تتفوق الدراما التاريخية مند زمن بعدة عناصر جعلتها ولسنين طويلة مؤثرة في المجتمع العربي. وحقيقةً كانت للدراما السورية القوة والصدارة في تصدير هذه الأعمال التي كانت غنية بتفاصيلها ودقّتها التاريخية بالإضافة للغة العربية الفصيحة التي يتمتع بها النجوم السوريون عند اللفظ، ما يجعلها سهلة وبسيطة وذات وَقْع ممتع على أذن المتلقي. وهذه الأعمال على الرغم من كثرتها ما زال يُحكى بأمرها حتى اليوم، وتُتابَع في كل إعادة، وربما أهمها "الزير سالم"، هذه الملحمة التاريخية التي حكت عن حرب البسوس والأخذ بالثأر بسبب قتلِ جساس لكُليب.
وشهد هذا المسلسل ولادة نجوم سوريين جدد، أبرزهم تيم حسن ومصطفى الخاني وميلاد يوسف. ومن الزير إلى أبو زيد الهلالي الذي لعب دوره أيضاً النجم سلوم حداد، المتمسك بهذا النوع من الدراما لما فيه من مقومات حقيقية في تجسيد شخصيات تاريخية أثيرة، ما ساهم بإبراز نجوميته أكثر عربياً. طبعاً، لا ينسى أحد بعض الأعمال التاريخية الفانتازية التي كانت تظهر بحلة تاريخية، لكن بقصة متخيلة ترمز إلى صراعات قديمة أو آنية. وربما أبرز هذه الأعمال كانت من إخراج نجدت أنزور وتأليف هاني السعدي، كسلسلة "الجوارح" و"الكواسر" و"البواسل"، التي اتسعت رقعة مشاهدتها نحو الوطن العربي بأكمله. ولم يكن يمر موسمٌ رمضاني إلا يحتوي على عمل تاريخي واحد أو أكثر، ليذكر حقبةً معينة من التاريخ، سواء أكانت إسلامية أم جاهلية أم فانتازية أم غيرها. وحققت في غالبيتها انتشاراً واسعاً، خصوصاً مع المخرج السوري حاتم علي، الذي استلم مشروعات هذه الأعمال، فدخلت كل بيت عربي.
وشهد هذا المسلسل ولادة نجوم سوريين جدد، أبرزهم تيم حسن ومصطفى الخاني وميلاد يوسف. ومن الزير إلى أبو زيد الهلالي الذي لعب دوره أيضاً النجم سلوم حداد، المتمسك بهذا النوع من الدراما لما فيه من مقومات حقيقية في تجسيد شخصيات تاريخية أثيرة، ما ساهم بإبراز نجوميته أكثر عربياً. طبعاً، لا ينسى أحد بعض الأعمال التاريخية الفانتازية التي كانت تظهر بحلة تاريخية، لكن بقصة متخيلة ترمز إلى صراعات قديمة أو آنية. وربما أبرز هذه الأعمال كانت من إخراج نجدت أنزور وتأليف هاني السعدي، كسلسلة "الجوارح" و"الكواسر" و"البواسل"، التي اتسعت رقعة مشاهدتها نحو الوطن العربي بأكمله. ولم يكن يمر موسمٌ رمضاني إلا يحتوي على عمل تاريخي واحد أو أكثر، ليذكر حقبةً معينة من التاريخ، سواء أكانت إسلامية أم جاهلية أم فانتازية أم غيرها. وحققت في غالبيتها انتشاراً واسعاً، خصوصاً مع المخرج السوري حاتم علي، الذي استلم مشروعات هذه الأعمال، فدخلت كل بيت عربي.
فبالإضافة للزير سالم، كان هناك مسلسل "صلاح الدين الأيوبي"، الذي لعب بطولته جمال سليمان. وأيضاً لا ينسى الجمهور حتى اليوم سلسلة الأندلس، التي قدّمها بعدسته، مثل "ربيع قرطبة"، العمل الذي فتح بوابة النجومية للفنانة نسرين طافش في بداياتها، إضافة إلى "صقر قريش" و"ملوك الطوائف". وتشهد هذه الأعمال حتى اليوم على روعة إخراج حاتم علي والأداء المتقَن لنجوم سورية، حيث بقيت حكاياهم وشخصياتهم محفوظةً في الأذهان إلى الآن. ولأن المخرج حاتم علي صدّر نفسه بشكل صحيح في الأعمال التاريخية، كان الخَيار الأول لتلفزيون MBC ومؤسسة "قطر للإعلام"، ليقدمَ عملاً تاريخياً حساساً بكلفة 200 مليون ريال سعودي، هو "عمر"، الذي يروي حياة الخليفة الراشدي الثاني عمر بن الخطاب. ونال المسلسل صيتاً ذائعاً بعد عرضه وحقق نجاحاً واضحاً رغم الخضّات التي أصابت العرب في عام 2011، أي في عام عرض المسلسل، ولعب وقتها الفنان سامر إسماعيل دور الخليفة في أولى تجاربه التلفزيونية، وشاركته مجموعة من النجوم السوريين والعرب، مثل غسان مسعود، مي سكاف، فادي صبيح، برناديت حديب، نادرة عمران وغيرهم.
لقيت هذه الأعمال التاريخية ترحيباً واسعاً من الجمهور لعدة أسباب، وربما أبرزها الصورة التي استطاع السوريون تصديرها للشاشة على الصعيد الإخراجي والفني، فكانوا قريبين من المُشاهِد بلغة متقَنة وأداء سليم. أيضاً ما يجعل هذه الدراما مُحَبَّبة هو النص القوي الذي كان يكتبه أو يشرف عليه مختصون في التاريخ. فمثلاً كتب ممدوح عدوان مسلسل الزير سالم، في حين كان نص مسلسل "عمر" لوليد سيف، الذي أعاد نجاحه مع حاتم علي بعد سلسلة "صقر قريش" و"ربيع قرطبة" و"ملوك الطوائف". والعنصر المميز في هذه الدراما، هو اجتماع أهم نجوم العرب في عمل واحد، دون تسخيف أو تقليل من قيمة أو جهد أي فنان منهم، كما يحصل حالياً في الدراما المشتركة. إذْ كانت تعتمد هذه الأعمال على الفنانين اللبنانيين والمغاربة والخليجيين أيضاً، بما يشكل تناغماً حقيقياً لا تطغى عليه لهجات مختلفة، بحكم أن العمل باللغة الفصحى، ما يجعل الجمهور متقبلاً لهذا الخليط الدرامي كونه يقدم أداءً سليماً من نجوم أكاديميين عرب، لهم أسماؤهم وحضورهم الجذاب.
بعد الحروب والثورات العربية انحسرت موجة الأعمال التاريخية التي تروي قصة حياة شخصية أو حقبة معينة بشكل واضح، وحتى الفانتازيا التاريخية لم يعد لها وجود إلا في ما ندر، ولم تحقق الأعمال التي صدرت بين عامي 2011 و2019 تلك الشهرة الواسعة، مثل مسلسلي "قمر بني هاشم" أو "رايات الحق"، حيث بدأ المناخ الإنتاجي والتسويقي السائد يتجه نحو الأعمال المشتركة التي لا تخلو من السطحية أو تقديم قصص اجتماعية بسيطة تهم المواطن العربي في محنته التي يمر بها. فلم يكن العمل التاريخي نافعاً حضوره أو مؤثراً بعدما انقلب التاريخ في المنطقة العربية بالمجمل منذ عام 2011، فبقيت الأعمال التاريخية القديمة حاضرة بذاكرتها وصورتها عند الجمهور وغاب التجديد في ظل الأوضاع التي كانت قائمة. ولكن بعد انحسار موجات الثورات والحروب تدريجياً، بدأت تطفو هذه الدراما على السطح من جديد، لكن بقالب آخر مُسَيَّس بشكل واضح. ففي رمضان 2018 أُعْلِنَ عن مسلسلين تاريخيَّين بشكل مفاجئ، وبدا الضخ الإعلامي قوياً فيهما، الأول كان "هارون الرشيد"، الذي لعب بطولته النجم قصي خولي، والثاني "المهلب بن أبي صفرة"، الذي لعب بطولته معتصم النهار. ورغم أن الأول حقق انتشاراً واسعاً على عدة قنوات عربية، لكنه لم ينل الرضا من الكثيرين رغم وجود مجموعة نجوم سوريين فيه، مثل كاريس بشار، سمر سامي، عابد فهد، وغيرهم.
أما "المهلب" فامتلك مقومات النجاح كعمل تاريخي، وقدمه المخرج محمد لطفي بأسلوب متميز عن نص جميل جداً كتبه محمد البطوش، إلا أن العمل لم ينل صيتاً ذائعاً عكس "هارون". بالإضافة لذلك، كان المسلسل مسيساً بشكل واضح، ويروي بشكل رمزي الخلاف الذي كان ناشباً بين قطر والإمارات، خصوصاً أن المهلب كان إماراتياً من مدينة "دبا"، أما صديقه الذي يصبح عدوه في ما بعد، فهو قطري بن الفجاءة. ولم تخلُ الأعمال التي تلت هذين العملين من الترميز السياسي والديني حسب الجهة المنتجة للعمل، وكان آخرها مسلسل "ممالك النار"، الذي حقق نجاحاً كبيراً رغم أخطائه الفنية، ورغم تسييسه الواضح ضد تركيا رداً على الخلافات التركية الخليجية السياسية. أبرزَ العملُ التاريخ الدموي للعثمانيين أيام المماليك، بشكل مبالغ فيه. فصحيحٌ أن التاريخ العثماني كان دامياً، لكن طريقة تصدير العمل كانت واضحة في تسليط الضوء على هذه النقطة أكثر من غيرها.
في موسم رمضان القادم، 2020، تختفي الأعمال التاريخية كلياً، علماً أن موسم 2019 حمل معه مسلسلين تاريخيَّين، هما "العاشق - صراع الجواري" و"مقامات العشق"، إلا أن هذا الموسم طغت على صبغته الأعمال المشتركة، لما لذلك من دور في الانتشار والتوسع العربي، لاحتوائها على عناصر عربية مختلفة. وربما تلعب الأزمات المالية والأجواء السياسية المتقلبة، بالإضافة لأزمة فيروس كورونا أخيراً، دوراً في الابتعاد عن هذا النوع من الدراما.
فيبدو أن الاتجاه الأكبر أصبح يدور في فلك التسييس التاريخي للأعمال والابتعاد عن الحيادية والموضوعية، كما كان حال هذه الأعمال سابقاً، ما أدخل الدراما التاريخية في متاهة قد لا تستطيع بسهولة الخروج منها. فالتسويق والعرض باتا يعتمدان على التسييس أكثر من كونهما يعتمدان على محتوى القصة ومغزاها وصورتها الآسرة وشخصياتها الفذة التي نجحت الدراما السورية قبلاً في تقديمها. وبالتالي تدخل الدراما التاريخية في مصير مجهول لهذا الموسم، ومستقبلاً أيضاً، نتيجة فخ نصبه المنتجون لأنفسهم، ألا وهو التسييس والمبالغ المالية الطائلة التي تُدفَع على عمل واحد، مع أنه يمكن تقليلها للنصف في إنتاج عمل متميز ومبهِر أكثر، وبثلاثين حلقة وليس في خمس عشرة حلقة فقط.
وريثما ينتهي الضباب الذي نحياه اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً، قد يستعيد المنتجون أنفاسهم ويعيدون التفكير في صياغة التاريخ على الشاشات بطريقة أكثر حيادية، خصوصاً أننا دخلنا وسندخل على أعتاب منعطفات تاريخية خطيرة قادمة، وإن لم ننصف تاريخنا الماضي فنياً فلن ينصفنا فن التاريخ من بعدنا.