الأسواق التقليدية المغربية.. تبادل تجاري وعلاقات اجتماعية

07 ديسمبر 2015
سوق خميس دادس (العربي الجديد)
+ الخط -



تطور مفهوم السوق تدريجيا وتحول من المفهوم العربي القديم، الذي هو المكان الذي تُساق إليه الحيوانات المراد بيعها، إلى مفهوم آخر أكثر مواكبة لتطور الحضارة الإسلامية، حيث تخطى دوره في تبادل السلع والخدمات، إلى تبادل الأفكار والآراء والمعلومات والخبرات والعواطف.

والأسواق التقليدية أنواع، إما أن تكون دائمة أو موسمية أو أسبوعية. فالسوق الدائمة هي المكان المحدد داخل القرية الذي توجد فيه الحوانيت التجارية، وفيه يتخذ البائعون مواقع لعرض بضائعهم، ويتجمع فيه الناس. وقد يأتي بعضهم من قرى مجاورة لعدم توفر سلع معينة في قراهم.

أما السوق الموسمي فهو الذي يرتبط بمكان معين وزمان محدد، ففي الأعياد والاحتفالات الدينية تقام في بعض القرى الأسواق حيث تتيح فرص التبادل الاقتصادي، نتيجة لاجتماع عدد كبير من الناس من مختلف القرى والبلدان، ثم أخيرا السوق الأسبوعي أي السوق التي تقام في القرية في يوم محدد من أيام الأسبوع، ويأتي إليها الناس من عدة قرى مجاورة، وتقام فيها هي الأخرى أو في بعضها أسواق مماثلة على التوالي كل في يوم محدد من أيام الأسبوع.

وتؤلف هذه القرى معا نسقا واحدا تكون القرية وحدته، وتسمى السوق باليوم الذي يقام فيه.
وهذا النمط من الأسواق التقليدية تعرفه القرى المغربية، ويوجد أيضا في مناطق كثيرة من العالم، في مصر والمكسيك والهند.


السوق فضاء للعلاقات

لم يكن دور الأسواق التقليدية في المغرب يقتصر على المبادلات التجارية للبضائع، بل كان يمتد إلى تقريب العلاقات القائمة بين المجتمعات المحلية التي تدخل أطرافا في نسق السوق، وتعمل على تدعيم تماسك المجتمع المحلي وتضامنه.

فالأسواق هي الوسيلة الوحيدة التي توفر للقبائل كل ما تحتاج إليه من السلع الاستهلاكية الضرورية، ومن ثم لابد من أن يتوفر الأمن والسلام لهذه الأسواق وإلا فقدت القبائل مصدر حاجتها الضرورية.

ويتجلى ذلك في أن القبائل، لكي توفر الأمن والسلام في الأسواق، لم تكتف بأن تكون الهدنة والمصالحة بينها موسمية ملازمة لفترة قيام الأسواق، وإنما يجب أن تكون دائمة لضمان توفير فرص التبادل باستمرار، يضاف إلى ذلك أن أمن وسلام السوق يرتكزان على الأبعاد الاجتماعية والقانونية والسياسية والدينية لهذا النسق.

فالقبائل تحافظ على التعاقدات التي تتم بين الأشخاص في السوق، ويشرف عدد من القبائل عليه وبخاصة على الأسواق الكبرى التي تقع في الأراضي المتاخمة لحدود المناطق الإيكولوجية. ويتعاون ممثلو هذه القبائل في المحافظة على الأمن، وقد تشرف قبيلة واحدة على السوق مما يترتب عليه أن تقع مسؤولية توفير الأمن والسلام على القبيلة ككل.

السوق والحركة الوطنية

لا يمكن إغفال الدور الرئيسي الذي لعبته الأسواق في نمو الحركة الوطنية في جبال الأطلس في شمالي إفريقيا، وتحرير البلاد من الاستعمار الفرنسي ونيل الاستقلال. ويكشف هذا الدور عن مدى أهمية هذه الأسواق في مجال الاتصال والإعلام.

وتضم الأسواق التقليدية العلاقات الشخصية المباشرة، أي علاقات الوجه للوجه التي تمتاز بالديمومة والقوة والتقارب الوجداني الشديد، والتي ترتكز على الاعتبارات الاجتماعية التي تتدخل مباشرة في توجيه سلوك الأفراد وضبطه، وبالتالي في توجيه عمليات التبادل التي تتم في هذه الأسواق.

فعمليات تبادل السلع والخدمات تتم بين أشخاص يرتبطون إما بعلاقات القرابة، أو الجوار أو الصداقة أو الانتماء إلى المجتمع المحلي الواحد التي يكون لها حتما الكثير من الاعتبار لدى أطراف التبادل لما تتضمن من القيم الاجتماعية باعتبارها موجهات للفعل الاجتماعي.

فهي مثلا تفرض على التاجر والبائع عدم اللجوء بأي حال من الأحوال إلى الغش في أية صورة من صوره، في الوقت الذي تفرض على المشتري في المقابل، عدم فقدان الثقة وبالتالي الاستمرار في التعامل معه، ولهذا ففي القليل النادر أن ينهي المشتري تعامله مع البائع إلا في حالة قطع العلاقة القائمة بينهما وإنهائها، وفي الغالب تكون أسبابه خارجة عن مجال التبادل، إلا في حالة فقدان الثقة بالبائع، وهو أمر قليل الحدوث.

لذلك تعد الأسواق مصدرا رئيسيا للمعرفة في تلك المجتمعات التقليدية، فهي تعمل وفقا لمضمون ثقافي اجتماعي، بمعنى أن الأشخاص الذين يدخلون أطرافا في هذا النسق تربطهم العلاقات الشخصية التي تتسم بالصدق والديمومة.

وهكذا، فإن النظر إلى السوق التقليدي على أنه نسق لتبادل السلع والخدمات، أي من منظور اقتصادي بحت، يغفل المضمون الاجتماعي والثقافي الذي تعمل السوق على أساسه، ولا يساعد على الكشف عما تؤديه من دور في مجال الاتصال.

اقرأ أيضاً: (فيديو) رانيا محمود ياسين تهاجم الثورة والبرادعي: تسلم الأيادي

المساهمون