أثناء التحضير لهذا التقرير، قابلت "العربي الجديد" أكثر من عشرين فنانة أو عاملة في الوسط الفني العربي، من مصر ولبنان وسورية، كلهنّ تحدّثن عن تعرّضهن لشكل من أشكال التحرّش الجنسي في مكان العمل، لكن قليلات فقط قبلن نشر شهاداتهنّ، بينما رفضن جميعاً الإشارة إلى أسمائهنّ، حتى من يشتهرن بشجاعتهن في مقاربة مواضيع شائكة في المجتمع، ودفاعهنّ عن القضايا النسوية.
أينما يحلّ، يمشي الموسيقي المصري الشهير، بشعره الأبيض، وقامته المتوسطة، متباهياً بالمعجبات والذهول الذي يحيط به. هو عبقري في الموسيقى، هذا ما يقال عنه، والجوائز الحاصل عليها تثبت ذلك. لكن عبقريته الموسيقية لا تنسحب على جوانب أخرى من حياته. الفنان نفسه، يتحدّث بثقة كبيرة عن مغامراته العاطفية. هكذا يسميها. لكنها في الواقع عمليات تحرّش جنسي لا ترقى حتى لمستوى "المغامرة العاطفية العابرة".
تروي دنيا (اسم مستعار) وهي فنانة مصرية شابة لـ"العربي الجديد"، كيف أبلغها الموسيقي إياه أن العمل في مجال الموسيقى يتطلب منها "تقديم تنازلات"، ملمّحاً تارة إلى نوع التنازلات التي يريدها، وتارة أخرى متكلماً بشكل واضح عن طلباته الجنسية. استخدام العبارات الصفراء الخارجة من مجلات الستينيات الرخيصة، يتكرّر بشكل شبه روتيني مع الكثير من الشابات اللواتي عملن مع الموسيقي العبقري أو اللواتي شاركن في ورش عمل موسيقية معه، وفق ما تروي شابة أخرى شاركت معه في ورشة عن الموسيقى والمسرح، "التحرّش دفعني أن أمشي من أول أيام الورشة".
الجميع يعلم إذاً أن الموسيقي إياه متحرّش، لكن لا أحد يتكلّم. وعندما تستعاد هذه القصص في الأوساط الموسيقية والدوائر الصغيرة في القاهرة، يكون ذلك من باب الضحك والسخرية من "الرجل الذي شاب ولم يتب".
الموسيقي المصري ـ العالمي ليس المتحرّش الوحيد في الوسط الفني المصري. بل تروي آية (اسم مستعار) وهي صحافية فنية مصريّة كيف أقفل أحد الممثلين المشهورين والمخضرمين باب مكتبه، عندما دخلت لتجري مقابلة معه، "أثناء الحديث كان يمشي كثيراً داخل المكتب، يقترب مني قليلاً ثمّ يبتعد، وفي نهاية المقابلة، وعندما حاولت الخروج، طلب مني أن أبقى قليلاً لنقضي بعض الوقت سويةً. ثمّ وقف واقترب مني بشكل مخيف، فالتصق جسده بجسدي، وعندما صرخت، فتح الباب وشتمني، وأبلغني بأنّه سيخبر إدارة التحرير في الصحيفة بأنني غير كفوءة". واللافت أن اتهامات بالتحرش تلاحق اليوم نجل هذا الفنان، وهو ممثل أيضاً.
انفجار الملفّ
لم يكن انفجار موضوع التحرش الجنسي في هوليوود عبثياً، لا في التوقيت ولا تسلسل الشهادات بشكل أسطوري، ولا حتى مصير المتحرّشين. كان الكيل قد طفح، وتزامن ذلك مع دور كبير قامت به الحركة النسوية حول العالم، فانهار حاجز الخوف، وانهارت معه الهالة المحيطة بالنجوم والنافذين هناك. ثمّ طاولت الفضائح "بوليوود" في الهند، إسبانيا، فرنسا، السويد، بريطانيا، كوريا الجنوبية، اليابان... وبقي العالم العربي صامتاً. الفنانات العربيات صمتن كلهّن. منهنّ من رفضن أي تعليق صحافي حول الموضوع، منهنّ من نفين وجود تحرّش، ومنهنّ من قلن إن التحرّش موجود لكن بشكل عام، وضبابي. هذا ما فعلته الفنانة التونسية هند صبري، حين قالت في مقابلة الشهر الماضي مع الإعلامي المصري عمرو أديب: "طبعاً التحرش الجنسي موجود".
الراقصة المصرية سما المصري كانت أكثر جرأة، فقالت إنّ "كل المنتجين متحرشون في مصر، ويطلبون خدمات مقابل المشاركة في أعمالهم".
اقــرأ أيضاً
المنظومة الفنية ـ الأمنية في سورية
"الوسط الفني السوري قائم على التحرّش"، تقول هنادي (اسم مستعار) وهي شابة سوريّة حاولت دخول عالم التمثيل في سورية. لكن التحرش المستمر من قبل منتجين ومخرجين ومصورين دفعها إلى مغادرة الاستديوهات إلى غير رجعة. تروي لـ"العربي الجديد"، قصصاً قابلتها وأدّت بها إلى تقديم شكوى رسمية ضدّ أحد المنتجين. "ردود الفعل الغاضبة، شخصية وفردية جداً، بينما فنانات كثيرات لا حول ولا قوة لهنّ". تتحدّث الشابة عن شركات إنتاج تضمّ في مكاتبها الخلفية غرف نوم، وعن تحرّش لفظي وجسدي أثناء التصوير وقبله وأثناء توقيع العقود. كما تحكي عن ثقافة تحرّش كرّسها بعض النجوم، بينهم ممثّل كوميدي ومقدّم برامج سوري شهير بخفة دمّه كيف جعل من التحرّش باباً لدخول غير الموهوبات إلى عالم الدراما. لكنّ منظومة التحرش السورية، تتشابك فيها المصالح، فتخرج من إطارها الضيّق لتشمل أيضاً ضباطاً سوريين، يبلغون بشكل مباشر المنتجين أن هذه الشابة أو تلك تعجبهم، ويطلبون منهم دعمها وفتح الباب لها في طريق النجومية.
هند (اسم مستعار) فنانة مسرحية سورية أخرى، تقيم اليوم في بيروت، تتحدّث عن أنّ التحرش يبدأ من الجامعة، من معاهد الفنون والتمثيل، فيلمّح بعض الأساتذة للطالبات بأنّ العلاقات الجنسية قد تفتح لهنّ أبواباً للشهرة والنجومية "هو قرار شخصي، إما تقبل الشابة وإما لا تقبل... هناك من كان يدعوني إلى العشاء، وفي العشاء يحاول لمس أجزاء من جسدي، وهو ما تكرّر مع كثيرات"، تتحدّث عن أستاذ مشهور كان يشتم الفتيات اللواتي لا يقبلن "طلباته" ويصفهنّ بأنهن "محافظات ولن يجدن مكاناً لهنّ في الوسط الفني الذي يحبّ المتحررات".
شمّاعة التحرّر
تبدو كل قصص الفنانات العربيات متشابهة، لكنها تأخذ منحى أكثر عنفاً في بعض الأوقات. رنا (اسم مستعار) كاتبة وممثلة لبنانية لا تزال تذكر جيداً تفاصيل التحرش الجنسي بها من قبل مخرج مسرحي لبناني شهير: "اتصلت به لأعرض عليه نصّ مسرحيتي الجديدة، وتقابلنا أكثر من مرة في أماكن عامة... ثمّ حين جاء موعد التدريبات، دعاني إلى منزله، وهناك بدأ بلمس أماكن حساسة في جسدي بحجة تصحيح حركاتي. في البداية انزعجت لكنني ظننت أن ذلك قد يكون طبيعياً. عندما تكرّرت ملامساته تشاجرت معه، ومشيت".
نادرة (اسم مستعار) ممثلة لبنانية شهيرة اليوم، ولها أدوار كثيرة في السينما اللبنانية والدراما والمسرح، تتحدّث عن بداياتها في عالم التمثيل. وتستعيد حادثة محددة حصلت في أحد التلفزيونات المحلية، "كنت في جلسة عمل مع مسؤول فني في القناة في مكتبه للحديث عن دوري في مسلسل (واحد من أشهر المسلسلات في تاريخ الدراما اللبنانية الحديثة)، فطلب مني أن أمشي أمامه ثمّ أن أستدير ليرى إن كان جسدي مناسباً للدور. ثمّ اقترب مني ولمسني قائلاً إن بعض الأماكن في جسدي ستجذب عدداً كبيراً من المشاهدين". تروي الممثلة أكثر من عشرين حادثة تحرّش لفظي وجسدي تعرضت لها "ولم تختف هذه الحوادث إلا بعدما أصبحت ممثلة مشهورة، وشجاعة، بتّ أصرخ في وجه المتحرش وأهدده بفضحه، لكن الأكيد أن هذه الانتهاكات تحصل يومياً".
لماذا لا تذكر الفنانات المعنيات أسماء المتحرشين؟ لماذا يخفين أسماءهنّ؟ ولمَ لم يخرجن إلى العلن كما فعلت باقي الفنانات العالميات؟ تجيب المسرحية السورية الشابة بشكل يختصر كل المشهد: "هل شاهدتِ فيلم (سورية الصرخة المخنوقة) عن اغتصاب النساء السوريات في سجون الأسد؟ واحدة من المعتقلات قتلها والدها لأنها تعرضت للاغتصاب. فقط، لو تحدّثت عن تعرضي للتحرش، قد يغضب والدي، قد يطردني أخي من البيت، وقد تنتهي علاقتي بحبيبي... لكن قد يأتي يوم يتغيّر فيه المشهد، القذارة التي تسيّر هذا الوسط لا بدّ أن تنتهي".
اقــرأ أيضاً
تروي دنيا (اسم مستعار) وهي فنانة مصرية شابة لـ"العربي الجديد"، كيف أبلغها الموسيقي إياه أن العمل في مجال الموسيقى يتطلب منها "تقديم تنازلات"، ملمّحاً تارة إلى نوع التنازلات التي يريدها، وتارة أخرى متكلماً بشكل واضح عن طلباته الجنسية. استخدام العبارات الصفراء الخارجة من مجلات الستينيات الرخيصة، يتكرّر بشكل شبه روتيني مع الكثير من الشابات اللواتي عملن مع الموسيقي العبقري أو اللواتي شاركن في ورش عمل موسيقية معه، وفق ما تروي شابة أخرى شاركت معه في ورشة عن الموسيقى والمسرح، "التحرّش دفعني أن أمشي من أول أيام الورشة".
الجميع يعلم إذاً أن الموسيقي إياه متحرّش، لكن لا أحد يتكلّم. وعندما تستعاد هذه القصص في الأوساط الموسيقية والدوائر الصغيرة في القاهرة، يكون ذلك من باب الضحك والسخرية من "الرجل الذي شاب ولم يتب".
الموسيقي المصري ـ العالمي ليس المتحرّش الوحيد في الوسط الفني المصري. بل تروي آية (اسم مستعار) وهي صحافية فنية مصريّة كيف أقفل أحد الممثلين المشهورين والمخضرمين باب مكتبه، عندما دخلت لتجري مقابلة معه، "أثناء الحديث كان يمشي كثيراً داخل المكتب، يقترب مني قليلاً ثمّ يبتعد، وفي نهاية المقابلة، وعندما حاولت الخروج، طلب مني أن أبقى قليلاً لنقضي بعض الوقت سويةً. ثمّ وقف واقترب مني بشكل مخيف، فالتصق جسده بجسدي، وعندما صرخت، فتح الباب وشتمني، وأبلغني بأنّه سيخبر إدارة التحرير في الصحيفة بأنني غير كفوءة". واللافت أن اتهامات بالتحرش تلاحق اليوم نجل هذا الفنان، وهو ممثل أيضاً.
انفجار الملفّ
لم يكن انفجار موضوع التحرش الجنسي في هوليوود عبثياً، لا في التوقيت ولا تسلسل الشهادات بشكل أسطوري، ولا حتى مصير المتحرّشين. كان الكيل قد طفح، وتزامن ذلك مع دور كبير قامت به الحركة النسوية حول العالم، فانهار حاجز الخوف، وانهارت معه الهالة المحيطة بالنجوم والنافذين هناك. ثمّ طاولت الفضائح "بوليوود" في الهند، إسبانيا، فرنسا، السويد، بريطانيا، كوريا الجنوبية، اليابان... وبقي العالم العربي صامتاً. الفنانات العربيات صمتن كلهّن. منهنّ من رفضن أي تعليق صحافي حول الموضوع، منهنّ من نفين وجود تحرّش، ومنهنّ من قلن إن التحرّش موجود لكن بشكل عام، وضبابي. هذا ما فعلته الفنانة التونسية هند صبري، حين قالت في مقابلة الشهر الماضي مع الإعلامي المصري عمرو أديب: "طبعاً التحرش الجنسي موجود".
الراقصة المصرية سما المصري كانت أكثر جرأة، فقالت إنّ "كل المنتجين متحرشون في مصر، ويطلبون خدمات مقابل المشاركة في أعمالهم".
المنظومة الفنية ـ الأمنية في سورية
"الوسط الفني السوري قائم على التحرّش"، تقول هنادي (اسم مستعار) وهي شابة سوريّة حاولت دخول عالم التمثيل في سورية. لكن التحرش المستمر من قبل منتجين ومخرجين ومصورين دفعها إلى مغادرة الاستديوهات إلى غير رجعة. تروي لـ"العربي الجديد"، قصصاً قابلتها وأدّت بها إلى تقديم شكوى رسمية ضدّ أحد المنتجين. "ردود الفعل الغاضبة، شخصية وفردية جداً، بينما فنانات كثيرات لا حول ولا قوة لهنّ". تتحدّث الشابة عن شركات إنتاج تضمّ في مكاتبها الخلفية غرف نوم، وعن تحرّش لفظي وجسدي أثناء التصوير وقبله وأثناء توقيع العقود. كما تحكي عن ثقافة تحرّش كرّسها بعض النجوم، بينهم ممثّل كوميدي ومقدّم برامج سوري شهير بخفة دمّه كيف جعل من التحرّش باباً لدخول غير الموهوبات إلى عالم الدراما. لكنّ منظومة التحرش السورية، تتشابك فيها المصالح، فتخرج من إطارها الضيّق لتشمل أيضاً ضباطاً سوريين، يبلغون بشكل مباشر المنتجين أن هذه الشابة أو تلك تعجبهم، ويطلبون منهم دعمها وفتح الباب لها في طريق النجومية.
هند (اسم مستعار) فنانة مسرحية سورية أخرى، تقيم اليوم في بيروت، تتحدّث عن أنّ التحرش يبدأ من الجامعة، من معاهد الفنون والتمثيل، فيلمّح بعض الأساتذة للطالبات بأنّ العلاقات الجنسية قد تفتح لهنّ أبواباً للشهرة والنجومية "هو قرار شخصي، إما تقبل الشابة وإما لا تقبل... هناك من كان يدعوني إلى العشاء، وفي العشاء يحاول لمس أجزاء من جسدي، وهو ما تكرّر مع كثيرات"، تتحدّث عن أستاذ مشهور كان يشتم الفتيات اللواتي لا يقبلن "طلباته" ويصفهنّ بأنهن "محافظات ولن يجدن مكاناً لهنّ في الوسط الفني الذي يحبّ المتحررات".
شمّاعة التحرّر
تبدو كل قصص الفنانات العربيات متشابهة، لكنها تأخذ منحى أكثر عنفاً في بعض الأوقات. رنا (اسم مستعار) كاتبة وممثلة لبنانية لا تزال تذكر جيداً تفاصيل التحرش الجنسي بها من قبل مخرج مسرحي لبناني شهير: "اتصلت به لأعرض عليه نصّ مسرحيتي الجديدة، وتقابلنا أكثر من مرة في أماكن عامة... ثمّ حين جاء موعد التدريبات، دعاني إلى منزله، وهناك بدأ بلمس أماكن حساسة في جسدي بحجة تصحيح حركاتي. في البداية انزعجت لكنني ظننت أن ذلك قد يكون طبيعياً. عندما تكرّرت ملامساته تشاجرت معه، ومشيت".
نادرة (اسم مستعار) ممثلة لبنانية شهيرة اليوم، ولها أدوار كثيرة في السينما اللبنانية والدراما والمسرح، تتحدّث عن بداياتها في عالم التمثيل. وتستعيد حادثة محددة حصلت في أحد التلفزيونات المحلية، "كنت في جلسة عمل مع مسؤول فني في القناة في مكتبه للحديث عن دوري في مسلسل (واحد من أشهر المسلسلات في تاريخ الدراما اللبنانية الحديثة)، فطلب مني أن أمشي أمامه ثمّ أن أستدير ليرى إن كان جسدي مناسباً للدور. ثمّ اقترب مني ولمسني قائلاً إن بعض الأماكن في جسدي ستجذب عدداً كبيراً من المشاهدين". تروي الممثلة أكثر من عشرين حادثة تحرّش لفظي وجسدي تعرضت لها "ولم تختف هذه الحوادث إلا بعدما أصبحت ممثلة مشهورة، وشجاعة، بتّ أصرخ في وجه المتحرش وأهدده بفضحه، لكن الأكيد أن هذه الانتهاكات تحصل يومياً".
لماذا لا تذكر الفنانات المعنيات أسماء المتحرشين؟ لماذا يخفين أسماءهنّ؟ ولمَ لم يخرجن إلى العلن كما فعلت باقي الفنانات العالميات؟ تجيب المسرحية السورية الشابة بشكل يختصر كل المشهد: "هل شاهدتِ فيلم (سورية الصرخة المخنوقة) عن اغتصاب النساء السوريات في سجون الأسد؟ واحدة من المعتقلات قتلها والدها لأنها تعرضت للاغتصاب. فقط، لو تحدّثت عن تعرضي للتحرش، قد يغضب والدي، قد يطردني أخي من البيت، وقد تنتهي علاقتي بحبيبي... لكن قد يأتي يوم يتغيّر فيه المشهد، القذارة التي تسيّر هذا الوسط لا بدّ أن تنتهي".