائل الإعلام، قائلا: "رصدنا عمليات الخطف من أجل سرقة السيارات في البداية، ثم خطف رجال الأعمال بهدف الحصول على مبالغ مالية كبيرة كفدية، وأخيرا خطف ضحايا من الراغبين في الهجرة ولديهم إمكانية لدفع كلفة تلك العمليات"، مضيفاً أن "طريقة تمييز المكاتب الوهمية ليست سهلة، بخاصة أن صفحاتهم لديها الكثير من المتابعين، وتلقى تفاعلا كبيرا، ولتجنب هذه المكاتب يجب اللجوء لوكالات رسمية مرخصة فقط من أجل السفر عبر مطار بيروت وليس عبر الحدود".
وتتم عملية الاحتيال في اتجاهين، بحسب توضيح المصدر السابق، إما باستدراج الضحايا الموجودين في لبنان عبر إيهامهم بتأمين هجرتهم أو فيزا، ومن ثم خطفهم باتجاه الأراضي السورية الخارجة عن سيطرة الدولة، أو اقتيادهم من سورية إلى لبنان عبر المعابر غير الشرعية، وهو ما حدث مع السوري مازن محمود (اسم مستعار بسبب تهديد الخاطفين له)، والذي قرر الهجرة إلى ألمانيا عبر لبنان من أجل لم شمل العائلة مع ابنتهم التي استقرت هناك منذ 2016، وتواصل مع صفحة على "فيسبوك" (يحتفظ "العربي الجديد" باسمها)، ووعده المتحدث الذي عرف عن نفسه بأبو قصي بتأمين هجرتهم بالاستعانة بعلاقاته مع موظفين في منظمة الأمم المتحدة، وأبلغه بأنه سيصطحبه مع عائلته من جسر المصفاة بحمص إلى مقر UN في لبنان لإجراء مقابلة هناك، ومن ثم ستتم إعادتهم إلى حمص مقابل مبلغ مليون ليرة سورية (108 دولارات)، وبالفعل اصطحبهم سائق السيارة في 27 يونيو/ حزيران 2022 إلى بلدة الحديدة، غرب حمص، ثم طلب منهم الترجل من السيارة واقتادهم سيرا على الأقدام لمسافة 200 متر، ليخرج مسلحون على دراجات نارية رافقوهم حتى الوصول إلى نهاية الحديدة، وجرى نقلهم عبر الدراجات النارية إلى منطقة وادي خالد في قضاء عكار، شمال لبنان، وعند نقطة محددة أكملوا السير مشيا حتى التقوا بشخص قبض منه المبلغ، ثم حضر شخص بسيارة واصطحب ابن مازن وابنته اللذين كانا برفقته، أما هو وزوجته فرافقهما شخص يدعي أنه من الأمن العام اللبناني حتى تخطيا حاجزا للجيش اللبناني ثم وصلوا إلى منطقة أكروم بلبنان، وكان بانتظارهم 3 أشخاص أخذوهم على دراجات نارية إلى مزرعة في قرية زيتا السورية، غرب مدينة القصير في ريف حمص الغربي، بحسب رواية مازن، الذي ظل يتعرض للتعذيب والتهديد 27 يوما، بينما تفاوض عائلته الخاطفين، حتى اتفقوا على دفع مبلغ 7 آلاف دولار، وجرى تسليمه في 24 يوليو/ تموز المنصرم، لكنه ما زال يتلقى تهديدات من الخاطفين لدفع ما تبقى من المبلغ المطلوب، علما أن شقيقه أبلغ إدارة الأمن الجنائي في ريف دمشق بشأن حادثة الخطف، مستفيدا من رقم لوحة سيارة الخاطفين التي التقط لها مازن صورة قبل أن يصعد إليها، وأرسلها عبر واتساب إلى هاتف زوجته الثانية. وتوصّلت إدارة الأمن الجنائي لصاحبها (يحتفظ "العربي الجديد" باسمه)، والذي تم إيقافه بجرم الخطف وتهريب الأشخاص، بحسب محضر الضبط رقم 730 الذي حصل عليه "العربي الجديد" والمُحرّر في 9 أغسطس/ آب 2022.
وللتأكد من استمرارية عمل العصابة تلك، تواصل معد التحقيق مع الصفحة ذاتها التي تواصل معها مازن، مدعيا أنه سوري ويريد العبور إلى لبنان ثم السفر إلى أوروبا، فتواصل معه شخص عرف عن نفسه بأبو قصي، وعرض عليه إمكانية تأمين هجرة إلى كندا مقابل 6 آلاف دولار على أن يكون الدفع عند وصوله إلى هناك، وهي الحيلة ذاتها التي استدرجوا بها مازن وزوجته واختطفاهما من أجل المطالبة بالفدية.
استغلال المناطق الحدودية
تنشط عصابات الخطف في المناطق الحدودية بين سورية ولبنان، مثل البقاع الشمالي الذي يشكل وجهة أساسية لها، إذ يستدرجون الضحايا إلى هناك، بالإضافة إلى قضاء عكار، شمال لبنان، بحسب المصدر الأمني، و"لا تقتصر أساليب الإيقاع بالضحايا على المكاتب الوهمية فقط، إذ نشأت عصابات في بداية الأزمة المالية بلبنان، تستدرج المواطنين إلى مناطق مثل قرية شتورة في قضاء زحلة بمحافظة البقاع، عبر إغرائهم بسيارات معروضة للبيع بأسعار منخفضة، أو تصريف أموال بسعر مغر، وشراء شيكات"، بحسب الرد الذي تلقاه "العربي الجديد" من الأمن الداخلي، محذرا من خطف مغتربين للمطالبة بفدية، أو اعتراض أشخاص وسلب أموالهم وسياراتهم. كما لجأ الخاطفون إلى انتحال الصفة الأمنية للتحايل على الضحايا.
الأسلوب السابق، واجهه الخمسيني السوري المقيم في لبنان خميس صفوان (اسم مستعار)، والذي عمل محاسبا في مجموعة محال في طرابلس، شمال لبنان، وكان يجمع مردود البيع يوميا حتى يسلمه لصاحب العمل، وفي 8 سبتمبر/أيلول 2019، أوقفته مركبة عند منتصف الليل في محلة العرقوب بمنطقة أبي سمراء، شمال مدينة طرابلس، وخرج منها مسلحون يرتدون زي أمن دولة وعرّفوا أنفسهم بأنهم من فرع القوة الضاربة التابع للجيش اللبناني، وطلبوا منه الصعود إلى السيارة، ثم توجهوا به نحو جرود قضاء الضنية وسلبوا منه الأموال، وخلال مسيرهم في طريق جبلية باتجاه الهرمل تعطلت السيارة، فانتبه صيادون كانوا في المنطقة وشكوا بأمرهم، وعندما بدأ الضحية بالصراخ اشتبك الصيادون مع العصابة وتمكنوا من تحريره وإلقاء القبض على المسلحين الثلاثة وتسليمهم لمخابرات الجيش اللبناني.