منبج السورية... مدينة من ماء وتاريخ

24 يوليو 2016
الحرب تأكل ما تبقى من المدينة (فرانس برس)
+ الخط -
قيلَ: بمنبجٍ مثواهُ ونائله/في الأفقِ يسألُ عمَّنْ غيرُهُ سألا 

منبج مدينة من ينابيع وحرير وقصائد، أخذت اسمها من الماء الطالع من روح الأرض منبع أو منبغ، ليصير لفظه فيما بعد منبج. ومنبج هي مدينة الآلهة والتاريخ والشعر مثلما هي مدينة الخصب والجمال والحب.

منبج هي صوت التاريخ الذي بدأ منذ بداية الحياة على الأرض، إذ تثبت الكشوفات التي وجدت فيها عن تاريخ يعود إلى أكثر من ألفي سنة قبل الميلاد وقد انتعشت منذ ذاك الوقت كمدينة كاملة ثم عادت وخبت فترة لتعود وتزدهر في العهد الحثي القديم ولتكمل لعبتها مع الزمن وتتوسع في زمن الآراميين، إذ أصبحت منبج العاصمة الدينية للحضارة الآرامية وأقيم فيها هيكل إله العواصف "حدد"، وآلهة المياه أتاركاتيس. وقد كان تمثال أتاركاتيس يمثلها راكبة على مركبة تجرها الأسود، وفي يدها آلة موسيقية وعلى رأسها تاج. ووصل تألق منبج لأوجه في ظل معبدها القديم، ولا تزال آثاره مبعثرة في الحديقة العامة حتى اليوم، حيث كانت قبلة حج للناس آنذاك، وموطن الإلهة أتاركاتيس. وكانت المدينة تسمى آنذاك هيرابوليس Hierapolis أي المدينة المقدسة.

بعد ذلك عبرت على منبج الحضارة الرومانية، فكانت من أهم قواعد الجيش فيها، وحين بدأت الدعوة المسيحية بالانتشار في بلاد الشام وصلت الى منبج مع وصولها لحلب، وكان ذلك في منتصف القرن الثالث الميلادي. وأصبحت منبج حينها واحدة من المدن المسيحية الهامة وقد انتعشت التجارة فيها بحكم موقعها الوسيط بين الجزيرة والفرات شرقاً وحلب واللاذقية غرباً. كما كانت مركز تبادل تجاري بين مدينة حلب من جهة والبادية ووادي الفرات وسهول حلب الشرقية وعين العرب من جهة أخرى. وبقيت منبج على المسيحية حتى عام خمسة عشر للهجرة، حين وصل إليها القائد المسلم عياض بن غنم لتصبح منبج أيضاً من أهم المدن الإسلامية في المنطقة، وحصنا دفاعيا هاما جدا للدولة الأموية. أما أهم عهد لمنبج في التاريخ الإسلامي فقد كان العهد العباسي اذ أصبحت منبج المدينة إمارة حمدانية كبيرة، وقد ولي عليها الشاعر أبو فراس الحمداني، لتصبح منبج المدينة الأكثر أهمية في الدولة الحمدانية، اذ إن هذه المدينة الصغيرة والعظيمة بمساحاتها الخضراء الشاسعة وبتربتها الخيرة كانت تزود الدولة الحمدانية بكل مستلزماتها من الحبوب والقطن. كما أنها كانت قد اشتهرت في ظل الدولة الحمدانية بالجمال وبذكاء سكانها وبفطرتهم الشعرية، مثلما كانت معروفة بالصناعات اليدوية التي تدل على عراقة هذه المدينة النادرة، مثل صناعة السجاد الفاخر والحصر وصناعة الملابس.

وتقع منبج إلى الغرب من نهر الفرات في أرض منبسطة تنحدر نحو الفرات شرقاً وباتجاه أبو قلقل في الجنوب ونهر الساجور في الشمال، ترتفع عن سطح البحر 475 متراً، وقدر عدد سكانها بنحو 85000 نسمة في عام 2005.
اسم منبج الحالي مشتق من كلمة مبوغ (في اللغة الحثية) الذي أطلق عليها منذ أقدم العصور. وقد ظل يتواتر، ويتطور في الفترات الزمنية التي مرت بها، فقد سميت (نامبيجي) بالآشورية و(نابيجو) بالآرامية وفي ما بعد (مابج) و(نابوج) بمعنى نبع، ولفظة منبج سريانية محرفة عن (منبغ) ومعناها المنبع، وسميت بهذا الاسم لوجود عين عظيمة تعرف باسم الروم.
كانت منبج تحتفي بقلعتها التي بناها السلوقيون لكن لم يبق من هذه القلعة سوى اسمها والبعض القليل مما يدل عليها.

وقد كانت هذه المدينة العريقة سابقاً تسمى بمدينة الحرير لأنها كانت مدينة معروفة بزراعة أشجار التوت وتربية دودة القز، ومن ثم صناعة الحرير الطبيعي النادر والثمين بأيدي ثمينة وماهرة، وقد كانت نهاية تلك الصناعة عام 1241.

دلالات
المساهمون