أبناء القضية... كيف تشكل الجيل الداعم لفلسطين في الجامعات الأميركية؟
- الاحتجاجات الطلابية تكتسب زخمًا، مع تضاعف الاحتجاجات والمطالبة بوقف الإبادة الجماعية في غزة وسحب استثمارات الجامعات من الشركات الداعمة لإسرائيل، معبرين عن استيائهم من المجازر في غزة.
- الحركة الطلابية تعكس تغير المواقف الأميركية تجاه القضية الفلسطينية، خاصة بين الشباب، مستخدمين وسائل التواصل الاجتماعي لنشر الوعي والتضامن، ما يشير إلى تحول محتمل في الخيارات الانتخابية المستقبلية وتأثيره على السياسة الأميركية.
يتنامى جيل مؤيد للقضية الفلسطينية في الأوساط الطلابية بالجامعات الأميركية، بين مختلف الأديان والعرقيات، متجاوزا هيمنة رواية وسائط الإعلام الرئيسية، ورغم عدم وجود قيادة جامعة وموجهة، تنمو أفكاره في مواجهة العنف الرسمي.
- لم تبرح ميريام الطالبة الأميركية في جامعة جورج تاون بواشنطن منذ سبعة أيام، مكان الاعتصام بمخيم ساحة الشهداء أو Martyrs Yard، وهي التسمية الثانية التي أطلقها طلاب جامعة جورج واشنطن على ساحة U-Yard، التابعة للجامعة، بعد تسميتها مع بداية الاعتصام بالمنطقة المحررة أو Liberated Zone، والتي تضم طلابا من جامعات مختلفة يشاركون في الفعاليات المناهضة لاستمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
اكتفت ميريام بذكر اسمها الأول تجنبا للاعتقال أو الفصل، ما يكشف عن المخاطر التي تهدد حقوق الطلاب في التعبير عن آرائهم كما تقول بينما تتوشح الكوفية الفلسطينية كما تضع قلادة نجمة داود السداسية والتي ترمز للانتماء إلى الشعب اليهودي: "أنا هنا بعد 200 يوم من الإبادة الجماعية التي راح ضحيتها قرابة 35 ألف شخص على يد إسرائيل، رأينا 76 عاما من العنف الاستعماري الاستيطاني، لا بد من أن نغير هذا".
ووقف الإبادة الجماعية في غزة هو المطلب الأساسي الذي يرفعه الائتلاف الطلابي بجامعة جورج واشنطن من أجل فلسطين Student Coalition for Palestine at GW، ومن بين أعضائه الطالب خوان الذي هاجر والداه من السلفادور إلى لاس فيغاس بولاية نيفادا قبل ولادته، وتحفظ أيضا على نشر اسمه كاملا خوفا من الفصل، لكنه لا يخشى المشاركة والدعوة للحشد من أجل وقف المذابح في غزة والتي جعلته وزملاءه يشعرون بالغضب والحاجة إلى الوقوف بجانب أهالي القطاع.
ويدفع خوان وزملاؤه ما يصل إلى 80 ألف دولار سنويا رسوما دراسية، وهي مبالغ صار يعتقد بأنها أداة تُستعمل في تمويل شركات أسلحة وتقنية يعتمد عليها الجيش الإسرائيلي لقتل الغزيين، "ولا بد من التأكد من أن الجامعة ستسحب استثماراتها من كل الشركات التي تدعم الإبادة الجماعية" كما يقول هو وزملاؤه في هتافاتهم.
كيف تفجر الحراك؟
تضاعفت الاحتجاجات المناصرة للقضية الفلسطينية في الولايات المتحدة خلال شهر إبريل/نيسان الماضي، ثلاث مرات مقارنة بشهر مارس/آذار، بحسب تقرير صدر في 2 مايو/أيار 2024، عن مشروع بيانات مواقع النزاع المسلح وأحداثه ACLED (يختص بتحليل البيانات ومقره ويسكونسن)، تحت عنوان الاحتجاجات الطلابية الأميركية المؤيدة لفلسطين تضاعفت ثلاث مرات في إبريل.
ظاهرة مخيمات الاحتجاج لها أصول تاريخية في أميركا
ويُعتبر تضاعف الاحتجاجات الطلابية في الجامعات الأميركية أحدث علامة على انتشار الاستياء العام من المجازر التي تقع في غزة والتي سقط فيها 34971 شهيدا حتى 12 مايو/أيار 2024 وفق إحصائيات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني.
وتشكل المظاهرات التي شارك فيها الطلبة الجامعيون، نحو ثلث المظاهرات التي جرت في أميركا منذ بدأت الحرب في أكتوبر 2023 وحتى 26 إبريل 2024، وكانت أكثر من 90℅ منها داعمة لفلسطين وسلمية بنسبة 99℅، باستثناء بعض الاشتباكات العنيفة التي حدثت ليلة 30 إبريل 2024 بين المتظاهرين المؤيدين لفلسطين والمناهضين لهم في جامعة كاليفورنيا، بحسب ما جاء في التقرير السابق، والذي صنف ولاية نيويورك بأنها تضم العدد الأكبر من المظاهرات المُتعلقة بالحرب الإسرائيلية على غزة، تليها مباشرة ولاية كاليفورنيا.
ومع تضاعف عدد المظاهرات الطلابية المؤيدة لفلسطين نمت تدخلات الشرطة أربع مرات، إذ فرقت الحشود واعتقلت الطلبة المؤيدين لفلسطين، وشهدت ولاية نيويورك وحدها 28℅ من المظاهرات المرتبطة بالصراع، والتي تدخل فيها جهاز الشرطة.
وأعادت التدخلات العنيفة إلى ذاكرة الأميركيين صور قمع مظاهرات طلاب جامعة كولومبيا بنيويورك والتي كانت تناهض تدخل الولايات المتحدة في حرب فيتنام عام 1964، إذ قوبلت الاعتصامات والاحتجاجات التي نظمها الطلبة المؤيدون لفلسطين في ما لا يقل عن 95 حرما جامعيا، بردع ومعاملة وحشية انتهت باعتقال أكثر من 2200 شخص، وفق ما نشره مركز الإعلام والديمقراطية The Center For Media And Democracy، (منظمة تقدمية مستقلة مقرها ويسكونسن) في 3 مايو الجاري.
ويرفع المحتجون مطلب العفو التام عن الطلبة المعتقلين بسبب الاحتجاجات المناصرة لغزة، ويطالبون بحماية حرية التعبير عن دعم الفلسطينين، وحقهم في الاستقلال والعودة لأراضيهم، ووقف استثمار أموال أوقاف الجامعات في إسرائيل، ووقف التعاون الأكاديمي مع جامعات الاحتلال، ووقف إمداد دولة الاحتلال بالأسلحة ويرفضون وقف الاعتصام حتى تتحقق مطالبهم كما تقول الطالبة الأميركية من أصل أرجنتيني ماريا Mariah.
أصول تاريخية لمخيمات الاحتجاج
تهدف مخيمات الاحتجاج إلى حضور واضح ومستمر في الحيز العام، من أجل الدفع باتجاه أخلاقي، عبر مركز للتعبئة والتضامن، بحسب ما يفسره البروفيسور ستيفن مينتس Steven Mintz، أستاذ التاريخ بجامعة تكساس في مدينة أوستن بولاية تكساس، وتاريخيا شهدت أميركا مخيمات احتجاجية متعددة مثل "حركة احتلوا" The Occupy Movement (اجتماعية وسياسية عارضت التفاوت الاجتماعي) والتي استوحت أمثلة لاحتجاجات جيش المكافآت The Bonus Army Protests حين نظم قدماء المحاربين في الحرب العالمية الأولى من العاطلين عن العمل مجموعة اعتصامات في واشنطن عام 1932 للمطالبة بحقوقهم إذ عانوا البؤس والحاجة الشديدين، في فترة الكساد الكبير.
وكذلك معسكرات السلام المناهضة للأسلحة النووية The Anti-nuclear Peace Camps (احتجاجية ومناهضة للحرب) في الثمانينيات، واحتجاجات ضد بناء خط أنابيب داكوتا The Dakota Access Pipeline Protests عام 2016، والمخيمات التي تشكلت في مدن مثل بورتلاند، أكبر مدن ولاية أوريغون، في أعقاب مقتل الأميركي من أصل أفريقي جورج فلويد عام 2020 على يد الشرطة.
و"على الرغم من أن الاحتجاجات الحالية يجري تسليط الضوء عليها بقوة، لكنها بلا قيادة ما يؤثر على قدرات الحشد"، كما يقول مينتس، مشيرا إلى نجاحها في لفت الانتباه إلى المعاناة في غزة، لكن من غير الواضح ما إذا سيكون لهذه التكتيكات تأثير كبير على السياسة الأميركية، على عكس احتجاجات الستينيات التي كانت لها عواقب عديدة، منها إلغاء الخدمة العسكرية الإجبارية؛ وتصاعد المعارضة الواسعة لحرب فيتنام وإنشاء برامج دراسات السود ودراسات المرأة واستحداث التعليم المختلط في مؤسسات Ivy League (رابطة تجمع ثماني جامعات عريقة)، وحدوث تغييرات في المناهج الدراسية ومتطلبات التخرج، لكن الطالبة الأميركية الفلسطينية ميساء لا ترى الأمر على هذا النحو، معبرة عن سعادتها وتأثرها باعتصام طلاب جامعتها من مختلف الأصول والديانات، قائلة لـ"العربي الجديد" بصوت أتعبته الهتافات وأثرت على نبرته برودة ليالي المخيم الذي أقامه الطلبة المناصرون للقضية الفلسطينية في جامعة جورج واشنطن: "هذا المشهد يتوحد فيه الجميع من أجل الوقوف إلى جانب فلسطين".
كيف نشأ الجيل الناقم على إسرائيل؟
تغلبت ميريام على ما سمّته "حملات التلقين والدعاية الوحشية" التي تستخدمها "الدولة الصهيونية"، لاستمالة اليهود الأميركيين، من خلال قراءة التاريخ والنقاش مع أصدقائها الفلسطينيين، حتى أنها ُمنكبة حالية على تأسيس منظمة مناهضة للصهيونية في جامعة جورج تاون، بدعم من والديها، وهو ما تعتبره "رفاهية" لا يتمتع بها الكثير من أقرانها اليهود، وفق حديثها لـ"العربي الجديد".
أما خوان فيعزو وعيه ورفاقه حول القضية الفلسطينية إلى حصولهم على المعلومات من مصادر مختلفة عن وسائل الإعلام الرئيسية، التي لم تعد المصدرالمهيمن والوحيد للخبر والتي وصفها بأنها "شريكة في تضليل الرأي العام ولا تنقل الصورة عن الحراك كما نراه"، ويضرب مثالا على طريقة تعاطي وسائل إعلام أميركية مع الجرائم الحاصلة في غزة بقوله إن "صحيفة مثل نيويورك تايمز لا تستعمل مصطلح الإبادة الجماعية".
ويُجمع الطلبة الذين قابلتهم معدة التحقيق في ساحات الاعتصام على أن مواقع التواصل الاجتماعي باتت تشكل مصادر أساسية لفهم ما يجري، كما أنها ساعدتهم على التواصل المباشر مع النشطاء الغزيين، والصحافيين الميدانيين، وزملائهم في الجامعة ممن لديهم أقارب في القطاع، ومنهم يستمدون طاقتهم لتقوية الحراك ومواصلة الاعتصام، إذ يتلقون رسائل شكر وامتنان من هناك، كما يقول خوان وماريا وميريام والذين يمثلون عينة من 60℅ من الشباب الأميركيين الذين يرون فلسطين بإيجابية، مقابل 40℅ يرون إسرائيل كذلك، بحسب تقرير أصدره مركز بيو للأبحاث، مركز أبحاث مستقل مقره واشنطن العاصمة، في 21 مارس/آذار 2024، تحت عنوان " Majority in U.S. Say Israel Has Valid Reasons for Fighting; Fewer Say the Same About Hamas"، الأغلبية في الولايات المتحدة تقول إن إسرائيل لديها أسباب وجيهة للقتال؛ قليلون يقولون نفس الشيء عن حماس.
يرفض الطلاب حملات التلقين والدعاية الوحشية الإسرائيلية
وتكشف نتائج استطلاع آخر أُجري في مارس الماضي، بعنوان تعاطف الديمقراطيين في الشرق الأوسط يتحول نحو الفلسطينيين، أن التعاطف الديمقراطي في الشرق الأوسط يتوجه نحو الفلسطينيين الذيي نالوا 49% من التأييد مقابل 38% للإسرائيليين، مع تسجيل فجوة واضحة بين الأجيال، إذ حصلت إسرائيل على تعاطف إيجابي بنسبة 46% بين جيل "Baby Boomers" وهم مواليد الفترة الممتدة بين عامي 1946-1964، و32% بين أفراد الجيل "X" وهم مواليد الفترة بين عامي 1965 و1979، مع تسجيل انخفاض في التعاطف مع إسرائيل وسط أفراد جيل الألفية Millennials أي مواليد الفترة الممتدة بين عامي 1980-2000، والذين حصلت إسرائيل على 40℅ من أصواتهم المؤيدة مقابل 42℅ يؤيدون فلسطين.
اختلاف المواقف على حسب الأجيال
تُعَدّ الاحتجاجات الحالية، أول وأكبر فعاليات داعمة للقضية الفلسطينية بالجامعات الأميركية، كما تقيّمها الدكتورة رندة سليم، زميل أول ومدير برنامج حلّ النزاعات بمعهد الشرق الأوسط (بحثي مستقل مقرّه واشنطن)، ويعكس تنوع الطلبة المشاركين شرائح المجتمع الأميركي المتباينة عرقياً ودينياً، وهؤلاء توحدهم رؤية رافضة لغياب العدالة، بسبب وقوع جرائم بلا محاسبة يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي، ما يشبه إجرام نظام "الفصل العنصري" في جنوب أفريقيا، الذي حورب من قبل الطلاب الأميركيين في الثمانينيات.
ولا يُعَدّ التعاطف المتزايد للشباب الأميركي مع القضية الفلسطينية، وليد الحرب على غزة، إذ سجل استطلاع سابق لمركز بيو للأبحاث، اختلافات واضحة بين الأجيال في مواقف الأميركيين تجاه إسرائيل، ووجد الاستطلاع المنشور في 11 يونيو/حزيران 2022، أنّ 55% من الأميركيين لديهم وجهة نظر إيجابية تجاه إسرائيل، مقابل 41% لديهم وجهة نظر سلبية، لكن تحليل هذه النتائج وفق السن، كشف الفجوة الكبيرة بين الاجيال، إذ إنّ 41% فقط من الذين تراوح أعمارهم بين 18 و29 عاماً وجهة نظرهم إيجابية تجاه إسرائيل، مقارنة بـ 69% من أولئك الذين تبلغ أعمارهم 65 عاماً فما فوق.
وعلاوة على ذلك، توصل الاستطلاع إلى أنّ 71% من الجمهوريين يحملون وجهة نظر إيجابية تجاه إسرائيل، مقارنة بـ 44% فقط من الديمقراطيين.
وشمل تراجع التعاطف مع إسرائيل في الولايات المتحدة، أيضاً اليهود الأميركيين، وفق استطلاع آخر نشره مركز بيو للأبحاث، في مايو 2021، تحت عنوان "U.S. Jews have widely differing views on Israel" أو "اليهود الأميركيين لديهم وجهات نظر متباينة على نطاق واسع تجاه إسرائيل"، إذ قال 67% من اليهود الأميركيين ممّن تبلغ أعمارهم 65 عاماً أو أكثر، إنهم يشعرون "بارتباط شديد أو ارتباط إلى حد ما بإسرائيل"، مقارنة بـ 48% فقط من أولئك الذين تراوح أعمارهم بين 18 و29 عاماً، قالوا إنهم يشعرون بمثل هذا الارتباط.
عوامل أسهمت في تراجع الرواية الصهيونية
يُرجِع شريف أبو موسى، أستاذ العلوم السياسية المتقاعد من الجامعة الأميركية بالقاهرة، الذي يتردد على ساحة اعتصام جامعة جورج واشنطن دعماً لمطالب الطلبة، سبب التعاطف المتنامي لدى الشباب الأميركي مع القضية الفلسطينية، إلى تغييرات دخلت على مساقات تدريس ما يجري في الشرق الأوسط خلال العشرين عاماً الأخيرة، إذ تراجعت هيمنة الرواية الإسرائيلية، وأصبح الطلبة على اطلاع أكبر على ما يحدث في فلسطين، ما أسهم في توسّع دائرة الاحتجاجات الطلابية وامتدادها، عبر مختلف الجامعات الأميركية، وحتى الأوروبية، على عكس الجامعات العربية التي غابت عنها هذه الاحتجاجات، وهو ما يعود في أحد أسبابه إلى فراغ لم يملأه حكام الدول العربية في الضغط الجدي من أجل حلّ الصراع، يقول الأستاذ أبو موسى.
وفعلياً، بدأ التركيز على الشرق الأوسط في المناهج الدراسية بالجامعات الأميركية، بعد احتلال العراق عام 2003، حسب الدكتورة سليم، ما استدعى توظيف العديد من الأساتذة الجامعيين الأميركيين ذوي الأصول العربية لتدريس تلك المواد، وصاحبه اهتمام أكبر من الطلبة بتلك المساقات، لكن الدور الأكبر في توعية الطلبة بما يحدث على أرض الواقع في غزة، وفق تأكيدها، يعود إلى وسائل التواصل الاجتماعي، التي يعتمد عليها الطلاب لمتابعة الأحداث من مكان الحدث.
محاولات تشويه مستمرة
ترصد سحر خميس، أستاذة الإعلام بجامعة ماريلاند شمال واشنطن، حملات تشويه متعمدة ودعاية مضادة ورسائل مغلوطة تُضخ يومياً في وسائل الإعلام الأميركية حول الاحتجاجات الطلابية، عبر وصفها بـ"معاداة السامية" ونعتِ المشاركين بالمحرّضين، رغم مشاركة شرائح كثيرة فيها من بينها يهود، لكن وسائل الإعلام تعمد إلى إظهارهم بأنهم يقومون بأعمال شغب وعنف، رغم أن العنف يُرتكب من قبل إدارات الجامعات وجهاز الشرطة وأجهزة الأمن التي يستعان بها لقمع المتظاهرين، ومن جهات خارجية مدسوسة، حتى يقع احتكاك وتأجيج للعنف، لكن هذه الحملات الدعائية، وإن استطاعت التأثير في الفئات الأقل تعليماً في المجتمع الأميركي والتي تخشى الأقليات، إلا أنها لن تنطلي على النخب المثقفة والطلبة الجامعيين، بحسب خميس.
لكن ضابط الاستخبارات المتقاعد من الجيش الأميركي ومستشار الأمن القومي لحملة الرئيس السابق دونالد ترامب في رئاسيات 2020، أنتوني شيفر، يصرّ على أنّ الاحتجاجات ليست عفوية، بل تقف وراءها جهات كالتي فجرت مظاهرات "حياة السود مُهمة"، على خلفية مقتل جورج فلويد، مثل مؤسسة روكفلر (خيرية مقرها نيويورك) ومنظمة الصوت اليهودي من أجل السلام (مناهضة للصهيونية)، لكنه لم يُقدم أي أدلة على ما قاله، رافضاً تشبيه الاحتجاجات المناصرة لفلسطين، بالمظاهرات الطلابية المعارضة لحرب فيتنام.
الموقف ذاته عبّر عنه المستشار السابق للرئيس بيل كلينتون، الديمقراطي ريتشارد غودستين، الذي رفض المقارنة بين احتجاجات الطلبة الداعمين لفلسطين، وأسلافهم الرافضين للحرب على أفغانستان (جرت في 29 سبتمبر/ أيلول 2001)، لأنّ غزة، من وجهة نظره، لا تعنيهم مباشرة، على عكس أفغانستان التي كان من الممكن استدعاء الطلبة آنذاك للمشاركة في الحرب عليها. وكرر غودستين اتهام شيفر بوجود أطراف تقف وراء الاحتجاج، وتدفع الطلبة إلى قول أشياء "لا يفهمونها"، قائلاً "إن معظمهم لم يكن يعرف موقع غزة على الخريطة قبل الحرب، والآن أصبحت أهم شيء في العالم بالنسبة إليهم"، معيداً الكرّة بالتأكيد أنّ حرية الطلبة في التعبير مقيدة بعدم معاداتهم للسامية، وعدم تشكيلهم تهديداً لنظرائهم اليهود.
لكن الطالبة اليهودية ميريام تردّ على ادعاءات معاداة السامية بـأنها "تكتيكات تهدف إلى تحويل النقاش والتلاعب به والتشويش على التركيز على الإبادة الجماعية الحاصلة والأشخاص الذين يتعرضون للقصف والقتل والتجويع على يد الدولة الصهيونية"، وكونها طالبة يهودية تشعر بالأمان داخل المخيم أكثر من خارجه، والسبب كما تقول: "أنني أعلم أنّ الكل هنا يشترك في الإيمان بقيم الحرية والأخلاقية".
تصاعد في انتهاكات حرية التعبير
يضمن الدستور الأميركي حرية التعبير والتظاهر، كذلك يحق للحكومة تقييد توقيت ومكان وطريقة التظاهر، بحسب توضيح المحامي المعتمد لدى المحكمة الأميركية العليا والناشط في الحزب الجمهوري، كمال نعواش.
ويُشبّه الطلبة حملات القمع والاعتقال التي يتعرضون لها منذ 18 إبريل الماضي، والتي أدت إلى اعتقال 100 طالب من جامعة كولومبيا في مدينة نيويورك، بعد استدعاء رئيستها نعمت شفيق، لشرطة ولاية نيويورك إلى الحرم الجامعي، في سابقة لم يفعلها أيّ من رؤساء الجامعات الأميركية الأخرى، بممارسات القمع والوحشية التي يمارسها الجيش الإسرائيلي بحق الفلسطينيين. و"من المخزي للغاية أن تعامل الجامعات طلابها بهذه الوحشية، للحفاظ على مصالح خاصة، بدلاً من سحب الاستثمارات الداعمة للإبادة الجامعية، حتى إن التكتيكات التي تستعمل من قبل الجامعات والشرطة، طوّرتها قوات الاحتلال الإسرائيلية، وطُبقت على الفلسطينيين" تقول ميريام.
وتعبّر أستاذة التاريخ بجامعة جورج تاون في واشنطن، البروفيسور جوديث إي تاكر Judith E Tucker، المشاركة في اعتصام طلبة جورج واشنطن، عن قلقها من حملة إغلاق النقاش المتعلق بالقضية الفلسطينية، قائلة لـ"العربي الجديد" إنّ "هذا تهديد كبير للحق في حرية التعبير للجميع، اليوم المنع بخصوص فلسطين وغزة، ماذا سيكون الأمر غداً؟ وحين نبدأ بالقضاء على حرية التعبير، ستضيع حقوقنا المدنية الأخرى"، واصفة قمع الطلبة وسحل الأساتذة بأنها "مشاهد مروعة".
كيف ستتأثر خيارات الطلبة الانتخابية مستقبلاً؟
يرفض دافيد أرمياك، مدير الأبحاث في مركز الإعلام والديمقراطية Center for Media and Democracy (منظمة مستقلة) وصف الطلاب بالتجاوز في حدود حرية الرأي والتعبير، محذراً من خطورة العنف والقمع الذي تعرضوا له، ومشيراً إلى أنّ الاحتجاجات الطلابية لم تنتهِ رغم التهديد والقمع، وطريقة التعاطي معها من قبل الإدارة الأميركية، وأجهزة الأمن على مستوى الولايات، ستؤثر بخيارات الطلبة في الانتخابات الرئاسية المقبلة المقررة في 5 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024.
وفي سياق انعكاس الاحتجاجات على الانتخابات المُقبلة، قال شيفر إن شريحة واسعة من المحتجين تميل إلى الديمقراطيين، الذين ينتابهم الخوف من تراجع دعمهم، بينما يتابع الجمهوريون بارتياح محاولات بايدن بعث رسائل مختلطة، تحاول إرضاء الطرفين تجنباً لخسارة الانتخابات.