الكاتب ممدوح حمادة لـ"العربي الجديد": الرقابة تقدم أحيانًا خدمات مجانية

17 مايو 2018
ممدوح حمادة (العربي الجديد)
+ الخط -
كاتب من أزمنة متعددة. كيف لا وهو الذي واكب عدة أجيال في الدراما السورية، وما زال نصه نابضاً بالحياة. من الرمزية العالية في حكاياته وصولاً لأشد درجات البساطة، يصعب عليك ألّا تنشدَّ لعمل يحمل توقيعه. بين المَشاهد المضحكة توظب حقائب أفكارك بعيداً عن خربة آمالك، وترحل بعيداً عن وطن تختصر واقعه "ضيعة". وعلى متن جزيرة نائية يقال عنها "الواق واق"، تنتظرنا هذا الموسم أسئلة مفصلية عن مستقبل المجتمعات العربية بعد التغيير. "العربي الجديد" التقت الكاتب ممدوح حمادة وكان الحوار التالي: 

* اخترت في "الواق الواق" الحديث عن بيئة مفترضة بعيدة عن مكان الحرب السورية، هل جاء ذلك تجنباً لإزعاج الرقيب وتأمين نفاذ النص للنور؟

لا أبداً، موضوع الرقابة لا يقلقني، ولا أفكر فيه أثناء الكتابة. بل العكس، أرى أن الرقيب عندما يمنع عملي، يقدم للعمل دعاية مجانية ويصبح الإقبال عليه أكبر. والعمل في الأساس مشروع قديم يعود إلى عام 2007، وقد تحدثت فيه مع المنتج الراحل أديب خير، ولكن ظروفاً مختلفة، منها وفاة الصديق أديب خير، أخرّت إنتاج العمل.

* أبحرت في "الواق واق" مع سبع عشرة شخصية تجتمع مع بعضها في مكان واحد، كيف يضمن حمادة بناء مشهد جماعي بهذا الحجم دون تشتيت الجمهور؟

لا قلق من هذه الناحية، أعتقد أن هذه التفاصيل تعتبر من ألف باء مهنة كتابة السيناريو. وحين تكون الشخصية ضرورة درامية فإنّها تعرّف عن نفسها بنفسها، ومن جهتي كي أتجنب ذلك أعيد القراءة وأتفحص وجود الشخصيات في أمكنتها المطلوبة وأرسم خط سير الشخصية في كل حلقه. أعتقد أن كاتب السيناريو إذا التزم بهذا فلن يرتكب أخطاء كثيرة، فبعض الأخطاء لا مفر منها.

* هل يمكن اعتبار "الواق واق" جزءاً ثانياً من "ضبو الشناتي" في استقراء مرحلة الهجرة ونتائجها بعد عرض مرحلة الاستعداد في الحقائب؟

لا علاقة لهذا بذاك على الإطلاق، "ضبو الشناتي" يتناول الحرب السورية مباشرة، "الواق واق" لا يتحدث عن سورية فعلياً. بل يتحدث عن مشكلة الشرق وخاصة العربي منه، في بناء مجتمع حديث. الأبطال عبارة عن مجموعة متنوعة من البشر يمكن أن ينتموا لأية جنسية عربية، تم تحريرهم من سيطرة أي سلطة، وتوفرت لهم كل ظروف الحياة، فماذا هم فاعلون؟ وغرق السفينة ليس المقصود منه حوادث الغرق التي تجري الآن، وإنما هو لضرورة توفير شرط الحدث الأساسي وهو وصولهم إلى الجزيرة.

* ترسم الشخصية بطريقة كاريكاتير على الورق، تدوّن كلماتها الأبرز وتتخيل المشاهد. هل تمتد في نصوصك أبعد من سلطة الكاتب؟

في ما يتعلق بالعبارات التي ترددها الشخصية فهذا من اختصاص الكاتب أولاً، أما رسم الشخصيات فلا وظيفة له سوى استئناس المخرج والممثل ومصمم الملابس أو الماكيير بها، وهي ليست ملزمة لأحد منهم، وأنا في الأغلب أرسمها لتحريض نفسي، وعندما كنا نكتب على الورق كانت نصوصي مليئة بالرسوم على الهوامش، حيث أحب الرسم في الوقفات التي تتخلل الكتابة لأسباب مختلفة ولا تحمل أي تعدٍ أو تجاوز، وعادةً ما يرحب جميع شركائي في العمل بهذه الرسوم.


* ما الذي تتذكره من مشاهداتك ولا تجرؤ على كتابته في الدراما، وخاصة أنك تمتلك ذاكرة بصرية قوية جداً؟

ليس في ذاكرتي ما لا أجرؤ على تقديمه، هناك ما أدرك أنه لن يمر، كوني لست آخر من يضع توقيعه على العمل، ولو كنت صاحب قناة عرض لانتفى هذا الأمر كلياً.

* هل تعتبر أن ما قدمته لليوم هي أعمال مرحلية تواكب المرحلة الزمنية وتختص بها أم أعمال تصلح رسائلها لكل زمان ومكان؟

بشكل عام، لم أقدم أي عمل له ارتباط بمرحلة زمنية أو تاريخية باستثناء "ضبو الشناتي". كافة أعمالي الأخرى تصور هموماً إنسانية تحدث في أي زمن، وحتى "ضبو الشناتي" قدّم تلك الهموم.

* أطلقت دفاتركَ الأربعة التي تتقاطع بعض قصصها مع حكايات في أعمالك. ما المورد الذي يمد الثاني بالقوة؟ الكتابة كفعل روائي أو المشهد الدرامي الذي تكتبه؟

لا شك أن للكِتاب موقعا أهم من العمل الدرامي التلفزيوني، وخاصة بالنسبة للكاتب، فالكِتاب هو منبرٌ كامل لمؤلفه، فيه يستطيع قول ما يريد دون أن يتدخل أي طرف ثان في الموضوع. ولكن حيث نحن شعب غير قارئ، فإن الكاتب يحصل على الشهرة والانتشار أكثر عبر الشاشة، ومن هنا فإن الذي يمد الآخر بالقوة هو المشهد الدرامي الذي مهّد للكتاب، رغم أن الكِتاب وجد قبل المشهد الدرامي.

* هل البعد عن سورية منحك مرونة التنقل بين البيئات في أعمالك؟ وإذا ما عدت للداخل، ما البيئة التي تقطنها لتكتب عنها عملاً مقبلاً، وخاصة أنك لم تُحسب على بيئة واحدة؟

النزوح في الطفولة، و"الشنططة" التي كانت سمة حياتي منذ الصغر، جعلتني أنتمي للجميع وأملك القابلية للكتابة بأية لهجة. لم أشعر يوماً بأن هناك ما يفرقني عن الآخر جغرافياً أو دينياً أو عرقياً، ما يمكن أن يفرقنا ما يحمله من عدم الإنسانية (تعصب وابتذال). ولكن مهما كانت اللهجة، فإن هذا لن يكون عملاً بيئياً، سيكون كجميع الأعمال حاملا لهم إنساني. وعندما بدأنا اللهجات كانت الفكرة التطرق للهجات مختلفة، وكنت أنوي اختيار اللهجات التي لم تتطرق إليها الدراما أو فعلت ذلك بحياء مثل: اللهجة الديرية والإدلبية واللهجة الجزراوية السريانية ولهجات أخرى. ولكن الحرب أوقفت هذا المشروع، وقد حاولت إدخال بعض هذه اللهجات في أعمالي السابقة، مثل اللهجة الإدلبية في "ضبو الشناتي"، على لسان بائع الزيت، وإن عدتُ إلى سورية سأفكر بلهجتين أولاً، هما الجزراوية السريانية والصددية، وهما لهجتان أعرفهما جيداً.

* هل تعتبر أن هناك كوميديا سورية في الدراما التي نشاهد؟

يصعب عليّ الحديث في هذا الموضوع، ولكنني أعتقد أننا لم نصل بعد لتكون لدينا مدرسة يمكن أن نسميّها الكوميديا السورية. فكل ما قدّم حتى الآن يدخل ضمن التجارب الفردية، ولكن في الوقت نفسه يمكن القول إن هناك ملامح أخذت ترتسم لهذه الكوميديا. ولكن للأسف مع اندلاع الحرب أخذت تتسرب حالات طحلبية متسلقة شكلت ما يمكن وصفه بحالة تدهور.

* ما هي وجهتك المقبلة بعد جزيرة الواق واق؟

هناك عدة مشاريع بين سينما وتلفزيون في انتظار أن يجري الاتفاق على كتابة واحد منها لأباشر العمل.
المساهمون