في مهرجان "كان" الأخير، توج فيلم The Killing of a Sacred Deer للمخرج اليوناني يورغن لانثيموس بجائزة أفضل سيناريو، مناصفة مع فيلم "أنت لم تكن أبداً هنا"، لذلك كان من الغريب جداً بعد المشاهدة أن تكون المشكلة الأساسية الكبرى في هذا العمل، الذي يعرض ضمن فعاليات "بانوراما الفيلم الأوروبي" في القاهرة، هي تحديداً السيناريو. والعيوب الضخمة الموجودة في الحبكة وتطوراتها، وأفعال الشخصيات التي لا تبدو مفهومة في بعض الأحيان، وفي المقابل كان الشيء الذي أنقذ الفيلم (نسبياً) من فجوات الكتابة هو العمل الإخراجي الكبير من "لانثيموس"، وقدرته المبهرة على شد وتر الإثارة والتوتر في مشاهد فيلمه.
يبدأ العمل الذي تقوم ببطولته الممثلة الأسترالية نيكول كيدمان والممثل الإيرلندي كولن فاريل، بمساحة كبيرة من الغموض تغلف حياة طبيب القلب ستيفن مورفي، حيث تظهر حياته منقسمة بين عمله في المستشفى، وبين حياته العائلية مع زوجته "أنا" وابنته "كيم" وابنه "بوب". وأخيراً هناك جانب ثالث يدور حول علاقته بالمراهق "مارتن"، بمشاهد غرائبية (تحديداً من ناحية استخدام الموسيقى وشريط الصوت) توحي بوجود سر ما، والذي ينكشف لاحقاً مع عدم قدرة الابن "بوب" على الحركة فجأة، وظهور "مارتن" في المستشفى وكشفه لـ"ستيفن" أنه مثلما أخذ شخصاً من عائلته حينما تسبب في وفاة والده لإجرائه عملية القلب وهو مخمور، فإنه في المقابل سيأخذ شخصاً من عائلته، والتي ستتعرض كلها وبالتتابع لهذا الشلل المفاجئ، وستتبعه مراحل أخرى: عدم القدرة على الأكل.. نزيف العينين.. وأخيراً الموت، وأن الشيء الوحيد الذي يمكن أن يوقف كل هذا هو أن يقوم بنفسه بقتل شخص من العائلة.
في أفلام لانثيموس السابقة كان هناك سبب مفهوم لغرائبية العالم وتصرفات الشخصيات، مثل إنتاجه الأخير The Lobster، المرشح لأوسكار أفضل سيناريو، والذي يدور في عالم مستقبلي قاتم يتحول فيه الناس إلى حيوانات إذا لم يجدوا شركاء عاطفيين لهم. ومع تأسيس هذا العالم يكون بقدرة لانثيموس وضع القواعد الحاكمة التي يريدها ويتقبلها المشاهد دون أسئلة، لأنها جزء من هذا المستقبل الخيالي المتصور في ذهن المخرج. في المقابل حين تدور أحداث فيلم ما في عالم معاصر، مثلما في "قتل غزال مقدس"، فإن القواعد والقوانين الحاكمة له قوانين الواقع، ما لم يتم تأسيس قواعد أخرى مع المتفرج، وبناء على تلك النقطة يكون من الغريب جداً الطريقة التي تتصرف بها شخصيات "لانثيموس" في بداية الفيلم، فمن المفترض أن تلك العائلة "عادية" في "عالم واقعي" تتعرض لحدث "غرائبي" (يستغربونه هم أنفسهم داخل الفيلم ولا يستطيعون التعامل معه)، فلماذا إذاً كل هذا القدر من الغرابة في أفعالهم بطول الأحداث؟ مثل الطريقة التي يتم بها ممارسة الجنس، أو الأسئلة الفجائية وغير المنطقية في بعض اللحظات، أو بعض من العنف والحدة والآلية أحياناً في تعاملاتهم معاً؟
الأسوأ من ذلك في جانب السيناريو أن لا شيء مُفسراً، لا قدرات الفتى الشيطاني "مارتن"، ولا في شكل بيته أو محاولة والدته إغواء الطبيب في إحدى اللحظات، أو حتى في تفاعلات العائلة في الأمر الجلل الذي يهز حياتهم، وصولاً لختام مبتور للفيلم لا يقل غرائبية أو عدم تفسير عن باقي أحداثه، ولا مبالغة في القول أنه إذا نزعنا قدرات "لانثيموس" الإخراجية من العمل فإن الباقي منه هو سيناريو أقرب لأفلام الرعب التجارية، وتحديداً لسلسلة أفلام Saw الانتقامية، والتي تدور بنفس القواعد: حيث شخص قام بخطأ ما في الماضي (تسبب الطبيب في موت والد مارتن) وتأتي الآن لحظة الانتقام (حضور مارتن وعلاقته بالعائلة) وخلق لعبة ما يجب فيها على الشخص المُذنب أخذ خيارات قاسية جداً (الطبيب وخيار قتل شخص من عائلته)، دون عمق أو مقاربة حقيقية للشخصيات التي تظهر أقرب لنماذج.
هكذا كان الشيء القوي الواضح في الفيلم، والشيء الذي يستحق قضاء ساعتين أمام الفيلم من أجله، هو خبرة لانثيموس وإعادة استخدامه للغة إخراجية أثبتت نجاحها مع الجمهور.
اقــرأ أيضاً
يبدأ العمل الذي تقوم ببطولته الممثلة الأسترالية نيكول كيدمان والممثل الإيرلندي كولن فاريل، بمساحة كبيرة من الغموض تغلف حياة طبيب القلب ستيفن مورفي، حيث تظهر حياته منقسمة بين عمله في المستشفى، وبين حياته العائلية مع زوجته "أنا" وابنته "كيم" وابنه "بوب". وأخيراً هناك جانب ثالث يدور حول علاقته بالمراهق "مارتن"، بمشاهد غرائبية (تحديداً من ناحية استخدام الموسيقى وشريط الصوت) توحي بوجود سر ما، والذي ينكشف لاحقاً مع عدم قدرة الابن "بوب" على الحركة فجأة، وظهور "مارتن" في المستشفى وكشفه لـ"ستيفن" أنه مثلما أخذ شخصاً من عائلته حينما تسبب في وفاة والده لإجرائه عملية القلب وهو مخمور، فإنه في المقابل سيأخذ شخصاً من عائلته، والتي ستتعرض كلها وبالتتابع لهذا الشلل المفاجئ، وستتبعه مراحل أخرى: عدم القدرة على الأكل.. نزيف العينين.. وأخيراً الموت، وأن الشيء الوحيد الذي يمكن أن يوقف كل هذا هو أن يقوم بنفسه بقتل شخص من العائلة.
في أفلام لانثيموس السابقة كان هناك سبب مفهوم لغرائبية العالم وتصرفات الشخصيات، مثل إنتاجه الأخير The Lobster، المرشح لأوسكار أفضل سيناريو، والذي يدور في عالم مستقبلي قاتم يتحول فيه الناس إلى حيوانات إذا لم يجدوا شركاء عاطفيين لهم. ومع تأسيس هذا العالم يكون بقدرة لانثيموس وضع القواعد الحاكمة التي يريدها ويتقبلها المشاهد دون أسئلة، لأنها جزء من هذا المستقبل الخيالي المتصور في ذهن المخرج. في المقابل حين تدور أحداث فيلم ما في عالم معاصر، مثلما في "قتل غزال مقدس"، فإن القواعد والقوانين الحاكمة له قوانين الواقع، ما لم يتم تأسيس قواعد أخرى مع المتفرج، وبناء على تلك النقطة يكون من الغريب جداً الطريقة التي تتصرف بها شخصيات "لانثيموس" في بداية الفيلم، فمن المفترض أن تلك العائلة "عادية" في "عالم واقعي" تتعرض لحدث "غرائبي" (يستغربونه هم أنفسهم داخل الفيلم ولا يستطيعون التعامل معه)، فلماذا إذاً كل هذا القدر من الغرابة في أفعالهم بطول الأحداث؟ مثل الطريقة التي يتم بها ممارسة الجنس، أو الأسئلة الفجائية وغير المنطقية في بعض اللحظات، أو بعض من العنف والحدة والآلية أحياناً في تعاملاتهم معاً؟
الأسوأ من ذلك في جانب السيناريو أن لا شيء مُفسراً، لا قدرات الفتى الشيطاني "مارتن"، ولا في شكل بيته أو محاولة والدته إغواء الطبيب في إحدى اللحظات، أو حتى في تفاعلات العائلة في الأمر الجلل الذي يهز حياتهم، وصولاً لختام مبتور للفيلم لا يقل غرائبية أو عدم تفسير عن باقي أحداثه، ولا مبالغة في القول أنه إذا نزعنا قدرات "لانثيموس" الإخراجية من العمل فإن الباقي منه هو سيناريو أقرب لأفلام الرعب التجارية، وتحديداً لسلسلة أفلام Saw الانتقامية، والتي تدور بنفس القواعد: حيث شخص قام بخطأ ما في الماضي (تسبب الطبيب في موت والد مارتن) وتأتي الآن لحظة الانتقام (حضور مارتن وعلاقته بالعائلة) وخلق لعبة ما يجب فيها على الشخص المُذنب أخذ خيارات قاسية جداً (الطبيب وخيار قتل شخص من عائلته)، دون عمق أو مقاربة حقيقية للشخصيات التي تظهر أقرب لنماذج.
هكذا كان الشيء القوي الواضح في الفيلم، والشيء الذي يستحق قضاء ساعتين أمام الفيلم من أجله، هو خبرة لانثيموس وإعادة استخدامه للغة إخراجية أثبتت نجاحها مع الجمهور.