ارتكاب أمر موحش... تنكيل بالمعارضين التونسيين عبر قانون من زمن "البايات"
يستدعي النظام التونسي نصا قانونيا من زمن الملكية أو ما يعرف بعهد البايات تنكيلا بمعارضيه على خلفية منشورات على "فيسبوك"، إذ تجري محاكماتهم بتهمة ارتكاب أمر موحش ضد رئيس الجمهورية، رغم عدم تطبيقه حتى في عهد بن علي.
- حُرم النائب التونسي ياسين العياري، رئيس "حركة أمل وعمل" الممثلة في البرلمان المنحل، من حضور جنازة والدته المتوفية في 15 مارس/آذار الماضي، إذ يقيم في فرنسا، حتى لا يزج به في السجن بعدما قضت محكمة عسكرية غيابيا في 18 فبراير/شباط الماضي بسجنه 10 أشهر، لإدانته بتهمة القيام بأمر موحش (إهانة) ضد رئيس الجمهورية، ونسبة أمور غير حقيقية لموظف عمومي، والمس بمعنويات الجيش، على خلفية منشورات على صفحته في موقع "فيسبوك" وصف فيها التدابير الاستثنائية التي أعلنها الرئيس قيس سعيد في 25 يوليو/تموز 2021 بالانقلاب، كما يقول لـ"العربي الجديد".
وسبق للعياري، النائب عن دائرة فرنسا 1، في مجلس نواب الشعب الذي تم حله بقرار رئاسي في 30 مارس الماضي، قضاء عقوبة السجن لمدة شهرين في المرناقية جنوب غرب العاصمة بعد اعتقاله في 30 يوليو 2021، عقب حكم صدر عن المحكمة العسكرية بالعاصمة، على خلفية منشور على صفحته بموقع "فيسبوك" انتقد فيه الرئيس عام 2018.
الهروب من المشاكل الاقتصادية
تكرر ما وقع للعياري، مع خمسة ناشطين من المشتغلين بالعمل السياسي والإعلامي، إذ يواجهون تهمة ارتكاب "أمر موحش" ضد رئيس الجمهورية، ومنهم المدون عمارة بن منصور، والذي وجهت له في العاشر من آذار/ مارس الماضي على خلفية منشور على صفحته، انتقد فيه استغلال رئاسة الجمهورية لموارد الدولة من أجل تنظيم ما يسمى الاستشارة الشعبية الإلكترونية (استفتاء)، بينما يعيش المواطن أزمة ويعاني من أجل التزوّد بالمواد الغذائية الأساسية، كما يقول لـ"العربي الجديد" مضيفا: "تمت مواجهتي بتهمة ارتكاب أمر موحش في منطقة الحرس الوطني بالعامرة في محافظة صفاقس جنوب شرق تونس، حيث أعيش"، وسبق ذلك صدور حكم غيابي ضد النائب المستقيل من ائتلاف الكرامة، والمدون راشد الخياري (يقيم في فرنسا حاليا) والملاحق منذ 27 يوليو 2021 بسبب منشورات كذلك إذ تمت إحالته للمحاكمة بتهم منها القيام بما من شأنه أن يضعف في الجيش روح النظام العسكري والطاعة للرؤساء أو الاحترام الواجب لهم وانتقاد أعمال القيادة العامة، كما صدر حكم غيابي على النائب المستقل عصام البرقوقي والمتواجد خارج تونس إذ قضت الدائرة الجناحية بالمحكمة العسكري غيابيا في 2 مارس الماضي بسجنه 10 أشهر بتهم تعلقت بالمس من كرامة الجيش الوطني وارتكاب أمر موحش ضد رئيس الجمهورية، وفق ما ترصده المحامية إسلام حمزة، منسقة مجموعة محامون لحماية الحقوق والحريات لـ"العربي الجديد".
وتأتي الأحكام بينما "تعمَّقت الأزمة الاقتصادية في البلاد، إذ وصلت نسبة العجز المالي بحلول نهاية العام الماضي إلى 7.6%، كما بلغت نسبة البطالة 18.4% في الربع الثالث من ذات العام"، بحسب تقرير حالة حقوق الإنسان في تونس خلال عام 2021، الصادر عن منظمة العفو الدولية نهاية العام الماضي، وبينما تتردى الأحوال الاقتصادية قرر قيس سعيد في 30 مارس 2022 حل البرلمان، وفي اليوم التالي استدعت وحدة مكافحة الإرهاب أكثر من ثلاثين سياسياً شاركوا في جلسة برلمانية عبر الإنترنت في 28 مارس الماضي، رغم أنها الأولى منذ تعليق عمل البرلمان، بينهم رئيس حزب النهضة، راشد الغنوشي، حسبما تقول النائبة عن حركة النهضة والمحامية زينب براهمي.
لاحقا تمت إحالة 120 نائبا برلمانيا للتحقيق، بتهم خطيرة منها التآمر على أمن الدولة والتي تصل عقوبتها إلى الإعدام، على خلفية عقدهم الجلسة البرلمانية، التي هدفت للدفاع عن الديمقراطية والحقوق والحريات، وفق ما توضحه براهمي لـ"العربي الجديد".
ويعلق بسام الطريفي، نائب رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان (تأسست في 7 مايو 1977) على استهداف المعارضين عبر تلك التهم، قائلا لـ"العربي الجديد": "عندما تكون السلطة في أزمة ويضيق عليها الخناق، ولا تجد حلولا للمشاكل الاجتماعية والاقتصادية، تلجأ إلى المحاكمات لإخماد صوت المعارضين والمدونين والصحافيين".
قانون مهجور للتنكيل بالمعارضين
"تستخدم النيابة العمومية قوانين قمعيّة سُنّت قبل الثورة التونسية لملاحقة منتقدي سعيّد ممن يصفون تولّيه لسلطات استثنائية منذ 25 يوليو 2021 بـ "الانقلاب"، ومن بين خمس قضايا متعلقة بحرية التعبير راجعتها هيومن رايتس ووتش، هناك شخص يقضي حاليا عقوبة في السجن بتهمة الإساءة للرئيس، من بين تهم أخرى، وثلاثة آخرون قيد المحاكمة بتهمة التشهير بالجيش والإساءة للرئيس، وشخص خامس قيد التحقيق الجنائي باتهامات مماثلة"، وفق ما نشره موقع المنظمة في 23 ديسمبر/كانون الأول، بعنوان "محاكمات عسكرية ومدنية بتهمة الإساءة للرئيس".
ووردت تهمة ارتكاب أمر موحش ضد رئيس الجمهورية في الفصل 67 من المجلة الجزائية والتي صدرت في عام 1913 ويندرج ضمن الاعتداء على النظام العام، بحسب المحامي مالك بن عمر، الكاتب العام لمرصد الحقوق والحريات بتونس (مستقل)، والذي قال إن هدف القانون كان حماية العائلة الحاكمة في زمن البايات (كلمة تركية الأصل وتعني السيد أو الأمير)، وأبقى الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة عليه بعد تنقيح كلمة باي لتتحول إلى رئيس.
ونص الفصل الأصلي قبل تنقيحه على أنه: "يعاقب مرتكبه بالسجن 3 أعوام وبخطية قدرها ألف فرنك كل من يرتكب أمرا موحشا ضد الأمير أو أعضاء عائلته"، وبعد تنقيحه نص على أن "يعاقب بالسجن مدة ثلاثة أعوام وبخطية قدرها 240 دينارا تونسيا (77 دولارا أميركيا) أو بإحدى العقوبتين كل من يرتكب أمرا موحشا ضد رئيس الدولة"، كما يوضح بن عمر، مضيفا لـ"العربي الجديد": "بما أن رئيس الجمهورية هو القائد الأعلى للقوات المسلحة، فإن انتقاده أو المس بشخصه يندرج ضمن ما يعاقب عليه الفصل 67، رغم أنه لم يتم تحديد الفعل الموحش في هذا الفصل، وبالتالي فالنص قابل لأي تأويل وأي انتقاد قد يعتبر أمرا موحشا".
الفصل 67 من النصوص القانونية المهجورة والتي لم تطبق في عهد بن علي
وبينما طُبق الفصل في فترة الرئيس الباجي قائد السبسي، إذ رفعت 4 قضايا حسب الفصل 67 ترافع فيها بن عمر، لكن القضاء حينها حكم بعدم سماع الدعوى نظرا للمناخ العام المدافع عن الحريات، مضيفا أن الفصل 67 ظل من النصوص القانونية المهجورة، ولم يكن يطبق حتى في عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي.
لكن "من أخطاء سنوات ما بعد ثورة 2011 عدم الانتباه لهذا القانون الذي يجب التسريع بإلغائه وتنقيح مجلة المرافعات والعقوبات العسكرية من الأمور الشبيهة من أجل تحصين الديمقراطية بواسطة قوانين عصرية" كما تقول شيماء عيسى، عضو الهيئة التنفيذية لمبادرة مواطنون ضد الانقلاب، مضيفة لـ"العربي الجديد"، الوضع الحقوقي يتراجع في ظل نظام يحتكم إلى سلطة الفرد ويستهدف المعارضين عبر محاكمات على خلفية إبداء آرائهم والتعبير عنها على وسائل التواصل.
محاكمات عسكرية للمدنيين
خضع 6 تونسيين لمحاكمات عسكرية بين أعوام 2011 و2019 في مقابل 10 حالات خلال أغسطس/آب وسبتمبر وأكتوبر/تشرين الأول 2021، بتهمة ارتكاب أمر موحش ضد رئيس الجمهورية، كما تقول لـ"العربي الجديد" المحامية إيناس حراث، عضو مجموعة محامون لحماية الحقوق والحريات (تأسست في أغسطس 2021).
و"اعتباراً من يوليو 2021، أجرى القضاء العسكري تحقيقات ومحاكمات لعشرة مدنيين، بينهم أربعة مثلوا أمام المحاكم العسكرية لمجرّد التعبير السلمي عن رأيهم المنتقد للحكومة، وأجرت محكمة عسكرية تحقيقات مع ستة من أعضاء البرلمان من ائتلاف الكرامة، بالإضافة إلى محامٍ من تونس العاصمة، فيما يتصل بمشاجرة مع أفراد الشرطة في مطار تونس الدولي، في مارس 2021، وفق تقرير العفو الدولية.
محاكمات عسكرية لـ 10 مدنيين بتهمة ارتكاب أمر موحش ضد الرئيس
ومن بين المتهمين بانتقاد الرئيس، عامر عياد، المذيع التليفزيوني والذي وجهت له تهمة التآمر على أمن الدولة الداخلي والدعوة إلى العصيان وارتكاب أمر موحش ضد رئيس الدولة في الأول من أكتوبر 2021؛ فضلا عن إيقافه في الثالث من ذات الشهر بمعية عبد اللطيف العلوي، عضو البرلمان من ائتلاف الكرامة، كما قال لـ"العربي الجديد" مضيفا أن المحكمة العسكرية قضت في حكم ابتدائي بجلسة السابع من إبريل 2022 بسجنه 4 أشهر، و3 أشهر بحق العلوي، مضيفا أنه لم يتوقع ما جرى لأن الدستور نص على حرية التعبير، التي تعد من أهم مكتسبات الثورة التونسية.
مخالفة الدستور
تسمح مجلة المرافعات والعقوبات العسكرية التونسية لنظام القضاء العسكري بمحاكمة المدنيين في ظروف محددة، وينص الفصل 91 على أن "يعاقب بالسجن من ثلاثة أشهر إلى 3 سنوات كل عسكري أو مدني تعمد بالقول أو بالحركات أو بواسطة الكتابة أو الرسوم أو الصور اليدوية والشمسية أو الأقلام بمحل عمومي تحقير العلم أو تحقير الجيش والمس من كرامته أو سمعته أو معنوياته أو أن يقوم بما من شأنه أن يضعف في الجيش روح النظام العسكري والطاعة للرؤساء أو الاحترام الواجب لهم أو انتقاد أعمال القيادة العامة أو المسؤولين عن أعمال الجيش بصورة تمس كرامتهم"، بحسب المحامي بن عمر.
لكن نائلة الزغلامي، رئيسة الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات (مستقلة تعنى بالمساواة بين الجنسين) تقول لـ"العربي الجديد" إن الفصل 110 من الدستور ينص على أن "المحاكم العسكرية متخصصة في الجرائم العسكرية، ويضبط القانون اختصاصها وتركيبتها وتنظيمها والإجراءات المتبعة أمامها والنظام الأساسي لقضاتها"، كما أنه بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، لا ينبغي أبدًا أن يمثل المدنيون أمام محاكم عسكرية، بغض النظر عن التهم الموجهة إليهم.