"سينما الواقع" في باريس: تكريم جوسلين صعب

23 مارس 2019
جوسلين صعب (فيسبوك)
+ الخط -

نظَّم "مهرجان سينما الواقع الوثائقي"، في نسخته الـ41 (15 ـ 24 مارس/ آذار 2019) المُقامة في "مركز جورج بومبيدو الثقافي"، أمسية خاصّة بالسينمائية اللبنانية الراحلة جوسلين صعب (1948 ـ 2019)، عُرض فيها فيلمان لها، هما "أطفال الحرب" (1976) و"رسالة من بيروت" (1978).

يتناول الأول كيفية تأثّر الأطفال بالحرب الأهلية اللبنانية، وتطبيق ما يرونه في الواقع على ألعابهم؛ ويُظهر الثاني مشاهد من بيروت والجنوب اللبناني في تلك الفترة، تُعتبر (المَشاهد) وثيقة اجتماعية وسياسية، خصوصًا لأهل المنطقة ولمن عايش الأحداث، إذْ بدا عسيرًا على

الفرنسيين، الذين شاهدوهما، متابعة مجريات الأمور، وفهم تعقيدات الوضع. فاللقطات تتنقّل ـ من دون شرح ـ بين مليشيات فلسطينية ولبنانية، وأصحاب الخوذ الزرقاء، وشخصيات أخرى.

أما المهرجان ـ الذي يُعتَبر مرجعًا للسينما الوثائقية في فرنسا والعالم، ومكانًا لا بُدّ لمحترفي هذه السينما من المرور به ـ فيسعى إلى أن يكون في الطليعة دائمًا، لاكتشاف الأفضل والأكثر تجديدًا في الإنتاج الوثائقي.
وفي سياق منافسة متصاعدة من مهرجانات أخرى في فرنسا والعالم، يحاول المهرجان، في دورة هذا العام، إعادة صياغة نفسه (مع الترتيبات الإدارية الجديدة)، وإيجاد شراكات جديدة، على أن يبقى "مخلصًا لنفسه ولمتطلباته ولجرأته"، كما يقول مسؤولوه ومنظّموه. علمًا أنه انطلق برعاية جان روش، المُلقَّب بـ"أبي السينما الوثائقية"، نهاية سبعينيات القرن الـ20، في "مركز جورج بومبيدو الثقافي"، الوليد حديثًا في تلك الفترة.

هذا يبدو واضحًا في خيارات أفلام المسابقة، ويتجلّى أكثر في الأقسام الجديدة والتظاهرات الموازية التي تُظهِر غنى المهرجان وسعيه إلى تقديم الجديد. فهو يتضمّن مسابقة دولية للفيلم الوثائقي (الطويل والقصير)، وأخرى خاصة بالفيلم الفرنسي. في الأولى، هناك 22 فيلمًا من العالم، لكن لا يوجد فيها أي فيلم عربي. في الثانية، هناك 22 فيلمًا فرنسيًا. تمنح جوائز مالية للأفلام الفائزة في المسابقتين (11 جائزة)، تترواح قيمتها بين 8 آلاف يورو (الجائزة الكبرى لسينما الواقع) و3 آلاف يورو، تُقدّمها جهات مختلفة، منها المهرجان نفسه بالتأكيد، و"الجمعية الأهلية للوسائط الإعلامية المتعدّدة (سكام)" و"المعهد الفرنسي" و"المكتبة العامة للمعلومات"، وغيرها.

غير أن العرب حاضرون في قسم "العروض الخاصة"، بفضل فيلمي "باك يارد" للسوري خالد عبد الواحد، و"الفيلم المفقود" للّبنانيِّيَن جوانا حاجي توما وخليل جريج، بالإضافة إلى" لسّه عم تسجّل" للسوريِّيَن سعيد البطل وغياث أيوب، المعروض في قسم جديد اسمه "الجبهة الشعبية"، سيطرح كلّ عام الدور السياسي للسينما، والدور الملتزم للمهرجان.
سؤال هذه الدورة هو: "أي سُلطة  للصُوَر؟"، أي كيف يُمكن للصُوَر، التي تطرح مواضيع الكفاح والنضال، أن تتغلّب على القمع؟ وما هي قدرة السينما ووسائلها على نقل الثورات وتمرّد الشعوب، والتعبير عنها؟ وهل لها القدرة على تصوّر مستقبل آخر، أو المساعدة على الوصول إليه؟ بعد عرض الأفلام المختارة لهذا القسم، وبينها "فيلم مثل الأفلام الأخرى" (1968) للفرنسي السويسري جان ـ لوك غودار، ستُناقش هذه التساؤلات.

قسم جديد آخر استُحدِث هذا العام أيضًا، هو "صُنْعُ السينما"، تُعرض فيه أفلام لمؤلفين سينمائيين خلال عملية الخلق، كفيلمٍ يُصوِّر غودار في مكان عمله، وهو يشرح كيفية اشتغاله على كتابة سيناريو "الشغف"، بطريقته الساخرة المعهودة، وتعابيره الموزّعة على الاتجاهات كلّها، قبل أنّ يقدِّم لمن صَبِر على متابعته خلاصات عميقة ومهمّة عن الابتكار السينمائي.

ويُنظِّم المهرجان استعادة لبعض أفلام الأميركي كيفن جيروم إيفرسون بحضوره. والمخرج مهتمّ بتصوير الحياة اليومية للطبقة الشعبية للسود الأميركيين، وثقافتهم الشعبية، مُقترحًا بهذا تاريخًا معاصرًا للولايات المتحدة الأميركية، بعيدًا عن النمطيات السائدة للحلم الأميركي. ويخصِّص المهرجان، للمرّة الأولى، يومًا مفتوحًا للنقاش، يستعرض ويستكشف خلاله مواقف فنانين وباحثين في مجالات مختلفة، كالفلسفة والعمارة والمسرح والرقص والفنّ المعاصر والتصوير والسينما، إزاء الفيلم الوثائقي. يومٌ لفهم ومعرفة النقاط المشتركة والمختلفة بين المقاربات الفنية المتعدّدة، التي تدّعي كلها تطبيقها لمفهوم الوثائقي.
المساهمون