باليما: ساحة الثورة المغربية والثوّار

16 اغسطس 2015
محتجون في ساحة باليما (العربي الجديد)
+ الخط -


أصبحت ساحة باليما في الرباط قبلة المحتجين التي يقصدونها لاعتبارات عدة، أهمها أنها تقع ضمن أهم شوارع الرباط، وتمتاز بقربها من القصر الملكي، وتمركزها ضمن نقطة محورية قريبة من أهم الوزارات، لذلك شهرتها توازي شهرة بناية البرلمان المغربي، أو تفوقه أحياناً بالنسبة للذين لا يهتمون كثيراً بالسياسة. 

واشتهرت ساحة "باليما" أكثر بالاحتجاجات التي يخوضها الشباب المتخرّج الحاصل على شهادات جامعية عليا، دون أن يجد وظيفة في القطاع الحكومي، فضلاً عن احتجاجات منظمات نسائية، أو جمعيات حقوقية، وأحياناً مواطنين عاديين. 

ومن الاحتجاجات الشهيرة التي بصمت تاريخ ساحة باليما في السنوات الأخيرة، الوقفة التي قام بها ناشطون مغاربة ضد العفو الملكي عن مواطن إسباني اغتصب أطفالاً مغاربة، وجوبهت بتدخل أمني عنيف، وذلك في أغسطس/آب 2013، ما دفع القصر الملكي إلى تأكيد أن العاهل المغربي لم يطلع على جرائم المغتصب الإسباني، وتقديم اعتذاره لعائلات الضحايا. 

ساحة باليما إذا اشتهرت بالاحتجاجات ذات الطابع السياسي أو الاجتماعي، باعتبار تموقعها أمام مجلس النواب المغربي، فإنها عُرفت بذلك المقهى الذي يحمل الاسم ذاته، والذي يفتح ذراعيه، منذ الصباح الباكر، للبرلمانيين والسياسيين، والذين يناقشون الشأن العام، ويعقدون الصفقات الانتخابية، ويبرمون أحياناً المصالح الشخصية. 

ويقول محمد بوزركي، وهو ناشط مدني شارك في العديد من الوقفات الاحتجاجية في الساحة المقابلة للبرلمان المغربي، لـ"العربي الجديد"، إن الساحة تعتبر بمثابة سوق عكاظ تروج فيها سلع سياسية واجتماعية وحقوقية، حيث غالباً ما تُوجه الانتقادات والتهم إلى الحكومة، وأيضاً إلى المجلس التشريعي الذي وصفه الملك الراحل بـ"السيرك". 

وتابع الناشط ذاته، إن الساحة إذا كانت سوقاً دائمة الحركية والاحتجاجات، حتى أن سكان العاصمة يستغربون إذا مر يوم دون وقوف محتجين وسط الساحة المقابلة للبرلمان، فإن المقهى الذي يوجد خلفه يعتبر مكاناً لالتقاط الأنفاس لكثير من المحتجين، أو للتواري للهاربين من عصيّ رجال الأمن. 

اقرأ أيضاً:  فاس: عاصمة المغرب الروحية التي أنجبت أشهر سياسيي المغرب

ويقول الدكتور عبد الرحيم العلام، الخبير في الشأن السياسي، والذي نسج علاقة حميمية طوال سنتين مع ساحة ومقهى "باليما"، لـ"العربي الجديد"، إن في ذلك الفضاء تحاك القضايا السياسية والاجتماعية والمهنية للبلاد، وفيها يلتقي أعضاء البرلمان، ومنخرطو الأحزاب السياسية والنقابات العمالية. 

وفي مقهى "باليما"، يضيف العلام، تجد البرلماني والموظف الذي قدم من مدن مغربية بعيدة لقضاء أغراضه الإدارية، والشاب العاطل من العمل الذي يجعل من الساحة التي تفصل المقهى عن البرلمان مركزاً لاحتجاجه، قاعدة خلفية لاستراحته أو إعداد خططه "النضالية". 

ويجلس في المقهى الشهير المخبر الذي يتابع حركات المحتجين أمام البرلمان، ويسترق السمع من المتحاورين، وأيضاً الشرطي المكلف الحمايةَ، أو قمع الاحتجاجات الذي يجعل من أحد أسوارها متكأ يستند إليه بعد موجة حادة من القمع، كما يجلس فيه المواطن الذي يأتي لرشف كأس "شاي منعنع"، والفضولي الذي لا حاجة له إلا مراقبة ما يحدث. 

ويضيف المحلل أنه في المقهى نفسه تجد البرلماني الذي يبحث عن شاب مثقف كي يكتب له سؤالاً كتابياً أو شفوياً يعرضه في البرلمان، وفيها تجد الصحافي الذي يرتب موعداً ما، ويراقب حركة السياسة والاحتجاج في الشارع، ويصيغ قصاصاته الإخبارية، مردفاً أن أحاديث السياسة وكواليسها ومتاهاتها تطغى على أجواء مقهى "باليما". 

وسجل العلام بعض "غرائب" هذا المقهى السياسية، إذ إن الكل يقدره ويحترمه، لكن هناك، أيضاً، من يستهزئ منه ومن الجالسين فيه، وأحياناً تتحول كراسيه إلى وسائل دفاعية، وتصير زجاجاته وكؤوسه أسلحة تتقاذفها الأيدي المتصارعة، وتتحول غرف الفندق التابع له إلى مأوى يحمي الفارين من قمع قوات الأمن، أو عنف الخصوم السياسيين. 

وأفاد المتحدث أن "باليما" هو المقهى الوحيد في المغرب الذي لا يتأثر بالأحداث السياسية والاجتماعية، فهو لا يغلق أبوابه إلا من أجل الاستعداد ليوم آخر، ولا يعكر صفوه الاستعداد للاحتجاج، أو التحضير لصد التظاهرات، بل يستمر في عمله وكأن شيئاً لن يحدث. 

وخلص العلام إلى أن ساحة "باليما" شاهد حي على تحولات السياسة والاجتماع في المغرب، وما تعوّدها على الأخطار التي تحيق بها، إلا دليل على أن السياسة في المغرب لا تتأثر كثيراً بما يحدث أمام هذا المقهى، وإنما تساعد أحداث ساحة باليما على استمرار السياسة في البلاد، وتكون بمثابة اللقاء الضروري لعدم تعرض الاجتماع السياسي المغربي لأمراض فتاكة.

اقرأ أيضاً:  المغربيون يحيون مهنة "الحكواتي" في مهرجان عالمي

المساهمون