إجادة ميّاس عزفَ الكمان ودراسته الموسيقى الكلاسيكية الغربية، بدايةً في معهد دمشق العالي، ثم في جامعة فيينّا للفنون، علاوةً على انفتاحه على موسيقات الشعوب وإلمامه بأساليب العصر؛ جعلت من فرقته "مقام - MAqam" علامة فنية ناجحة، ضمّت نخبة من أعضاء الفلهارمونية، كعازف الكمان المصري إسلام الحفناوي، ومواطنيه إسلام عبد العزيز على الفيولا وعلى التشيلّو حسن معتز، إضافة إلى الهنغاري خلفَ الكونترباص ساندور أونودي Sándor Ónodi، ثم الإيقاع الألماني فرديناند شيفر Ferdinand Schäfer.
آخر إصدار للفرقة كان ألبوماً مزدوجاً بعنوان "عقد من مقام A Decade of MAqam" احتفل بمرور عشرة أعوامٍ على تأسيسها، سُجّل داخل استوديوهات "كتارا" في الدوحة.
"One way ticket to Damascus - تذكرة باتجاه واحد إلى دمشق" فاتحة الألبوم، تُستهل بأجواء لاتينية، كالبوسا نوڤا Bossa Nova، تلعب الوتريات فيها دور السون كلاڤي Son Clave مؤخّرةً النبرة الإيقاعية Syncopation لتوقظ في النفس شهيةً إلى الرقص، لا تلبث أن يتمخّض عنها سيلُ نبضٍ من إيقاع سُباعيّ يُذكر بدور طوران - Devri Turan التركي. عليه، وبعد لحنٍ شجِنٍ مُقتضب، ترتجل الكمان حتى نهاية المقطوعة، مجتازةً عدة محطات مقامية.
"January Rush - دفق يناير" نغمة وحيدة ممتدة تعزفها آلة التشيلو، بينما يُسمع في الخلفية صدى كمان يرتجل على مقام الحجاز، عولِج إلكترونياً حتى بان كالكمنجة التركية، يتنقّل من ضّفة سمعية إلى أخرى بتقنية البان Pan، تليه كمانٌ حيّة ستعرض الإطار الإيقاعي السُباعي بروح الدور الهندي، عبْره، تدخل الآلاتُ المُصاحبة حواراً مُحتدماً بين رقصٍ أقرب إلى الفلكلور التركي جهة البلقان وبين حيوية موسيقى الجاز- روك Jazz Rock، تتبارى الوتريات في أداء ارتجالات خاطفة بارعة.
"Warda - وردة" افتتاحٌ خشن على طراز الروك Rock تُحاكي فيه الكمان الغيتار الكهربائي Electric Guitar قبل أن ينزلق نحو فحيح الربابة على مقام البيات، يُقدم لحناً ذا لهجة مصرية، يُعالج بإقحام الصدى فيتناهى كصوت مُطربٍ شعبي يُحيي إحدى ليالي الأفراح في ضواحي دمشق أو بغداد أو القاهرة، خلفه جوقةٌ مُردّدين من الآلات المُصاحبة، خيوطٌ إلكترونية كصفّارات إنذار، فيما طبل الكاخون Cajon يمد الجوّ بإيقاعٍ حار.
”At the Exhibition - في المعرض” كمان مُنفردة تفتتح المقطوعة بأداء لحنٍ عاري، يتلقّفه الكاخون والباص. مع خيط كمان يرسمان معاً جوَّ جاز - روك مُتأهباً، قبل أن يُؤنسنه لحن تشيلو شرقي عذب على إيقاعِ مصمودي أعرج، يستمر المشهدان في التعاقب والتبادل، إلى أن تدخل الموسيقى حالَ هذيان تُنتجها المؤثرات الإلكترونية.
في "Kings and Queens - ملكات وملوك"، يظهر النمط الإيقاعي السُباعي من جديد، يرسم مشاهد الرقص الشعبي التركي، الفارسي والبلقاني، وإن اندمج في أنماط أطول مدىً وأشد تركيباً وتعقيداً.
"Lonly Bayat - البيات الوحيد" في مزجٍ يشبه إلى حد بعيد تقنية الكولاج Collage، تُفتَتح المقطوعة بنقيضين متوازيين ومُتداخلين في آن، البلوز الليلي الهادئ والشاعري Ballad بائتلافاته الهارمونية الحالمة وأجوائه الإيقاعية الهادئة، في المقابل، تجد الكمان تؤدي لحناً شرقيّاً شعبياً على نغمة البيات، خلف النشاز الثقافي، يختبئ طباقٌ نفسي وتكمن وِحدة حالٍ عابرة للّون الصوتي، تجمع كلاً من البلوز والبيات في تعبيرهما عن الغُربة الداخلية.
"حمام المدينة" زفّة على نغمة الهزام تتبع الكمان، كأن بها تصحب العروس إلى الحمام. على حين غرّة، تدخل الكمانات بأشكالٍ هارمونية مينيمالية Minimalistic مُركّزة ومُقتضبة، يعتليها لحن هزاميّ بين الفينة والأخرى، أشبه بترنيمة فرح شعبي، يعاود الظهور من بين الارتجالات، تارةً تشيلّو وتارةً كمان، وتارةً الفرقة برمّتها.
"Bloody Friday - الجمعة الدموية" تصويرٌ لمشهد رهيب يعكس العنوان، وفي آن، حلقةُ رقص في حالة وجد أو هذيان، مشهدية تستعيرُ أجواء الهيفي ميتال Heavy Metal لحقبة التسعينيات، حيث الكونتراباص ينبض في انتظام، بينما تُغير الوتريات بانكسارات هارمونية طارئة، ترتجل الكمان في حين، وتشوّش في حين، وفي حينٍ آخر، تُحدث صفيراً حاداً ومرتفعاً.
في "Lustre - بريق" أجواء سينمائية الطابع يبرز فيها لون توزيع الرباعي الوتري ذو المسحة الرومانسية، بعدَ قنطرة تُذكّر بقالب اللونغا، تعود الموسيقى إلى صخب الجاز - روك، وإن في إطار الفيوجن (الجاز المزيج) ليستمر التأرجح ما بين الشرقي والغربي، العنيف الصاخب والوديع الشاعري.
"Bridge - جسر" في تميّزٍ عن سائر المقطوعات التي تزخر بنبض الإيقاعات السُباعية وروح الجاز- روك المُطعّم بالمقامات الشرقية، تعتمد المقطوعة على أداء كل من آلتي الكمان والتشيلّو لذات اللحن وإن في طبقتين مُتباعدتين، فيبدو الحوار بينهما أشبه بطباق يعلو ويصعد، يُسرع ويتمهّل، أسلوب راجَ بين عازفي الجاز، يقترب بالحوار الآلي من الحوار الإنساني، يدلّ على براعة العزف ويُشير إلى دربة العازف.
حُسن الدَربة وشدة البراعة تُتوّجان في مقطوعة "Nashaz - نشاز" ، بعد تسخين تقوم به الكمانات والڤيولا، يدخل الباص برفقة الكاخون ليمدّ الموسيقى بمحورٍ إيقاعي، عليه وحوله، تتبادل الكمانات استعراض أشكال العزف المُختلفة من سرعة، إلى جمع أكثر من نغمة بضربة قوس واحدة. دوماً في إطار الجاز - الروك واللاتين - جاز Latin Jazz، تُضاف جُملة من الموثرات تنتجها الوتريات، كجمع النقر بالأصابع مع العزف بالأقواس، وقدُح الأوتار بالأقواس.
في "Single - مُفرد" تؤدي الكمان ارتجالات ضوضائية عبثية تُذكّر بغيتار الهارد - روك الكهربائي، إلى أن ينعطف جهة التقسيم الارتجالي، مُناوباً بين لحنين، أحدهما راست، والآخر حجازي.
الألبوم بقرصيه المُدمجين إصدارٌ عالي الجودة، سواءً لجهة الأداء أم لجهة التوزيع والإنتاج، يجمع مواهب وطاقات شابة مُجدّة ومُجتهدة، اجتمعت في الدوحة ضمن إطار فلهارمونيّتها العريض، ثم أسست بإدارة اليماني فريقاً رفيع المستوى، يسعى إلى الإجابة عن أسئلة تتعلق بكيفية التعامل مع التراث والتفاعل به. قد تكثُر الارتجالات وتتشابه إجمالاً على حساب تنوّع المادة الموسيقية والبناء الدرامي للمقطوعات.
إنتاجياً، يتوق الألبوم مرّات نحو مزيدٍ من الرحابة اللونية؛ لناحية مُعالجة تهوية أصوات الكمانات تحديداً، ثم الرحابة الزمنية؛ لناحية تحرير الدَفق من صرامة ضابط الإيقاع Metronom.
ثلاث مقطوعات، تخرجُ عن سائد الألبوم من توتّر انسجامات داكنة وحماسة إيقاعات ساخنة، مركّبة ومُتعارضة، تلك هي "Lily Roses - زهر الزنبق" حيث ثمة موسيقى فرِحة ووديعة ترقص على إيقاع الفالس الثلاثي، و"Yellow Love- حبٌ أصفر" فيها تعزف الكمان لحناً عاطفياً يتكئ على إيقاع لاتيني هادئ ميّال إلى البوسا نوفا، ثم "The Players - اللاعبون" التي تعتمد إيقاع السماعي الثقيل الشرقي والأصيل، حاملاً على مقياسه تقاسيم مقامية متنوّعة.