"شحن" لكريم رحباني: ليلُ مدينة وأناس

11 ديسمبر 2017
من "شحن" لكريم رحباني (الملف الصحافي للفيلم)
+ الخط -
بلغة سلسة في مقاربة النواة الدرامية للحبكة، المروية ببساطة تعكس ارتباك اللحظة اللبنانية في العلاقة الملتبسة بالنازح السوريّ، أنجز كريم رحباني فيلمه القصير "شحن" (2017، 20 د.)، الفائز بجائزة لجنة التحكيم الخاصّة بمسابقة "سينما الغد الدولية للأفلام القصيرة"، في الدورة الـ39 (21 ـ 30 نوفمبر/ تشرين الثاني 2017) لـ"مهرجان القاهرة السينمائي الدولي". فالحكاية إنسانية بحتة، رغم مواجعها الداخلية، التي لن تظهر على الشاشة الكبيرة مباشرة، لاكتفائها بسرد فصولها عبر شخصية أساسية، هي فتى ينظر إلى المدينة بعينٍ قلقة، لاهتمامه الأول بجدّه العجوز، المُتعب من ثقل السنين، ومن سطوة النسيان، ومن طغيان الوحدة. في حين أن معالجة الحكاية تلك مرتكزة على عامل سرديّ واحد: متابعة أحوال الحفيد وجدّه، في مدينة يأتيان إليها للمرة الأولى، هرباً من خراب بلدهما.

والمتابعة تلتقط تفاصيل صغيرة، تصنع حكاية المدينة أيضاً، في علاقتها بناسها وليلها، وفي ارتباطها بواقعها وعيشها، وفي ملامح أزقّتها وأمكنة سهرها. بالإضافة إلى هذا، فإن وصول الحفيد عبودي (عبد الهادي عساف) وجدّه (سعد الدين مخلّلاتي) إليها مدخلٌ إلى قراءة حالة إنسانية، تنبثق من خرابٍ سوريٍّ، وتنفلش في ارتباك بيروت، وتتنوّع اختباراتها على مسالك أفرادٍ يمرّون سريعاً في حياة عبّودي، المهتمّ بسلامة جدّه الضائع عنه، والراغب في أدوية لن يتذكّر أسماءها، والباحث عن أي فرصة ممكنة لإسعاد ذاك الرجل العجوز، الذي يرى نملاً يزداد عدده، لحظة تلو أخرى، في مخيّلته.

في الطريق إلى بيروت، يشعر الجدّ بحاجة إلى قضاء حاجته، فيتخلّى عنه سائق الشاحنة الصغيرة، تاركاً إياه على الطريق رفقة حفيده الصغير. ممثلة شابّة (سينتيا خليفة) تقودهما ـ بسيارتها ـ إلى بيتٍ لها في المدينة، قبل أن تتركهما فيه على أن تلتقيهما بعد 3 أيام. مزيج التشاوف الذاتي والتعاطي الملتبس بين إنسانية وادّعاء وتصنّع، يَسِم الشابّة، العاملة في حقل التمثيل، والمنشغلة فيه كأداة شهرة ونجومية. لكن بيروت قاسية، والوقت القليل الذي يُمضيه الحفيد وجدّه فيها كافٍ لفهم شيء من اضطرابات راهنٍ غامضٍ.

بعيداً عن نهايةٍ "مفاجئة" (يُفضَّل عدم سرد تفاصيلها)، فإن المتابعة البصرية لسيرة عبّودي في بيروت، خصوصاً في ليلها، تعكس شيئاً من حِرفية اشتغالٍ مقبولة. ففي مقابل عدم إتقان شخصيتي الحفيد والجد للّهجة السورية؛ فإن فوضى الممثلة الشابّة تتلاءم مع نموذجٍ شبابيّ يُتقن عيشاً مدوّياً، أشبه باستعراضٍ يتوه في دهاليز الواقع، من دون أن يبلغ حدّاً معقولاً من المتعة الحقيقية للعيش. وفي مقابل حيوية عبد الهادي عساف، وتمكّنه من امتلاك سحرٍ متواضع في تأدية دور ينتقل من رعاية عجوز إلى مواجهة تفاصيل اليومي؛ فإن توغّل الكاميرا (راشيل نوجا) في ليل المدينة يترافق وتوغّلها في وجوهٍ وانفعالاتٍ وتعابير وحركاتٍ، يصنعها أناسٌ يظهرون في تلك السيرة المتواضعة لصبيٍّ، يواجه تحدّيات الدنيا والحياة والخراب باكراً جداً.
دلالات
المساهمون