أوديار ولوغران أكثر الفائزين بجوائز "سيزار" الفرنسية: إدانة العنف

23 فبراير 2019
جاك أوديار وجائزة افضل مخرج (توماس سامسون/فرانس برس)
+ الخط -
فاز الفيلمان الفرنسيان "إلى الآخر" لكزافييه لوغران و"الإخوة سيسترز" لجاك أوديار بأكثر عدد من جوائز "سيزار"، التي منحتها "أكاديمية فنون السينما وتقنياتها" في باريس، مساء 22 فبراير/ شباط 2019، إذْ نال كلّ واحد منهما أربع جوائز من أصل 22 تمثالاً.

والنتائج المُعلنة في احتفال كبير تخلّلتها مفاجآت، أبرزها فوز "الحوض الكبير" لجيل لولوش، المُرشّح لعشر جوائز، بجائزة واحدة فقط، نالها فيليب كاترين كأفضل ممثل ثانٍ؛ أما فوز أوديار بجائزة الإخراج فكان متوقّعًا، لتمتّع المخرج بفرادة أسلوب في السينما الفرنسية المعاصرة، تميّزه عن الآخرين، ولقوّة مواضيعه واختلافها عن المواضيع "الصغيرة"، التي تُتّهم السينما الفرنسية بالاهتمام بها عادة.

فاز "الإخوة سيسترز" بجوائز "سيزار" في فئات الإخراج والتصوير (بونوا دوبي) والصوت (فاليري دو لووف وبريجيت تايياندييه وسيريل هولتز) والديكور (ميشال بارتيليمي). وهذه هي المرّة الثالثة التي يفوز فيها أوديار بجوائز "سيزار"، إذْ نال فيلمه الرائع "نبي"، عام 2010، ثلاثة تماثيل في فئات أفضل فيلم فرنسي وإخراج وسيناريو، كما فاز عام 2006 بثلاثة تماثيل أخرى في فئات أفضل إخراج وأفضل اقتباس وأفضل فيلم فرنسي عن "قلبي توقف عن الخفقان".

أما "إلى الآخر"، فنال الجائزة الأكثر تميّزًا وهي جائزة أفضل فيلم فرنسي، بالإضافة إلى جوائز أفضل سيناريو (لوغران) ومونتاج (يورغوس لامبرينوس) وممثلة (ليا دروكر). ويسرد "إلى الآخر"، الذي يعني عنوانه بالفرنسية "غرس نصل السيف في الجسد حتى المقبض"، العنف العائلي، من خلال قصة انفصال زوجين، وإصرار الأم على الاحتفاظ بابنها لحمايته من عنف الأب. يُفتتح بمشهد مخادع وذكي: جلسة قضائية يبدو فيها الزوج صادقًا ومحبًا ومُصرًّا على حضانة الابن، بينما تظهر الزوجة كأنها تريد حرمانه من ولده، من دون وجه حق. هذا كلّه من خلال تعابير الوجه، وبضع عبارات قصيرة فقط، إذ تركّز الحوار على المحاميتين والقاضية. ثم، شيئًا فشيئًا، وعلى نحو مفاجئ، ينكشف العنف المَرضي للزوج عبر تصرّفات بسيطة اولاً، ثم بشكل أخطر لاحقًا.

لكن قيمة الفيلم لا تكمن في مضمونه، الذي يُدين العنف من دون التركيز على هذا، بل في دراسة الشخصيات والتعمّق فيها بعيدًا عن سلوكها الواضح. هذا منحه بُعدًا مبتكرًا ومشوّقًا، وعمقًا تجاوز بكثير ظاهرة العنف. فيلم استحق الجائزة، فهو عن علاقات إنسانية، خصوصًا الزوجية والعائلية منها، وتحديدًا بين الآباء والأبناء، بكل ما تحمله من تعقيدات وتناقضات (حبّ ـ كراهية، وحنان ـ عنف، إلخ). ما ساهم أيضًا في نجاحه كامنٌ في أداء الممثلين، خصوصًا ليا دروكر، ودوني مِينوشيه، مؤدّي دور الزوج بشكل لافت للانتباه، لكنه رغم هذا لم ينل جائزة التمثيل وكان مرشّحًا لها.


كزافييه لوغران بعد انتهاء الحفل (توماس سامسون/فرانس برس)

أما جاك أوديار، فتمكّن في "الإخوة سيسترز" من إعادة اختراع أفلام الغرب الأميركية (وسترن)، كما قال نقاد فرنسيون. مخرج ماهر جدًا في تجنّب النمطية وحسّاس. لأفلامه إيقاع خاص، وتتمتّع بقوّة وتأثير. اعتبر فيلمه هذا كلاسيكيًا، كفيلم ينتمي إلى أفلام الغرب الأميركي، متضمّنًا العناصر كلّها لهذا النوع، من مطاردات وإطلاق نار ومؤامرات. لكنه، في الوقت نفسه، فيلم ذاتي، يطرح تأمّلات أوديار عن العنف والقدر ورابطة الدم.

يبدأ الفيلم بمشهد "وسترن" بامتياز: إطلاق نار غزير، وهجوم على مزرعة، وقتل في الليل، ثم انطلاق الخيول في مساحات شاسعة، وإن كانت أقل سعة من الغرب الأميركي. لكن، إذْ تجمّعت العناصر كلّها للـ"وسترن" في هذا المشهد، فإن أوديار أخرجها بطريقته الخاصة التي طرحها منذ البداية، فارضًا معها الإحساس بأنه مختلف عما نعرفه من هذا النوع، وذلك بفضل شخصيات بعيدة عن النمطية، بميولها المتناقضة وتراوحها بين الخير والشر.

كما اهتمّ بتفاصيل صغيرة، كأول ظهور لفرشاة الأسنان ولـ"السيفون" في الحمّام. وظهرت خصوصيته في نوع الموسيقى المستخدمة، وهي مغايرة لما يُستخدم عادة في أفلام الـ"وسترن"، وفي علاقته بالطبيعة وأسلوب تصويرها.

ايلي (جون سي رايلي) وشارلي سيسترز (يواكين فونيكس) قاتلان مأجوران في عالم وحشي وعدواني. في ذمّتهما قتلى كثيرون، مجرمون وأبرياء، لكنهما لا يكترثان فهذه مهنتهما. لكلّ منهما شخصيته، ومع أن ايلي هو الأكبر فقد منح أخاه الأصغر القيادة، وبات عليه تحمل "بلطجته" ونزواته ونزعته إلى سفك الدماء، وإدمانه الخمر والعنف. شارلي أقسى، مقتنع بأن دم والدهما، الذي يجري في عروقهما، كرّسهما إلى الأبد في صفّ القتلة المتوحشين. إيلي يحلم بحياة عادية، لكنه مضطر لمرافقة أخيه كواجب يشعر بأن عليه القيام به.

التناقض في شخصيتي الأخوين يظهر في اقتراح ايلي على أخيه التوقّف عن هذا كلّه، فيستغرب شارلي ويسأل: "لأفعل ماذا؟". بدأا مهمة جديدة تتمثّل في البحث عن رجل وقتله، بعد الحصول على وصفته السحرية للعثور على الذهب. جابا المناطق والبلدات والغرب الذي كان قيد التعمير، في رحلة بحث عن الذات وهروب من تاريخ أسود وسعي وراء الثروة، وهذه كلّها أدّت بهما إلى البوح، وإعادة النظر في حياتهما. ورغم عنف بطليه وقسوة بعض المشاهد، تسيطر ألفة وحميمية على الفيلم، ساهم فيهما التمثيل الرائع.

الفيلم عن رابطة الدم، والأبوّة هنا تظهر في تأثيرها السيئ، بينما الأخوّة في تأثيرها الإيجابي. فيلم عن قابلية التغيير نحو الأفضل، حتى للقتلة، فهناك جزءٌ خيّرٌ نائم يُقيم في الإنسان الشرير، ربما يستيقظ يومًا. يُكر أن الفيلم مُصوّر في إسبانيا ورومانيا، وليس في الولايات المتحدة الأميركية، وهذه ميزة منحت الفيلم هوية خاصة به، أبعدته عن الأفلام المشابهة. وصرّح أوديار أنه اختار هذا لسببين: الابتعاد عمن سبقه في هذا النوع، وصعوبة شروط العمل في الولايات المتحدة.

أخيرًا، فإن الفيلمين لم يحقّقا إيرادات كبيرة في فرنسا العام الفائت، كما فعل "الحوض الكبير" مثلاً. ففي مقابل 865 ألف بطاقة دخول بيعت لمشاهدة "الإخوة سيسترز"، و387 ألفًا لـ"إلى الآخر"، تجاوز عدد مشاهدي "الحوض الكبير" أربعة ملايين. فهل هذه هوّة بين الجمهور والجوائز والنقاد؟

دلالات
المساهمون