هيئة الترفيه السعودية: رقص وموسيقى لتغطية القتل والقمع

10 مارس 2019
هبة طوجي في السعودية (فرانس برس)
+ الخط -
قبل سنة و5 أشهر من اغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول، وفي السادس من مايو/أيار 2016، أعلنت المملكة العربية السعودية عن إنشاء الهيئة العامة للترفيه، "بهدف تطوير وتنظيم قطاع الترفيه ودعم بنيته التحتية في المملكة، وذلك بالتعاون مع مختلف الجهات الحكومية والقطاع الخاص، وفق استراتيجيتها المعتمدة، الهادفة إلى المساهمة في تحسين جودة الحياة في المملكة".
اليوم وبينما لا تزال قضية جمال خاشقجي بفظاعتها ترسم عشرات علامات الاستفهام حول المملكة، وولي عهدها، وحقيقة الإصلاحات فيها، يبدو دور هيئة الترفيه أساسيّاً في التغطية على فظاعة ما يرتكب من اعتقالات، وتعذيب، بحق الناشطين والناشطات. إلى جانب محاولة تبدو ساذجة حتى الساعة في التغطية المستمرة على جريمة اغتيال خاشقجي. وهي المحاولات التي تواجه مشاكل كبيرة، آخرها فسخ وكالة "أنديفور" الهوليوودية عقداً بـ400 مليون دولار مع المملكة، نتيجة لتداعيات اغتيال الصحافي السعودي.
الهيئة، وهي واحدة من المبادرات المنبثقة من رؤية 2030 التي أطلقها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في شهر إبريل/نيسان 2016، نجحت بالفعل بإحداث تغيير في نمط الحياة السعودية: حفلات مستمرّة، تدفّق لنجوم عالميين وعرب، وكان السعوديون قبل وقت قليل، يسافرون إلى دول مجاورة أو بعيدة لحضور حفلاتهم. وبعيداً عن الحسابات السياسية عرف محمد بن سلمان كيف يخاطب الشباب السعوديين، كواحد منهم، تحديداً من خلال هذه الهيئة ونشاطاتها: إنريكي إيغليسياس، وماريا كاري، وأنغام، وماجدة الرومي، وإليسا، وعمرو دياب، ومحمد حماقي، وتامر حسني، وشريهان... أسماء عربية وعالمية أحيت أو ستحيي حفلات وعروضا في المملكة، لتتحوّل بذلك السعودية إلى واحدة من أبرز الوجهات الخليجية والعربية لحفلات الفنانين.
إلى جانب الترفيه، أمّنت الهيئة فرص عمل كثيرة للشباب السعوديين، في مجال حيوي، ويتطوّر بشكل مستمرّ حول العالم، وهو ما زاد من أهمية الهيئة، ”هذا باب كبير. باب وظائف كبير بعشرات الآلاف إذا ما كان مئات الآلاف" قال رئيس الهيئة، المعيّن حديثاً، تركي آل الشيخ في مؤتمر صحافي عقده في 22 يناير/كانون الثاني الماضي.
وبالعودة إلى جمال خاشقجي الذي قتل داخل قنصلية بلاده في إسطنبول بعد سنة و5 أشهر من إنشاء هيئة الترفيه، فإن العلاقة بين التاريخين كانت لتبدو غريبة ومستحيلة، لولا سلسلة الأحداث التي تلت قتل خاشقجي، وحوّلت الهيئة إلى واجهة الدفاع الأولى لتبرئة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان من التورط في الجريمة المرعبة، وتحسين صورة المملكة في العالمين العربي والغربي.
بالموسيقى والرياضة والمهرجانات إذاً سعت المملكة إلى تحسين صورتها، بعد حملة المقاطعة المكثّفة التي تعرضت لها منذ اتضاح المصير المأساوي الذي واجهه خاشقجي على يد فريق اغتيال تابع بكل أعضائه إلى الدائرة المقربة (جداً) من محمد بن سلمان. واجهت الهيئة منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي، مطبات عدة، تمثلت بشكل أساسي بإلغاء عدد من الحفلات والمباريات الرياضية، والعقود المتفق عليها سلفاً، وذلك بعد تراجع عدد من النجوم ورجال الأعمال من مختلف المجالات عن زيارة الرياض أو التعاون مع المملكة في إطار مشاريعها الترفيهية.
شهران تقريباً، كانت المدة الكافية لتتعامل الهيئة مع خسارتها، ومع صورتها المهزوزة. أوامر ملكية أدت إلى تغييرات رسمية وحكومية في المملكة، كان أبرزها تعيين تركي آل الشيخ على رأس الهيئة العامة للترفيه. آل الشيخ المشهور بعلاقاته مع عدد كبير من الفنانين العرب، والمشهور أيضاً بمواقفه المثيرة للجدل، لم يتأخر في تلبية الواجب. سريعاً بدأ نشاطاته، التي تشمل يومياً توقيع اتفاقات مع جهات عربية وغربية لتنظيم نشاطات ترفيهية في المملكة. ولعلّ صورته في القاهرة محاطاً بمجموعة من نجوم الصف الأول على الساحة المصرية الفنية هي خير دليل على نشاطه الجاد في إعادة الهيبة لهيئة الترفيه. ومن القاهرة إلى لندن، حيث وقّع في يوم واحد اتفاقيات عدة لتنظيم برامج ترفيهية "عائلية" خلال شهر رمضان، وفي الأشهر التي تليه في مختلف محافظات المملكة.
بموازاة النشاط الخارجي، نظّمت الهيئة مهرجاناً فنياً ضخماً بعنوان "شتاء طنطورة" في محافظة العلا التي تضمّ آثاراً سعودية بقيت حتى وقت قريب مجهولة بالنسبة للعالم. هنا، جنّدت المملكة كل علاقاتها، وأموالها، وأصدقائها لإنجاح مهرجان يمتدّ على شهر ونصف الشهر من النشاطات التي لا تتوقّف. البداية مع الفنانة اللبنانية ماجدة الرومي، التي وصلت إلى المملكة برفقة وفد لبناني بالعشرات ضمّ وزراء ونواباً وفنانين وإعلاميين وجّهت لهم الدعوة من قبل السعودية. فتح الهواء على الشاشات اللبنانية لساعات، لتغطية المهرجان. قناة LBCI خصصت فقرة شبه ثابتة لتغطية المهرجان وفتح الهواء لمختلف نشاطاتها مهما كانت تافهة أو خارجة عن اهتمامات المشاهد اللبناني. 

تستند الهيئة إذاً إلى وجوه إعلامية وفنية عربية، وبعض الوجوه الغربية، لتشكّل رافعتها أمام العالم. من لا يحب شريهان؟ من يمكن أن يصدّق أن يحيى الفخراني جزء من حملة علاقات عامة لإبعاد صورة المنشار عن ولي العهد؟ تدرك هيئة الترفيه كيف تختار واجهتها، وكيف تدافع عن نفسها. وتعرف جيداً ما هي النشاطات التي ستحرّك جدلاً إيجابياً بمعظمه وتعطي الانطباع المطلوب بالانفتاح الكبير والتحوّل من دولة مغلقة ويلفّ داخلها الغموض، إلى وجهة للسياحة والترفيه. 
هكذا تبقى هيئة الترفيه السلاح الداخلي الأساسي لمحمد بن سلمان، لمسح لطخة الدم التي التصقت بعهده، وللتغطية على الأصوات المطالبة بالحرية للناشطات/ين الحقوقيات/ين في السجون السعودية. وأمام هذا الدور الذي يتخطى حاجز الترفيه عن السعوديين، لا يبدو مستغرباً أن تكون قيمة الاستثمارات في البنية التحتية الترفيهية خلال العشر سنوات القادمة هي
64 مليار دولار، كما أعلنت الهيئة نفسها عام 2018. 64 مليار دولار، تحوّل المملكة إلى واحدة من أول 10 وجهات ترفيهية في العالم، وتدفن صوت المنشار، ومناشدات الناشطات المعتقلات، تحت صوت الموسيقى في "طنطورة"، وتحت تصفيق وفود الفنانين والصحافيين المبهورين برؤية "الأمير الشاب والطموح".
دلالات
المساهمون